قلبي مع الأكاديمي المغربي الدكتور المعطي منجب . وقلبي أيضا مع الأكاديمي المصري الدكتور سيف عبد الفتاح . ومن خلال محنتيهما أو بالأحرى محنتهما أطل فزعا على أمة من مشرق العالم العربي الى مغربه تستهدف وتهين مثقفيها المرموقين من أساتذة الجامعة .وهم بالأصل بمثابة عملة نادرة ما أحوجنا غليها ونحن نجاهد ميراثا بغيضا من قرون التخلف والانحطاط . وأعجب مما يتعرض له هذين العالمين المحترمين فيما نشكو هنا وهناك من هجرة ونزيف علماء بلادنا الى الخارج، وقد أصبحت جامعات أوروبا والولايات المتحدة مقصدا للعديد منهم هربا من بؤس واقعنا وإحباطاته. أعرف الرجلين معرفة مباشرة . وهما رغم الاختلافات الفكرية فأحدهما إسلامي والآخر لا يمكن تصنيفه إسلاميا بأي حال توحدهما هموم مشتركة .هذا رغم تفاصيل المحنة . واشهد لهما بالاستقامة وبالانفتاح على الأفكار والتيارات المخالفة. ولا أستطيع ان اخفي قلقي الزائد على الدكتور منجب المؤرخ الأستاذ بجامعة الرباط بعدما دخل إضرابه عن الطعام في وطنه الأسبوع الثالث احتجاجا على منعه من السفر وملاحقته بتحقيقات هي في النهاية محض تصفية حسابات سياسية مع شخصية معارضة آلت إلا ان تكرس نشاطها من أجل حرية بلادها . فهو من موقع مركز "إبن رشد " المغربي أطلق حوارا مهما بين شباب الإسلاميين واليساريين العلمانيين بين عامي 2007 و 2008 . وأظن ان مثل هه المبادرة وكما روي لي تفاصيل اطلاقها ومسارها يوما ما خلال هذا العام اسهمت في مولد قيادات شابه ظهرت في حراك 20 فبراير 2011 بمختلف مدن المغرب طلبا للديموقراطية والعدالة الإجتماعية والاستقلال الوطني . واظن انه لم يكن من المتصور ان يتعاون شباب إسلامي ويساري في هذه الانتفاضة الشعبية التي دامت نحو ثلاثة أشهر من دون هذا الجهد الوطني الريادي من أجل القبول المتبادل والتفاهم وكسر قيود حياة حزبية سياسية حبيسة قفص "القصر" الذي يطلق عليه "المخزن". ولا يمكنني ان أصدق مطلقا اتهامات تشويه السمعة الموجهة الى الدكتور منجب بأن هناك"اختلالات" مالية في ادارة "مركز إبن رشد". ولدي كما العديد في مختلف انحاء العالم شكوكا قوية في هذه الاتهامات المدعاة وغير المحققة. ولأنها لا تحركها سوى محض دوافع سياسية ،وبخاصة ان الدكتور منجب يرأس جمعية نذرت نفسها للدفاع عن حرية التعبير باسم "الحرية الآن" . وهو أمر لا يروق لأعداء الحرية . وتماما مثلما لا أصدق ولا أفهم ملاحقة الناشط والصحفي المغربي "هشام المنصوري" بقضية التورط في خيانة زوجية، إلا في سياق المكائد والمكايدة السياسية ليس إلا. وفي مثل هذه الحالات ، وكما تفيد تجارب سابقة في مصر منذ عشرات السنين فانه في النهاية لايصح إلا الصحيح . ولا يبقي في ذاكرة التاريخ سوي سلطة ظالمة لجأت الى أحط الأساليب لمنازلة أبناء وطن طامحين الى الحرية والعدالة. ولأن أحدا محترما في هذا العالم لا يمكنه ان يصدق سلطة تعاقب معارضيها بمثل هذه الافتراءات . بل وينتهي الأمر الى النظر الى هكذا سلطة منتجة للافتراءات بمزيد بعدم الثقة. أما محنة الدكتور سيف عبد الفتاح الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فهي لاتقل بدورها بؤسا وفجاجة في مظاهرها وافتراءاتها . صحيح ان الدكتور سيف في منفاه الآن خارج وطنه مصر لم يدخل اضرابا عن الطعام . لكن كيف نصمت على مايجري في الجامعات المصرية الآن من فصل خيرة اساتذتها وعلمائها الأفاضل لمجرد أنهم معارضون لماجرى في 3 يوليو 2013 ؟. وهكذا بدعاوى ساذجة مفضوحة ك"الغياب بدون إذن". تصوروا كيف وصل بنا الحال في مصر التنوير وفي جامعة عريقة فاق عمرها المائة عام . جامعة طه حسين وأحمد لطفي السيد ونضالها التاريخي من أجل استقلال الجامعات عن السلطة السياسية يعامل علماؤها الأجلاء هكذا. و كأنهم من صغار الموظفين، والذين ينتقي رؤساءهم المشاغبين منهم كي يلاحقونهم بلعبة "الغياب بدون إذن". وللأسف هكذا يجرى اهانة الجامعة والجامعيين بمثل هذه الحجج والمبررات الخائبة تمويها على أغراض سياسية مفضوحة . ولأنهم معارضون للسلطة السياسية. معرفتي بالدكتور سيف عبد الفتاح رغم اختلافنا في توجهات فكرية وسياسية تجعلني احترمه وأجله تماما مثلما هو حالي مع الدكتور منجب. بل وأضيف الى كل تاريخه المحترم أكاديميا ان هذا الرجل استقال من فريق مستشاري الرئيس المعزول محمد مرسي احتجاجا على الاعلان الدستوري الذي اصدره في نوفمبر 2012. بل انه طالما انتقد علنا سياسات مرسي والإخوان عندما كانا في الحكم، أو بالأدق شاركا العسكريين في حكم مصر لعام واحد. لاأحد يمكنه ان يمحو من ذاكرة المصريين أيامنا السوداء هذه التي عرفت مذبحة جديدة لاساتذة الجامعات. وهي قد تعيد الى الأذهان مذبحة عام 1954 التي استهدفت بالأساس اليساريين والليبراليين وكان من بين ضحاياها أعلام فذة من بينهم الناقد الكبير الراحل الدكتور لويس عوض. وهذه المرة فان مصير الدكتور عبد الفتاح كان أيضا من نصيب عديد من اساتذة الجامعات منهم إسلاميون وغير إسلاميين . ولكن الأسوأ الذي لن ننساه أبدا هو كيف سولت نفس رئيس جامعة القاهرة بما لها من شأن وأي شأن أن يخرج في وسائل الإعلام مدافعا عن فصل زميل له من العمل مرددا تفاهات يندي لها الجبين. وقد أخذ يلوك بين كلمات "الغياب بدون إذن" خصومة سياسية مفضوحة مع الدكتور سيف عبد الفتاح. كلي ثقة مع محنة الأكاديميين المحترمين عبد الفتاح ومنجب ولا أقول محنتيهما بأن هذه التفاهات ومعها من يطلقها الى زوال. ولأنه لن يبقي إلا وجه علماء أجلاء أصبحوا رمزا للحريات الأكاديمية ولمثقفين نبلاء ولطلب الحرية والعدل في مجتمعاتنا المنكوبة بالتخلف، وبأسباب التخلف وعلى رأسها آفة الاستبداد وحماقات المستبدين.