تعد اليمن من أقدم المستوطنات العربية في العالم ، فيذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب الجزء الأول ، إن قحطان احد أبناء نبي الله نوح (ع) ، قد سكن هذه البلاد بعد انهيار صرح بابل ، الذي خرجت منه العرب القحطانية العاربة ، أو ما يعرف بعرب الجنوب ، يبدأ تاريخ اليمن من أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد حيث قامت مملكة سبأ ومَعيَّن وقتبان وحضرموت وحِميَّر وكانوا مسؤولين عن تطوير أحد أقدم الأبجديات في العالم وهي ما عرف بخط المسند كما إن عدد النصوص والكتابات والشواهد الأركيولوجية في اليمن أكثر من باقي أقاليم وأقطار شبه الجزيرة العربية، أطلق الروم على اليمن تسمية )العربية السعيدة) ، يبلغ نسبة المسلمين في اليمن حوالي 99،98% من إجمالي السكان، وكان الإسلام قد انتشر في اليمن بسرعة كبيرة، ويعود دخول الإسلام في اليمن إلى عهد نبي الإسلام محمد بن عبد الله (ص) حينما أرسل الإمام علي بن أبي طالب (ع) ومعاذ بن جبل إلى اليمن لدعوة أهله إلى الإسلام، فكان أن استجاب أهل اليمن إلى دعوتهما دون تردد أو مقاومة ، ثم ترسخ الإسلام في اليمن أكثر، ودخل أهله في جيش المسلمين الذي فتح الشام وعدد أخر من البلاد التي أصبحت من حواضر المسلمين فيما بعد كما جاء في كتاب عبد الرحمن عبد الواحد (تاريخ اليمن في الإسلام) ...تحوي اليمن على اكبر تجمع لأتباع المذهب الزيدي والذي يرجع إلى الإمام زيد بن علي ابن الحسين بن علي ابن أبي طالب (ع) ، الذي ثار على الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك في الكوفة ، واستشهد سنة 122 هجرية ، وصلب وأرسل رأسه إلى الشام ثم علق على قبر النبي محمد (ص) ، وطيف به في مصر إلى أن أخذه بعض أنصاره ودفن هناك ، كما ذكر ابن الأثير في كتابة (الكامل ) ... ويعتبر يحيى بن الحسين بن القاسم الملقب بالهادي الذي درس المذهب الزيدي والمذهب الحنفي هو أول من ادخل المذهب الزيدي الى اليمن سنة 284 هجرية واستقر في صعدة شمال اليمن واخذ البيعة على إقامة الكتاب والسنة ولأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستمر حكم الأئمة الزيديين لليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382ه (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية, وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت استمرت أحد عشر قرناً من الزمان ... وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي دقيق عن نسبة الزيدية في اليمن إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 30-35% من سكان اليمن الموحد, حيث أن الزيديين يتمركزون في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي مثل صنعاء وصعدة وحجة وذمار, بينما ينتشر السنة الشافعية في المحافظات لوسطى والجنوبية مثل تعز وأب والحديدة ومأرب وعدن وحضرموت, بل الجنوب بأكمله, وبالإضافة إلى الوجود التاريخي للزيدية في اليمن, فأنه كان هناك دعوات زيدية في طبرستان والجبل والديلم, وأسست لهم دول لكنها لم تعمر طويلاً، استمرت الإمامة الزيدية في شمال اليمن حتى عام 1962 ميلادي ، بينما بقي جنوبها محمية بريطانية لغاية عام 1967 ميلادي وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذات التوجه اليساري ، إلى حدثت الوحدة بين شطري اليمن عام 1990 ميلادي ... يتمثل المذهب الزيدي الآن في الحوثيين