تحولت الفضاءات العمومية لمركز جماعة مقريصات القروية صباح يوم السبت 14 أبريل إلى قبلة لأبناء المنطقة الذين حجوا إلى هناك من أجل الانكباب الجماعي على واقع قريتهم التي كتب عليها أن تعيش على هامش عصرها . ولأن مسافة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى ، فإن خطوة فعاليات القرية من أجل المساهمة في تنمية مهدهم اقتضت توقفهم الجماعي عند مواجع الجماعة ، وتشخيص تضاريس واقعها الآسن ، والتنقيب عن كنوزها التي تزخر بها من أجل بناء مشروعها التنموي الذي لا محالة إذا ما توفرت الإرادة ، ووضعت مواردها تحت أيادي أمينة ، فإن اقلاعها التنموي آت لا ريب فيه . فتحت شعار " مقريصات والتحديات التنموية " استمتع الحضور المتنوع الذي تابع أطوار الندوة انصاتا وتدخلا بمداخلات رفيعة المستوى ، قدمتها نخبة من الأطر التي تفتخر بهم قرية مقريصات لما لهم من إسهامات في أكثر من مجال وطنيا ، وعلى أكثر من مستوى.
كلمة رئيس الجمعية ذكرت بالسياق الذي جاءت فيه هذه الندوة ، والمتمثل في خلق حوار بين ابناء المنطقة ومحاولة توحيد الجهود والرؤى بين المتدخلين ، بالتعاون مع الجهات المعنية بالتنمية بالمنطقة . بعد ذلك اعطيت الكلمة للسيد علي الشعباني أستاذ علم الاجتماع الذي القى عرضا بعنوان " مظاهر علاقة الانسان بمحيطه الاجتماعي والبيئي "والذي تناول فيه الصعوبات التي يتلقاها ابناء المنطقة في العودة الى اصولهم الجغرافية والتراثية وربط علاقات مع محيطهم ، حيث اكد انه لا يمكن ان تكون هناك تنمية بدون ان تكون هناك علاقة ترابط بين ابناء المنطقة ، خاصة الذين هاجروا من المنطقة والذين عاشوا في فترات معينة من حياتهم في عزلة اقتصادية وثقافية دون اعادة تلك العلاقة التي كانت تربطهم باصولهم . ثم تساءل عن كيفية اعادة بناء هذه العلاقة وترميمها بين ابناء المنطقة و المحيط الاصلي . ثم تطرق الأستاذ الشعباني للمظاهر التي خلقت هذا التوتر بين الانسان ومحيطه الاصلي والتي كانت دافعا للهجرة وهي مظاهر ساهمت في تهميش المنطقة ، وتتمثل في ما اصطلح عليه بخلق التوتر مع المجال الطبيعي من اجل خلق استغلالات مؤقتة ، مما جعل الانسان في صراع دائم مع محيطه وما ينجم عن هذا الصراع من اخطار ويخلق علاقات توتر مع هذا المحيط مما نتجه عنه اختلالات طبيعية وبيئية سببها التوسع على حساب الغابات من اجل الحصول على مساحات زراعية ،التزايد السكاني . كما ان هذا الوضع انتج ما اصطلح عليه المحاضر مافيا منظمة للاستثمار في الغابات والعقار غبر مكترثة مما يخلفه جشعها على الطبيعة من كوارث واخطار كالتعرية وجفاف الوديان وهي جرائم ترتكب في حق البيئة . كما ذكر الاستاذ المحاضر بالعلاقة الحميمية التي كانت للاجيال السابقة مع محيطها البيئي ، وهي علاقة وصلت الى درجة اعتبار الارض اي المجال البيئي من المحرمات (الدين ،العرض،الارض) اي من الاشياء التي يدافع عنها الانسان شرعا .هذه العلاقة لم تعد موجودة في الوقت الحالي ، ولم يعد للاجيال الحالية ذلك النوع من الارتباط بالبيئة الاصلية كما ان من بين القضايا التي كان لها دور في خلق هذا التوتر مع المجال البيئي النظام التعليمي السائد ، والذي حسب الدكتور الشعباني لم يستطع ان يقدم للاجيال ثقافة واخلاق بيئية ، بل ارتبط فقط بسوق الشغل وحتى ان وجدت ثقافة بيئية في الجامعات غالبا ما تركز على جانب التطهير السائل والصلب وليس هناك نسق بيئي في النظام التعليمي . من بين مظاهر التوتر التي تحدث عنها المحاضر ، هناك غياب سياسة قوية وبعيدة المدى لدى الدولة في المجال العمراني والبيئي ، مما اعطى فرصة للمنعشيين العقاريين وبهاجس الدولة في توفير السكن