يعتبر قاضي التحقيق الجهة التي أوكل إليها القانون القيام بالتحقيق الإعدادي، وإن المهام المتعددة التي أسندها إليه جعلته صاحب أدوار مختلفة ومتداخلة، فهو ضابط سام للشرطة القضائية، من حيث جمع الأدلة عن الجرائم والبحث عن مرتكبيها مباشرة أو بواسطة إنابة قضائية، وهو أيضا جهة اتهام من حيث مهامه الشبيهة بمهام النيابة العامة، كما أنه جهة قضائية من حيث إصدار القرارات، وإجبارية تعليل بعضها، ومن حيث قابلية هذه القرارات للطعن[1]. وتتجلى أهم حقوق الضحية أمام قضاء التحقيق فيما يلي: 1- المطالبة بالتحقيق من طرف المتضرر يفهم من المادة 92 ق.م.ج وما يليها أنه يحق للمتضرر إقامة الدعوى العمومية بواسطة الإدعاء المباشر أمام قاضي التحقيق، سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة قابلة للتحقيق، فإذا لم تكن قابلة للتحقيق فإنه لا يمكن للمطالب بالحق المدني أن يطالب بإجراء تحقيق بشأنها وقد نصت المادة 92 ق.م.ج على أنه يمكن لكل شخص تضرر من جناية أو جنحة أن ينصب نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكايته أمام قاضي التحقيق المختص، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وتعبير "ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" الواردة في المادة 92 ق.م.ج يعني بالإضافة إلى ما ذكر، حالات أخرى يقرر فيها القانون مسطرة خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للحصانة الدبلوماسية أو البرلمانية، أو كالمطالبة بإجراء تحقيق في حق عضو من أعضاء الحكومة من أجل فعل جرمي نسب إليه خلال ممارسته مهامه، أو كما هو الشأن بالنسبة للمساطر الخاصة المنصوص عليها في المادة 264 ق.م.ج وما يليها بشأن الجرائم المنسوبة لبعض القضاة والموظفين، حيث يقرر القانون مسطرة خاصة تتم عبر إحالة القضية من طرف النيابة العامة على الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى، أو على الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال، وهو ما لا يفسح المجال لتحريك الدعوى من طرف المتضرر مباشرة. علما بأن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف قد يقرر إجراء تحقيق في القضية، وفي هذه الحالة فلا شيء يمنع المتضرر من الانتصاب كطرف مدني أمام قاضي التحقيق[2]. 2- المطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق منح المشرع للمتضرر إمكانية إقامة الدعوى العمومية لحماية حقوقه في حالة عدم قيام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية في إطار إعمال ما لها من سلطة الملائمة فيحق له أن يقيم هذه الدعوى عن طريق الإدعاء المباشر بالحق المدني أمام قاضي التحقيق. كما أنه يحق للمتضرر غير المثير للشكاية المباشرة أن يتدخل للمطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق وفي أي مرحلة من مراحل التحقيق حسب المادة 94 ق.م.ج. كما أكد المشرع ما سبق أن منحه للضحايا من حقوق أمام النيابة العامة كحق الشكوى والحضور والإطلاع ومؤازرة المحامي، إضافة إلى الحق في تقديم الدفوع والطلبات والأدلة، كما أتاح لهم فرصة الرد على ما يقدمه باقي الخصوم من أدلة عن طريق المحامي.[3] 3- حق طلب إجراء الخبرة يحق للمدعي المدني أن يطلب تعيين خبير أو أكثر في الدعوى[4] أو حتى طلب إجراء خبرة مضادة، ويتم إعلامه هو ومحاميه بنتائج تقرير الخبير ويعطى له أجل لإبداء ملاحظاته أو تقديم طلباته، خاصة بقصد إجراء خبرة تكميلية، أو خبرة مضادة ويحق له الحصول على نسخة من تقرير الخبير[5]. كما يجوز للطرف المدني الذي يدعي أن له حقوقا على شيء محتفظ به لدى العدالة أن يقدم طلبا لقاضي التحقيق لاسترداده أو استرداد ثمنه إذا كان قاضي التحقيق قد قرر بيعه خشية فساده أو تلفه أو لتعذر الاحتفاظ به، ويبث قاضي التحقيق بأمر معلل داخل ثمانية أيام فيما قدم له من طلبات وذلك بعد أخد رأي النيابة العامة، وله أن يأمر برد الأشياء تلقائيا[6]. 4- حق الطعن في قرارات قاضي التحقيق غني عن البيان أن ادعاء ضحايا الجريمة بحقوق مدنية أمام قضاء التحقيق القصد الرئيسي والحقيقي منه هو الوصول إلى قرار إحالة المتهم إلى المحكمة الجنائية تحت ستار الحكم في دعواه المدنية، فإذا قررت سلطة التحقيق عدم وجود وجه لإقامة الدعوى، أو رفضت إجراء التحقيق، فإنها بهذا أو ذاك ترتب ضررا مباشرا بمصالح ضحايا الجريمة، مما يكون لهم مصلحة في الطعن في مثل هذه القرارات، طالما حاز كل منهم منذ البداية صفة الخصومة باستيفائه إجراءات الإدعاء المدني وفق القواعد المقررة في هذا الصدد[7]. فقد خول المشرع للطرف المدني بمقتضى المادة 224 ق.