الرد الناجع على جريمة حرق الشهيد الكساسبة يتمثل في انسحاب الأردن ومصر وغيرهما من أي تحالف تقوده الولاياتالمتحدة في حرب تخلط عامدة متعمدة بين المقاومة والإرهاب ولا تفرق بينهما الرد الناجع على جريمة حرق الشهيد الكساسبة يتمثل في انسحاب الأردن ومصر وغيرهما من أي تحالف تقوده الولاياتالمتحدة في حرب تخلط عامدة متعمدة بين المقاومة والإرهاب ولا تفرق بينهما
بقلم نقولا ناصر* جاء استشهاد الطيار العربي الأردني معاذ الكساسبة الذي كان أسيرا لدى تنظيم أطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية" ليذكر بالجندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، فالمقارنة بين معاملة الأسيرين يجب أن تعيد إحياء الجدل العربي وغير العربي حول الحد الفاصل للتفريق بين الإرهاب وبين المقاومة. وكان المثال الأحدث للخلط بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين الإرهاب هو الحكم الذي أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في الحادي والثلاثين من الشهر المنصرم بإدراج كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس والعامود الفقري للمقاومة الفلسطينية، كمنظمة "إرهابية". ويلفت نظر المراقب هنا أن "التحالف" الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد إرهاب ما يسمى "الدولة الإسلامية" هو ذاته الذي تقوده واشنطن أيضا ضد المقاومة الفلسطينية للاحتلال وضد القوى العربية والإسلامية التي تدعمها ، في خلط تعسفي جائر بين المقاومة وبين الإرهاب. فهذا هو ذات التحالف الذي يهاجم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان بحجة أنها "شيعية" تقتدي بآية الله الخميني، وسوف يهاجمها لو كانت مارونية تسترشد ببابا الفاتيكان، ويهاجم نظيرتها الفلسطينية اليوم بحجة أنها "إخوان مسلمين" وكان قد هاجمها في الأمس عندما كانت يسارية الهوى بحجة أنها "شيوعية ملحدة". كما يلفت النظر "انتقائية" هذا التحالف في محاربة الإرهاب، ليشن حربا أميركية – "عربية" على "داعش"، وهو الاسم الذي يطلقه على من تسمي نفسها "الدولة الإسلامية"، بينما يدعم أو "يسالم" دولة الإرهاب الإسرائيلي، ويدرب ويسلح منظمات إرهابية مماثلة تشن حربا أكثر ضراوة وشراسة مستمرة منذ أربع سنوات ضد تحالف القوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية في سوريا وإيران ولبنان فالإرهاب ظاهرة مدمرة متفشية كالسرطان، وهو أكبر من "داعش" وأقدم منها، وينخر في البنى التحتية للجيوش الوطنية المحيطة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، لاستنزافها حتى تعجز عن الدفاع في مواجهة حروبها العدوانية التوسعية، لتنشغل في حروب داخلية أو بينية ممتدة بعيدا عنها. وهذا هو ما كانت تفعله القاعدة وفرعها "جبهة النصرة" والعشرات من المنظمات المماثلة في المحيط العربي لدولة الاحتلال، خصوصا في سورية، لهدم العمق العربي الاستراتيجي لمقاومة الاحتلال افسرائيلي ودولته لقد استهدفت جريمة حرق الشهيد معاذ الكساسبة حيا إخراج الأردن من هذا التحالف، وأي استجابة أردنية لذلك إنما تحقق لقتلة الشهيد الكساسبة هدفهم. فالرد الناجع الذي يمكنه أن يحدث فارقا استراتيجيا في محاربة الإرهاب الذي تغذيه الولاياتالمتحدة وتحالفاتها الإقليمية ضد الدول والقوى المعارضة لاستراتيجيتها في الوطن العربي يتمثل في التوقف عن التجند في حروبها وعن الانسياق معها في اختلاق أعداء للعرب غير عدوهم الحقيقي في فلسطينالمحتلة، وهذا أضعف الايمان في حال العجز عن الانضمام للمقاومة وداعميها. والرد الناجع الذي يمكنه أن يمثل تحولا نوعيا في الحرب الحقيقية على الإرهاب يتمثل في انسحاب الأردن ومصر وغيرهما من أي تحالف تقوده الولاياتالمتحدة في حرب تخلط عامدة متعمدة بين المقاومة والإرهاب ولا تفرق بينهما، وتستهدف المقاومة العربية ضد الاحتلال في فلسطينولبنانوسوريا والعراق أكثر مما تستهدف الإرهاب، وتخلق منظمات إرهابية أكثر مما تحاربها. إن الخلط المدروس بين المقاومة وبين الإرهاب، الذي عممته عالميا دولة الاحتلال الإسرائيلي وراعيها الأميركي وانساقت إليه مختارة أو مكرهة دول العربية، لم ينه ظاهرة الإرهاب بل جعلها تستفحل، وهو يحاصر المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وإن فشل وسوف يفشل في القضاء عليها. وقد تجلى هذا الخلط في مصر مؤخرا تجليا بلغ حد إثارة السخرية عندما يقول الإعلامي أحمد موسى، على سبيل المثال، إن مقاوما من حركة "حماس" هو الذي أبلغ "الموساد الإسرائيلي" عن الشيخ عز الدين القسام ما قاد إلى استشهاده وهو الذي استشهد برصاص الاحتلال البريطاني لفلسطين قبل أن تظهر "حماس" إلى الوجود بما يزيد على نصف قرن من الزمان. إن تحميل حركة حماس المسؤولية عما آل إليه الحال