الى الاستيلاء على المجال البيئي مما ساهم في ظهور مدن الصفيح ، والبناء العشوائي الذي قصده العديد من المهاجرين . ساهمت الهجرة في فصل الانسان المهاجر عن محيطه الطبيعي والاجتماعي الاصلي ، هذا الانفصال ادى الى تدمير مجموعة من القيم التي حملها من موطنه الاصلي ، والتي اصبح يتعاطى معها بشكل سلبي باعتبارها نتاج واقع مهمش و متخلف . الحلول التي يقترحها الدكتور الشعباني لاعادة ترميم العلاقة مع المحيط الاصلي وتتمثل اساسا في: القطع مع السياسات التنموية التي لا تسعى الحفاظ على الانسان في علاقته بمحيطه - وقف التدميرالبيئي والحد من العداء المباشر والغير مباشر للبيئة - تغيير المنظومة التربوية بشكل يجعلها تنتج ثقافة بيئية لدى الاجيال وتخلق وعي بكل ماهو موروث اصلي - اعادة تقييم الدولة بشركائها في مجال التنمية بعد ذلك تطرق الاستاذ المتدخل الى توضيح علاقة الانسان بمحيطه والتي لا يمكن معالجتها بتجاهل بعدين اساسيين هما البعد الثقافي والزمني : فالبعد الثقافي الذي يشكل المحيط الثقافي والقيمي والفكري هو الذي يحدد معالم شخصية الانسان (اللهجة السلوك ،النشاط الفكري والبدني ،القدرة على الاندماج مع الاخرين ) اضافة الى متطلبات الحياة فهي كذلك تحدد علاقة الانسان بمحيطه وارتباطه به استجابة او رفضا هذه العلاقات قد تولد لدى الانسان في علاقته بمحيطه اما مشاعر الحب او الكراهية . البعد الزمني : حيث تحدث المحاضر عن تغير الانسان بتغير نظرته الى محيطه والى الطبيعة هذه العلاقة بحكم المتغيرات الزمنية ترتبط كذلك بمفهوم القبول او الرفض كما ان اليات التفكير التي يمكن ان تحكم تلك العلاقات إيجابا او سلبا كما ان المسالة الجوهرية في هذا البعد هو انعكاسها على الهوية اي العرقي في بعده المجالي والزمني ان الهوية حسب الدكتور الشعباني تتاثر بعاملين اثنين : تجدر الانتماء العرقي في المجال الجغرافي وكذا تاريخ اقامة الانسان في محيط معين ومدى اشعاعه العائلي او المهني او الحرفي وكذا مدى قدرته على اقامت علاقات متعددة وفي ختام عرضه وجه دعوة الى كل ابناء المنطقة من اجل اعادة الثقة في ذواتهم من اجل مصالحة مع اصولهم لان الانسان دائم الحنين الى اصله و هو جزا من ارثه الثقافي وهو المكون لهويته التي يجب عليه الافتخار والاعتزاز بها لما فيها من حمولات تاريخية وفنية تراثية وجمالية . العرض الثاني والذي قدمه السيد محمد اليماني والذي كان تحت عنوان دور المجتمع المدني والتنظيمات المهنية للرفع من وتيرة التنمية المحلية وادماجها في محيطها الجهوي تطرق في البداية الى بعض الاشكالات المرتبطة بالوعي الجماعي باهمية التنمية حيث اكد ان التنمية هي عمل جماعي يجب ان يقوم به السياسي والنقابي والفاعل الجمعوي والفلاح والمراة الغ ...وهذا يحتم تغير العقليات من اجل خلق هذا الوعي وكذا تغيير العقليات . بعد ذلك تطرق الى رهانات التنمية المحلية بجماعة مقريصات ودور المجتمع المدني في هذه العملية حيث قدم مجموعة من الاحصاءات تتعلق بجماعة مقريصات من حيث السكان و المساحات الزراعية والاراضي الغيرمستغلة . هذه الاحصاءات قدمت واقع الحال بمقريصات في مجموعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ليخلص بعد ذلك الى المعيقات و الاكراهات التي تواجه التنمية بمقريصات والتي اجملها في: • ضعف الدخل الفلاحي للساكنة • هشاشة البنية التحتية • ضعف مساحات الاستغلاليات الزراعية • الاستغلال المفرط للاراضي وتدهور الغطاء الغابوي • سيادة تربية الماعز بالطرق التقليدية وما ينتج عنه من رعيجائر وكذا ضعف المردودية • انتشار زراعة القنب الهندي والمشاكل التي تخلفها على مستوى استنزاف التربة وخطرها على مصادر المياه وكذا على المساحات الغابوية • تراجع الموروث الثقافي والمعرفي في المجال الفلاحي لدي الشباب • نسبة الامية المرتفعة خاصة في صفوف النساء • الخصاص وضعف التاطير في القطاع الفلاحي • ضعف تثمين المنتوج الفلاحي وعدم تطويره • قلة التنظيمات المهنية وضعف التاطير في صفوف اعضائها • طرق تسويق غير مهيكلة للمنتوجات الفلاحية • ضعف المكننة