م.ج الحق في أن يستأنف الأمر الصادر بعدم إجراء التحقيق والأمر الصادر بعدم المتابعة وغيرهما من الأوامر التي تمس مصالحه المدنية، ومنع عليه صراحة استئناف الأوامر الصادرة بشأن اعتقال المتهم، أو بالمراقبة القضائية على أساس أن تلك الأوامر لا تؤثر على مصالحه المدنية. أما إذا رأى قاضي التحقيق أنه غير مختص، فيصدر- بعد التماسات النيابة العامة- أمرا إلى المطالب بالحق المدني برفع دعواه إلى المحكمة المختصة[8]. وللمجني عليه إن اقتضى الحال الاستعانة بكل شخص للقيام بمهمة الترجمة، وله الحق أيضا في أن يستفيد من المساعدة القضائية لتنصيب دفاعه المادة 120 من ق.م.ج. وفي توسيع العناية به، أتاحت له المسطرة الجنائية الجديدة إمكانية سحب قضيته وإحالتها على قاضي تحقيق آخر، بتقديم طلب معلل للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف وذلك طبقا للمادة 91 من ق.م.ج، كما أتاحت له نفس المسطرة الحق في المطالبة باسترداد المحجوز أو ثمنه، وإذا قدم الطلب من طرف الأغيار فيتعين أن يبلغ إلى المجني عليه لإبداء ملاحظته حول الفصل 106 من ق.ج، كما له أيضا أن يطالب بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، المادة 142 من ق.م.ج. وفي حالة ما إذا ارتأى قاضي التحقيق وضع الجاني تحت المراقبة القضائية، فإنه يجب أن يراعي في ذلك ما يضمن حقوق المجني عليه من تقديم ضمانة شخصية أو عينية من طرف الجاني يحددها قاضي التحقيق، المادة 160 من ق.م.ج. وفي حالة تقديم الجاني لطلب السراح المؤقت يتعين تبليغ المجني عليه بهذا الطلب برسالة مضمونة لإبداء ملاحظاته، وإذا كان السراح المؤقت متوقفا على وجوب تقديم كفالة فيجب أن تكون ضامنة للمصاريف المسبقة التي قدمها الطرف المدني المجني عليه والمبلغ الواجب إرجاعه ومبالغ التعويض، الفصلين 179 و 184 من ق.م.ج. وفي الإنابة القضائية،[9] فقد أحاطت المسطرة الجنائية يتعين تبليغ المجني عليه بعناية خاصة، حيث لا يمكن لضابط الشرطة القضائية الاستماع إليه إلا بموافقته أو بطلب منه، المادة 190 من نفس المسطرة. وفي حالة استنطاق المتهم أو مواجهته بغيره أمكن للمجني عليه توجيه أسئلة للجاني عبر قاضي التحقيق فإن رفض هذا الأخير الإذن له بذلك، تعين تسجيل تلك الأسئلة في محضر وإرفاق نصها به تطبيقا للمادة 140 من قانون المسطرة الجنائية. وفي حالة بطلان أحد إجراءات التحقيق المثارة من قبل قاضي التحقيق وجب إشعار المجني عليه لإبداء ملاحظاته قبل إحالة الملف على الغرفة الجنحية، وفي حالة ما إذا ظهر للمجني عليه أن إجراء من إجراءات التحقيق مشوبا بالبطلان، له أن يطلب من قاضي التحقيق إحالة ملف النازلة على النيابة العامة لتحيله بدورها على الغرفة الجنحية، وله الحق في التنازل عن البطلان بصفة صريحة إذا كان مقررا لفائدته ويعرض في جميع الأحوال على الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف للوقوف على مساسه بحقوق المجني عليه من عدمه، المادتين 211 و 212 من ق.م.ج. وفي وسائل الإثبات، فإن المجني عليه، يحتل مكانه ضمن باقي أطراف الخصومة الجنائية في تقديم جميع وسائل الإثبات التي يراها منتجة في قضيته من توجيه الأسئلة عن طريق قاضي التحقيق إلى الإدلاء بلائحة شهود جدد ومناقشة شهادة الشهود وإبراز نقائصها وتناقضاتها وطلب إجراء خبرة تكميلية أو مضادة، المواد 340169 و 194 من ق.م.ج. وإذا كان المجني[10] عليه في ظل الأنظمة الجنائية المستجدة يعد طرفا في الخصومة الجنائية، فإن إشعاره وتبليغه بجميع القرارات التي تتخذ خلال مسطرة التحقيق سواء منها الرامية إلى تجهيز الملف أو إلى إنهاء إجراءات التحقيق بغية فسخ المجال أمامه لتمكينه من إبداء ملاحظته أو استعمال وسائل الطعن بشأنها، حيث مكنه المشرع من استئناف الأوامر الصادرة بعدم إجراء تحقيق وعدم الاختصاص وجميع الأوامر الآتي تمس بمصالحه، تطبيقا للمادة 224 من ق.م.ج. فما هي حقوق ضحايا الجريمة أمام هيئة القضاء؟ [1] أنظر وزارة العدل: شرح ق.م.ج، المرجع السابق، ص : 217. [2] وزارة العدل : شرح ق.م.ج، نفس المرجع، ص : 226 [3] المادة 140 ق.م.ج [4] المادة 194 ق.م.ج. [5] المادة 208 ق.م.ج [6] المادة 106 ق.م.ج [7] محمد أحمد عبد اللطيف الفقي: المرجع السابق، ص: 221 [8] المادة 97 ق.م.ج [9] مجلة القصر مجاة فصلية لدراسلت والوتائق القانونية العدد 17 ماي 2007 ص 28 [10] مجلة القصر مجاة فصلية لدراسلت والوتائق القانونية العدد 17 ماي 2007 ص 30 [10] محمد أحمد عبد اللطيف الفقي: المرجع السابق، ص :324 طالب باحث في سلك الدكتوراه قانون عام تخصص علم الضحايا