الذين سموا بهذا الاسم نسبة إلى مؤسس هذه الجماعة حسين الحوثي الذي قتل على أيدي القوات اليمنية عام 2004 ، وهو الأب الروحي للجماعة ، حيث قام بتوحيد الزيدية تحت حركة سياسية دينية أسسها في محافظة صعدة عام 1992 كردة فعل عن حالة التهميش والإقصاء التي يعانيها إتباع هذا المذهب في اليمن ، ففي عام 1979ميلادي دعم علي عبد الله صالح ،وعلي محسن الأحمر رجل الدين السلفي مقبل الوادعي القادم من المملكة العربية السعودية وساعداه على إنشاء مدرسة سلفية تدرس الفكر الوهابي في معقل المذهب الزيدي صعدة اسماها ( دار الحديث )، وقام بمهاجمة الحوثيين واتهامهم بأنهم أهل بدعة ، ودعاهم إلى العودة إلى الدين الصحيح وفي ثمانينات وتسعينات القرن الماضي قام أتباعه بتدمير المراقد الصوفية المقدسة ، وباستمرار الدعم الحكومي للأفكار السلفية وتشجيع الشباب على التحول من المذهب الزيدي إلى الوهابي وانتشار المدارس والمعاهد والجوامع في مدن الطائفة الزيدية ، شعر الحوثيون بالخطر الداهم المحيط بهم الذي يهدد وجودهم وعقيدتهم ، إضافة إلى حالة الإقصاء والعزلة السياسية والاقتصادية المفروضة عليهم من قبل نظام علي عبد الله صالح ، نتيجة كل هذه الضغوط تبلورت حركات وتوجهات فكرية وعقائدية في الوسط الزيدي تمثل بتأسيس حزب الحق الشيعي الاثنى عشري وحركة الشباب المؤمن بقيادة حسين بدر الدين الحوثي ، وقد قامت هذه الحركة باستقطاب الوجود الشيعي الاثنا عشري في صعدة والجوف وصنعاء وقامت ببناء المدارس الدينية التي أسمتها (المعاهد العلمية ) ، بأموال الزكاة والصدقات وأعادوا طباعة مؤلفات بدر الدين الحوثي التي كان يرد بها على الفكر الوهابي المتمثل بالشيخ مقبل الوادعي ، وبدأو يثقفون الشباب على ان الزبدية هي المذهب الأصل في اليمن وما السلفية إلا دخيل على ثقافتهم جاءت من وراء الحدود ، في إشارة إلى التدخل السعودي في هذا الشأن ، لقد تميزت الحركة الحوثية بامتلاكها القاعدة الشعبية الكبيرة والموحدة والمؤمنة بقضيتها وبوجودها والمدركة لحجم المخاطر المحيطة بها إضافة إلى وجود قيادة حكيمة متزنة قوية تمتلك كارزمة وحضور ورؤية واضحة عما تريده وتطمح إليه ، وهذا هو سر قوتها التي مكنتها من الصمود بوجه المؤامرات والتحديات الداخلية والخارجية ، على الرغم من كل المخاطر والانعطافات التي مرت بها هذه الحركة منذ تأسيسها والى اليوم ، واستطاع قادتها من تحيد أنفسهم عن كل الانتماءات والو لاءات وإحراج الطرف الآخر الذي حاول أن ينسب هذه الحركة لجهات ودول إقليمية على أنها جزء من الهلال الشيعي العابر للقوميات الذي حذر منه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن والذي يمتد من إيران إلى جنوبلبنان مرورا بالعراق وسورية ، في محاولة من خصومه في تأطير مطالب هذه الحركة بإطار طائفي يعمل على تحفيز الطرف السني في اليمن للوقوف بوجه مطالب هذه الحركة التي لم تتعدى عن أطرها الداخلية المحلية المتمثلة بالإصلاح السياسي والاقتصادي ،والتي من اجلها خاضت عدة مواجهات مسلحة مع الحكومة وأطراف خارجية أخرى ، انتهت بالهدنة التي عقدت بين الحكومة اليمنية وبينها عام 2008 ميلادي بوساطة قطرية ، والتي سرعان ما انهارت وتجددت المواجهات التي استخدم فيها الرئيس السابق علي عبد الله صالح الطائرات والمدفعية ، إلا انه بالرغم من ذلك لم يستطيع القضاء على الحوثيين بل على العكس من ذلك فشدة الدمار التي