في سيناء المصرية ليس كافيا للتغطية على حقيقة أن المسؤول الأول والأخير عن هذه الحال هو الاحتلال ودولته، وهي المستفيد الأول والأخير من إشغال الجيش العربي الأول والأكثر تضحيات في محاربتها في حرب استنزاف داخلية، وهو "معاهدة السلام" المصرية معها واتفاقياتها التي قلصت السيادة المصرية على سيناء وجردت ثلثيها من السلاح الوطني لتخلق "منطقة حرة" فيها للإرهاب وتجار السلاح والمهربين والمخدرات. وعلى سبيل المثال، كانت "أنصار بيت المقدس" التي بايعت "داعش" وأعلنت "ولاية سيناء" تعمل في سيناء قبل أن تظهر "داعش" إلى الوجود، وكان الإرهاب قد استهدف جيش مصر وأمنها قبل وصول "الإخوان المسلمين" الذين يتخذ الحكم الحالي من علاقتهم "الأيديولوجية" مع حركة حماس ذريعة لتحويل الحركة إلى "كبش فداء" إعلامي للوضع الراهن في شبه الجزيرة المصرية، حيث ضرب الإرهاب في عهود الرئيس المخلوع حسني مبارك والمجلس العسكري ومحمد مرسي وعدلي منصور كما يضرب الان في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفجر أنابيب الغاز المصري تكرارا خلال هذه العهود جميعها ليجد الأردن ومصر في تفجيرها المتكرر حجة للنظر في استيراد الغاز "الفلسطيني" من دولة الاحتلال. إن القطع بين الدولة العربية الأكبر في مصر وبين القضية الفلسطينية كان هدفا استراتيجيا لدولة الاحتلال وصانعيها، وقد تحقق بمعاهدة الصلح مع دولة الاحتلال واتفاقياتها، لكن دولة الاحتلال تدرك بأن هذه مجرد لحظة تاريخية عارضة في تاريخ مصر وشعبها، وتسعى حثيثا لضمان استمراريتها بالفصل بينها وبين مصر وللفصل بين مصر وبين عمق أمنها الاستراتيجي في بلاد الشام، وفي هذا السياق يجب أن ينظر إلى الوضع الراهن في سيناء وكذلك للعلاقات بين مصر وبين قطاع غزةالفلسطيني. وفي هذا السياق أيضا يجب أن توضع حملة الخلط المستمر في مصر بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة في فلسطين، وهذا الخلط يسهل الوقيعة بين مصر وبين فلسطين، ويوفر بيئة مواتية لجر الطرفين إلى صدام لا مصلحة لأي منهما فيه ولا يستفيد منه سوى دولة الاحتلال التي تستغل التحالف الأميركي ضد "داعش" لتأليب العرب في هذا التحالف ضد المقاومة الفلسطينية وغير الفلسطينية بزعم أنها أحد أشكال الإرهاب. لقد أكمل عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" نبيل شعث الإجماع الفلسطيني على رفض قرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بشأن كتائب القسام عندما قال "إن حركة حماس جزء لا يتجزأ من النسيج السياسي الفلسطيني نسعى لتحقيق الوحدة معها، ونرفض اتهام جهازها العسكري، بتهمة ترقى إلى الإرهاب، فالقسام فريق نضالي وليس منظمة إرهابية". والرسالة الفلسطينية هنا واضحة، فالخلط بين الإرهاب وبين المقاومة يجب أن ينتهي عربيا في الأقل إن استحال ذلك دوليا، وفي مصر أولا قبل غيرها، وسحب هذا الخلط على فصيل مقاوم واحد يستهدف الكل الفلسطيني المقاوم فكم بالحري إذا كان هذا الفصيل هو عامودها الفقري ؟! لكن الإجماع الفلسطيني على رفض اعتبار حركة حماس وجناحها العسكري تنظيما إرهابيا تنتقص منه تصريحات رئاسية وقيادية في حركة فتح ضد حركة حماس بدأت أصوات مصرية تطالب ب"ضمها" إلى وثائق محاكمة الرئيس المصري السابق محمد مرسي التي سوف تستأنف هذا الأسبوع وليس من المستبعد أن تستغل كذلك في أي استئناف لحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بشأن كتائب القسام. وهو ما يستدعى التوقف، مصريا وفلسطينيا، عن تغذية الحملة التي تستهدف الوقيعة بين فلسطين وبين مصر بذريعة علاقة حماس "النظرية" مع جماعة الإخوان المسلمين بمثل تلك التصريحات من جهة والتوقف من جهة ثانية عن استغلال الحملة الإعلامية على حماس في مصر في الخصومة السياسية الداخلية على حد سواء بين الحكم المصري وبين جماعة الإخوان المسلمين وبين قطبي الانقسام الفلسطيني. غير أن حماس في المقابل عليها أن ترد الشبهات عنها بتأكيد كونها حاليا حركة للتحرر الوطني الفلسطيني بإعلان موقف صريح لا يكتفي بالنفي المتكرر والقاطع لأي تدخل منها في الشأن المصري الداخلي ولا يكتفي بالإعلان المتكرر عن احترامها لسيادة مصر وحرصها على أمنها وعلى دورها العربي والفلسطيني. فحماس لم يصدر عنها حتى الآن أي إدانة صريحة واضحة للإعتداءات الإرهابية المتكررة على جيش مصر وشرطتها وأجهزة أمنها تطفئ حرارة غضب الشعب المصري على أي تعاطف مباشر أو ضمني مع قتلة العشرات من أبنائه الذين سقطوا ضحايا لهذه الاعتداءات، فهذا الغضب لا يقتصر على حماس بل ينسحب على الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو ما يحول مسارعة حماس إلى إدانة هذه الاعتداءات إلى استحقاق وطني فلسطيني لا مجرد استحقاق "حمساوي" فصائلي. * كاتب عربي من فلسطي