دائماً ما نتعامل مع أصحاب الحِرَّف المهنية، والتي يمارسها غير المتعلمين، كطائفة المعمار مثلاً، بما تحويه من تخصصات، على أنهم استغلاليون، ومعدومو الضمير، لأن بعضاً منهم لا يراعي الله في عمله، ودائماً ما يستغل أصحاب العمل، بأن يرفع عليهم الأسعار، أو أن لا يتقن عمله. وهذا على الرغم من أن كثيراً منهم شرفاء وأصحاب ضمائر يقظة، ويتقون الله في عملهم. وكثيراً ما سمعنا عن انهيار مبانٍ جديدة على قاطنيها، وموت الكثير من الأبرياء من دون ذنب ارتكبوه، وهذا ناتج عن عدم ضمير المقاول الذي لم يعطي المبنى حقه من الخامات، حسب المواصفات المعروفة، وأيضاً عن عدم ضمير القائمين على المراقبة أثناء الإنشاء، والذين لم يذهبوا إلى مواقع البناء إلا لملء جيوبهم. وهذا كله، وعلى الرغم من فداحته، إلا أنه يعد قليلاً جداً أمام ما يرتكبه بعض الأطباء، الذين هم وللأسف الشديد، أصحاب مهنة نبيلة، بل لا أبالغ عندما أقول إنها من أعظم وأشرف المهن على وجه الأرض، لأنهم ملائكة الرحمة، وقد ائتمنهم الله على أرواح العباد. وأسرد على حضراتكم واقعة حدثت معي، ولن أبالغ أو أفتري على أحد، فقد كنت مريضاً، وذهبت إلى أحد المستشفيات الخاصة، لكي أطمئن على نفسي، ودخلت إلى الطبيب المختص، وقصصت عليه حالتي، وكان كبير السن، فلم يبرح مكانه، ولم يفكر في الكشف عليَّ، كالمعتاد، بل أخبرني بأني محتاج إلى إجراء عملية جراحية فوراً. فقلت له: ألا يوجد علاج يغني عن إجرائها؟ فأخبرني بأنه لا مفر من إجراء العملية. وفور عودتي من المستشفى قابلت أحد الأصدقاء، ويعمل طبيباً عاماً، وأخبرته بذلك. فسألني عما أعانيه، فقصصت عليه حالتي، فأخبرني بأني غير محتاج لإجراء عملية، بل أحتاج إلى بعض الأدوية فقط، ونصحني بأن أذهب إلى طبيب آخر. فأذعنت لكلامه، وسافرت إلى مصر، وبالفعل ذهبت إلى أحد الأطباء لكي أعرف حقيقة الأمر، وهل أنا محتاج فعلاً إلى إجراء عملية جراحية أما لا! فتفضل مشكوراً بالكشف عليَّ، وأخبرني بأني غير محتاج لإجراء العملية، وكتب لي بعض الأدوية، ومع ذلك لم أقم بشرائها، وذهبت إلى طبيب آخر لأتأكد من صحة التشخيص، وبعد توقيع الكشف عليَّ أخبرني بأن حالتي بسيطة ولا تحتاج لإجراء العملية. وهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، في سلسلة إهمال الأطباء لمرضاهم، فقد تكررت أخطاؤهم كثيراً.. وعندما يذهب المريض إلى الجهة المسؤولة ليرفع شكوى ضد الطبيب، يفاجأ بأنها تدافع عن الطبيب بكل ما تملك من قوة، بل إن نقابات الأطباء في كثير من الدول العربية، وأقولها بمرارة، لديها لجنة شؤون قانونية مسخرة للدفاع عن الأطباء في حال مقاضاتهم. فما بالكم بمثل هؤلاء الأطباء الذين نحمل لهم كل حب وتقدير، ونتعامل معهم على أنهم طبقة راقية وملائكة رحمة، لا زبانية عذاب، وقد أقسموا اليمين على أن يحفظوا أرواح العباد، فضيعوها من أجل دراهم معدودة؟ وما بالكم بارتفاع الأسعار الذي أهلك كاهل العباد؟ فأصبحنا لا نقابل إنساناً إلا ونجده يتحدث عن ارتفاع الأسعار، وغلو المعيشة. أليس هذا جراء ذنوبنا، وعدم تمسكنا بديننا. فكل الأديان السماوية تدعو لاتقان العمل، والقيام به على أكمل وجه. فعلى كل إنسان، منا مهما كانت وظيفته، أن يتقي الله في عمله، ويؤديه على أكمل وجه، ويرضى بما قسم الله له، ويتمسك بدينه فهو سبب نجاته في الدنيا والآخرة. محمد أحمد عزوز كاتب مصري