مصطفى اللداوي / قفرٌ هي الأرضُ يبابُ … صحراءٌ هي جرداءُ … لا عشبٌ ولا ماءُ … ولا نبتٌ ولا أشجارُ … ولا ظلٌ هناءُ … ولا نسمةٌ ولا هواءُ … لا واحة فيها ولا مكان للاستراحة … ولا طيور تحلق في السماء … ولا بلابل تشقشق في الأنحاء … ولا أصوات جميلة تصدح في الأصداء … ولا نسائمٌ تهب في الأجواء … ولا نسيمٌ أو أريجٌ يعبق الفضاء … غاب الندى وانعدم القطر وشح المطرُ … فلا سحاب ولا غيوم في السماء … جفت الأرض وتشققت إذ لا ماء … ويبس الزرع وفسد الثمر فلا نماء … ووهن الصغار إذ جف حليب أمهاتهم في الأثداء … ولا رطوبة ولا نعومة … كل شئٍ بات خشناً غريباً … جافاً كالخشب، وقاسياً كعود الحطب …. حلوقنا باتت تشبه الخشب … لا تحسن النطق ولا تجيد البلع … انحبست فيها الكلمات، وتعثرت أمامها الحروف … أعياها اليباس وأسكتها الجوع … وألجمها قيد السلطان وسوط السجان … ونفوسنا مرضت وتعبت ثم تجلدت … تجلدت جليداً فصارت كثلج … سكنها الحزن وعم فيها الخراب … وساد في جنباتها البلى واستوطنها الاكتئاب … ضاقت وتحشرجت فما عاد فيها مكان … فلا وجود فيها لجيرانٍ أو أحباب … ولا أصدقاء ولا خلان … قد غدر بها الزمان، وأفقدها الحب والأمان، وحرمها العطف والحنان … وأدخل إلى ثنياها البوم والغربان، وكل غريب وضارٍ من الطير والحيوان … وغيبت الهموم والأحزان، وحرقت الحروب وألسنة النيران … كل قريبٍ وحبيبٍ، وكل عزيزٍ وغالي … هدمت المساكن والمباني … ودمرت الأحلام والأماني … وجرفت الحقول والسنابل … وأتلفت الزروع وكل الشتائل … قتلت الأطفال والشيوخ والبنات ذات الجذائل … وانتهكت الأستار وهتكت أعراض الحرائر … ومزقت أثواب الحشمة … ونزعت عن الكرام ألبسة العفة وسنائم الشرف … كشفت عن العورات، وأبانت عن شمائلَ وأخلاق … غيبةٌ ونميمة، وقتلٌ وذبحٌ وسحلٌ، وسرقةٌ وكذبٌ واحتيال، ونفاقٌ وسخريةٌ ومراء … ومكرٌ ومكائد، ونكباتٌ ومصائد، وخطفٌ ورهائن، وجرائمٌ كثيرة وعديدة … وأشياء أخرى كثيرة، عجيبةٌ غريبة … ويح العرب أين شيمهم، ماذا أصابهم وماذا حل بنبيل أخلاقهم … وما هذا الذي صار بينهم، وأشعل الأرض ناراً حولهم، وزلزلزها تحت أقدامهم … ثم نتساءل ونقول لماذا انحبس المطر، وامتنع من السماء القطر … وأين ذهب الحب، وكيف غار الخير … وكيف تحكم الظلم وساد الشر … أهذا هو الإنسانُ أم هي طباع البشر … أيا رباه كيف النجاة وأين المفر … ماذا نعمل وأين المستقر … اللهم نجنا من دنيا بتنا نظن أنها سقر … نعم إنها هي بلا وزر …