استيقظت يوم الرابع من شتنبر باكرا ، بل نمت سويعات قليلة و استعجلت الصباح لأنهض ، أحضر نفسي ، وأتجه نحو مكتب التصويت لأدلي بواجبي الوطني و أشارك لأول مرة في الانتخابات المحلية و الجهوية خاصة و أن وسائل الإعلام الرسمية أمطرتنا بوابل من الوصلات الإشهارية و البرامج و الندوات و الأخبار ....كلها تجمع على أن الرابع من شتنبر هو الفيصل بين مغربين ، مغرب فقير لا يأخذ بأساليب التنمية و مغرب جديد مزدهر قوي ، ديمقراطي، قوي بمؤسساته و أحزابه ، مشرق بأساليب تنموية مستدامة . سمعت من الأقاويل و الشعارات ما جعلني أشعر أنني سأستيقظ يوم الخامس من شتنبر على مغرب جديد ، مغرب أكون قد ساهمت في بنائه عندما توجهت يوم الرابع شتنبر لأدلي بصوتي في صندوق الاقتراع . طيلة يوم الرابع من شتنبر شعرت بالفخر و أحسست بالانتماء إلى وطن سيسمع لأول مرة صوتي و قلت في نفسي : ما أحلى أن تعيش في وطن ديمقراطي و ما أحلى الديمقراطية... لم يراودني أدنى شك في أن الانتخابات ستكون شفافة و نزيهة و سيختار المواطنون من يمثلهم في مدينتهم و جهتهم بل سار بي التفاؤل بعيدا و اعتبرت أن هذه الانتخابات ستكون عقابية حيث سيجبر المواطنون كل المسؤولين الفاشلين على الانسحاب من المشهد السياسي و سيمنعونهم من تحمل مسؤولية التسيير. عشت في حلم وردي إلى غاية يوم الجمعة و هو يوم الإعلان الرسمي عن النتائج و سرعان ما تبين لي أن أشياء كثير من انتظارات المواطنين لن تتحقق أبدا و بالتالي انتظاراتي هي الأخرى لن تتحقق و بدأت المخاوف تنتابني و الشكوك تحوم حولي ، فاسترجعت شريط الحملة الانتخابية بالمغرب فلمست أن المرشحين لم طرحوا برامج تنموية و إنما شعارات و تبادل للاتهامات و السب و القذف و استغلال النفوذ ، فهذا رئيس الحكومة المشرف المباشر على الانتخابات يقوم بالحملة الانتخابية لحزبه مستعملا صلاحياته الوظيفية و نفوذه الحكومي متنقلا من مدينة إلى أخرى بالطائرة أو السيارات الفخمة و هذا حزب معارض يوزع قنينات الزيت و النقود و أكباش العيد على مرأى و مسمع من السلطة و هذا حزب معارض آخر يوزع الدجاج و الخبز ، و هذا حزب الحكومة يستغل ذراعه الدعوي ليوزع صكوك الغفران و دعوات التوبة و الدخول إلى الجنة ..... أطلقت وزارة العدل و الحريات رقما أخضرا للتبليغ على الرشوة ، لكن أحزاب الأغلبية و المعارضة شرعنت الرشوة طيلة أيام الحملة الانتخابية و قضت على أحلام المغاربة في أن يستيقظوا يوم الخامس من شتنبر ليجدوا مغربا جديدا... قلت في نفسي ما وقع في الحملة الانتخابية مجرد استثناء و ليس قاعدة ، لا بد أن تكون صناديق الاقتراع قد أوصلت رجالا شرفاء حتما سيتحملون المسؤولية و يكونون في مستوى انتظاراتنا ، من هنا أقنعت نفسي بالتريث حتى تتشكل المكاتب المسيرة في البلديات و الجهات و سيرى كل المواطنين ثمرة إيمانهم بأحزابنا و قدرتهم على تجسيد الإرادة الشعبية . بدأ الحديث عن التحالفات و بدأت معه المأساة الحقيقية ، و تبين بالواضح أن كل الأحزاب سواء الممثلة للأغلبية الحكومية أم الممثلة للمعارضة إنما تسعى إلى ضمان مكان في الظل على كراسي مريحة في البلديات أو الجهات ، إلى درجة أن المشهد السياسي المغربي تحول إلى مشهد سريالي لا وجود فيه لإرادة الشعب و انتظارات المواطنين ، كل مستشار أو منتخب يبحث عن حصته من الكعكة لا وجود للانتماء السياسي الحزبي ، لا وجود للخلفية أو المرجعية الإديولوجية ،لا وجود لبرامج و رؤى تنموية و إنما سعي نحو الظفر بكرسي الرئاسة ، إذ تسربت وثائق حزبية عن تحالفات لا يمكن أن يتصورها الفرد قبل الرابع من شتنبر من مثل انفراد مستشارين من العدالة و التنمية في بلدية بني درار شمال وجدة بموقفهم الخاص فمنحوا التزكية لمستشار من الأصالة و المعاصرة ليصبح رئيسا للبلدية ، و تحالف مستشارون من العدالة و التنمية مع آخرين من الأصالة و المعاصرة ليسدوا الطريق في وجه مرشح لرئاسة تطوان ينتمي لحزب الأحرار ، ناهيك عن تحالفات بين العدالة و التنمية و الاستقلال في مناطق متعددة و أخيرا تحالف اليسار مع العدالة و التنمية و الأحرار ......