خلفتها هذه المواجهات وقتل الجيش اليمني لأعداد كبيرة من المدنيين في صعدة جعل النظام يفقد الكثير من أنصاره وازداد مؤيدو عبد الملك الحوثي ، إن ازدياد النفوذ الحوثي داخل اليمن جعل نواقيس الخطر تقرع عند دول الجوار خوفا من انتقال هذه التجربة إلى أراضيها فسارعت المملكة العربية السعودية الى الدخول على خط المواجهة معهم والقيام بقصف مواقع الحوثيين ومدنهم بالطائرات والمدفعية مما اضطر الحوثيين إلى التحرك والسيطرة على جبل الدخان المحاذي للأراضي السعودية وطرد القوات السعودية المتواجدة فيه وانتهت هذه المواجهات بخسارة السعودية 82 من جنودها وانسحاب الحوثيين من شمال صعدة ، إلا أن الانعطافة المهمة في حراكهم تمثلت بالثورة اليمنية ضد نظام علي عبد الله صالح عام 2011ميلادي ، والتي أيدوها بقوة وقاموا بتغيير اسم الحركة الى ( حركة أنصار الله ) ، وقد انتهت هذه الثورة بسقوط نظام علي عبد الله صالح ولجوئه الى السعودية ، إلا إن مطالب الحوثيين بالإصلاح السياسي والاقتصادي وبالتخلص من الهيمنة الخارجية على مقدرات اليمن لم ترى النور في ظل الوضع اليمني الشائك وتدخل دول الجوار الخليجي في صناعة القرار الداخلي ، وتنامي قوة التنظيمات الإسلامية السلفية المتطرفة في اليمن ، وهذا ما دعا أنصار الله إلى الزحف على صنعاء في 21 كانون الأول 2014 بعد ان بعد ان سيطروا على محافظات أب والحديدة والبيضاء ، ودارت مواجهات بينهم وبين قوات اللواء علي محسن الأحمر ، انتهت بسيطرتهم على المؤسسات الحكومية وطرد المسؤولين التابعين لحزب التجمع اليمني للإصلاح والذي تتهمه الحركة بالفساد ودعمه للقاعدة ، وفي 20 كانون الثاني 2015 سيطرة الحوثيين على المجمع الرئاسي في صنعاء واجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على تقديم استقالته للبرلمان ، وقد قامت الحركة بتأسيس إعلان دستوري تضمن خمسة عشر فقرة كان اهمها ، حل البرلمان وتشكيل مجلس وطني من 551 عضو يقوم بانتخاب مجلس رئاسة من خمسة أشخاص لمرحلة انتقالية تصادق على تعينهم اللجنة الثورية ، وقد جوبه هذا الإعلان بردات فعل دولية وداخلية متباينة بين مؤيد ورافض لهذا الإعلان ، وسارعت دول الخليج إلى الطلب من مجلس الأمن بإصدار قرار يطلب من الحوثيين بترك السلطة وان يكون هذا القرار ملزم وتحت البند السابع ، الا ان صياغة القرار الاممي جاءت اقل حدة مما سعى اليه الخليجيون ، واكتفى بالطلب من الحوثيين بالانسحاب والدخول في حوار وطني شامل لحل المشاكل العالقة مع الاطراف اليمنية الاخرى ، وفي ظل صراع الإرادات القائم الآن وسياسة فرض الأمر الواقع التي انتهجها الحوثيون في التعامل مع الأزمة اليمنية ، وهذه الظروف المعقدة والأجواء الضبابية التي تشوب المشهدين السياسي والأمني هناك في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه المعاصر ، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة ، ويبقى القول الفصل لمن يمتلك القدرة على المطاولة واستنزاف الأخر ، وان الخطوة التي أقدم عليها الحوثيين هي بداية لمرحلة سياسية جديدة قد تتعدى تداعياتها الحدود الجغرافية لليمن ، يمكنها أن تعيد صياغة الواقع السياسي والاجتماعي والاثني للمنطقة بأسرها ، وتعمل على تشكيل تحالفات سيتراتيجية قوية سوف تضر بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية وتسحب البساط من تحت أقدام اللاعبين الرئيسيين فيها .