و لا زالت حمى التحالفات تفرز اللامعقول في المغرب و تسير ضد إرادة الشعب المغربي ....لا شك أن من يحرث الريح لن يحصد إلا العاصفة... أعيش لحظة من الندم لأنني اشعر أنني شاركت في المأساة الانتخابية و اشعر أنني كنت ضحية لعبة سياسية حزبية و ما زاد من ندمي ما وقع بمدينتي ، مدينة وجدة التي لم تأخذ حظها من التنمية كغيرها من مدن الجهة الشرقية حيث تداول عليها مسؤولون لم يعرفوا كيف يستثمرون مؤهلات المدينة و خيرات الجهة التي لا زالت تصنف ضمن أفقر الجهات على المستوى الوطني. ما أعجبني في بداية الأمر أن الوجديين وظفوا انتخابا عقابيا ضد حزب الاستقلال بحكم أن الولاية المنتهية برئاسة عمر حجيرة لم تكن في مستوى انتظارات المواطنين ، و قد تعرض حجيرة لانتقادات كثيرة بسبب طريقته في التسيير ، و أظن أن الوجديين تنفسوا الصعداء عندما حصل حزب الاستقلال على سبعة أصوات فقط مقابل ثلاثين صوتا للأصالة و المعاصرة و ثمانية و عشرين صوتا للعدالة و التنمية . الكل اقتنع بالنتيجة و تأكد من عدم عودة حزب الاستقلال لتسيير المدينة ، لكن مع مرور الوقت بدأت الشكوك و المخاوف تحوم على الوجديين ، و بدأت تظهر ملامح تحالفات غريبة الرابح فيها هو حزب الاستقلال ، فقد طرح على الساحة التحالف بين حزب الاستقلال و العدالة و التنمية على أن تؤول الرئاسة لعمر حجيرة مع نيابات لكل أصدقائه تحركت الأصالة و المعاصرة لتنسف هذا التحالف و تم اللقاء بالرباط بين قيادات حزب الاستقلال و الأصالة و المعاصرة بحضور عمر حجيرة و تم الاتفاق على تحالف جديد بين الحزبين على أن تؤول الرئاسة لعمر حجيرة مع أربع نيابات . يظهر أن في كلا التحالفين يكون حزب الاستقلال رابحا و يكون عمر حجيرة هو الرابح الأكبر لكن أن هي إرادة المواطنين ؟؟؟؟ لا وجود لإرادة المواطنين ، هناك إرادة واحدة تتمثل في إرادة الكرسي رغما عن الشعب و انتظاراته ، لقد قالوا لنا في وصلاتهم الإشهارية أن الاختيار بيدي و يجب أن أختار المرشح الذي يحمل همومي ، لقد قمت بما يمليه علي ضميري و اخترت و اختار أهل وجدة و لكنهم وجدوا على رأس المجلس شخصا لا يحبون طريقته في التسيير...أي إحباط هذا...... انتفض مستشارون من الأصالة و المعاصرة ضد إرادة حزبهم و رفضوا التنازل لحجيرة و منحه الرئاسة على طبق من ذهب لكن السيد عبد النبي بعيوي جمعهم في فندق فاخر يكون فيه الأكل و الشرب فاخر أيضا و استطاع بعد الجلسة الفاخرة أن يمتص غضبهم و يقنع هشام الصغير بقبول رئاسة المجلس الإقليمي لعمالة وجدة على أن تكون له أي عبد النبي بعيوي رئاسة الجهة..... أجمعت أكثر من أربعين هيئة وطنية و دولية على أن انتخابات الرابع من شتنبر مرت في شفافية و نزاهة و اعتبرها الجميع لحظة ديمقراطية حاسمة في تاريخ المغرب الحديث لكن أين هي الهيئات التي ستحكم عن مدى استجابتها لانتظارات الشعب ؟؟؟ سؤال لن يستطيع أن يجيب عنه إلا المواطنون المكتوون بلهيب الانتظارات الكثيرة المتراكمة التي لن تتحقق أبدا مع أحزاب تخلت عن الشعب و حطت مؤخرات مسؤوليها على كراسي مريحة.... أخيرا أقول للجميع كل رابع من شتنبر و مؤخرات مسؤولي أحزابنا بخير ....