لكن رغم هذه المعيقات فان المنطقة تتوفر على مجموعة من المؤهلات والتي اجملها المتدخل في - ظروف مناخية ملائمة لانتاج زراعات على طول السنة خاصة بالنسبة للاشجار المثمرة التي تشكل علامة بالنسبة للفلاحة بالجماعة (الزيتون ، الكروم ، التين ) - مجال غابوي مهم يمكن ان يساعد في تطوير قطاع تربية الماعز المحسن - توفر المياه السطحية مما يساعد على انجاز مشاريع للسقي الصغير والمتوسط - دينامية المجتمع المدني والذي يمكن ان يساعد في خلق مجموعة من التنظيمات المهنية خاصة التعاونيات الفلاحية - غنى وتنوع من حيث الاعشاب الطبية والعطرية والتي يمكن ان تخلق مشاريع مهمة في هذا المجال - التنوع الطبيعي والغنى من حيث الموروث الثقافي يمكن ان يشكل دافع لمشاريع السياحة القروية بعد ذلك قدم المتدخل مجموعة من المقترحات التي يمكن ان تشكل مدخلا للتنمية والتي كانت كالتالي : تنمية نظم انتاج تتماشى مع المجال الاستغلال العقلاني للغطاء الطبيعي تهياة واصلاح – انشاء تجهيزات الري بالمناطق التي يمكن ان يقام بها الري المتوسط والصغير تنمية وتحسين قطاع الماعز في المناطق الرعوية انتاج الحليب واللحوم في المناطق السقوية تنمية وتثمين قطاع الاعشاب الطبية والعطرية تقوية النسيج الجمعوي وخاصة التنظيمات المهنية تقوية وتاهيل دور المراة في التنمية المحلية وفي ختام عرضه قدم خلاصة حيث اكد ان التنمية هي عمل تراكمي تشاركي بين جميع الفاعلين لكن المطلوب هو تغببر العقليات ونشر الوعي وتاطير الساكنة من اجل اندماجها في انجاح المشاريع التنموية وهذا هو الدور الاساسي الذي يجب ان تقوم به الجمعيات كذلك هذه الجمعيات بجب ان تكون لها قوة اقتراحية عبر صياغة اوراق مشاريع وتقديمها الى الجهات الممولة وكذا استغلال الفرص المتاحة العرض الاخير قدمه السيد نور الدين بن علي ممثل نيابة التعليم بوزان والذي تحدث عن الصعوبات التي تواجهها النيابة خصوصا وان الاقليم فتي وورث تركة تتسم بالضعف في هذا المجال وقال بان جماعة مقريصات هي جماعة محضوضة في المجال التعليمي مقارنة بمناطق اخرى بالاقليم كما تطرق في مداخلته الى المشاريع المنجزة والتي هي في طور الانجاز والتي تهم جماعة مقريصات سواء من حيث البنايات وكذا الربط بالكهرباء والماء كا تطرق للمشاريع التي هي قيد الدراسة والتي يمكن انجازها مع الجمعية وبالخصوص برنامج محو الامية والتعليم الاولي ومقترح المدرسة الجمعاتية بمقريصات بن علي تطرق كذلك الى موضوع التنمية بالمنطقة من وجهة نظره كذلك كعضو بالمجلس الاقليمي وكاحد ابناء المنطقة والذي اكد انه يجب ان يرتكز بالاساس على الاستغلال الامثل للثروة الطبيعية التي تزخر بها مقريصات من اجل القيام بمشاريع سياحية خاصة السياحة المجالية والبيئية او ما اصطلح عليه بالسياحة الاجتماعية مع انشاء دور الضيافة واستغلال الموروث الثقافي المحلي وكذا ترويج المنتوج الفلاحي ومنتوجات الصناعة التفليدية التي يجب احياؤها . الندوة تمخضت عنها توصيات من اجل العمل عليها وكذا رفعها الى الجهات المعنية وهي كالتالي : - تعزيز جسور التواصل بين ابناء المنطقة وكذا بين كل مكونات المجتمع المدني بمقريصات - تكثيف اللقاءات بيت الجمعيات المحلية والمتدخلين وتوسيع هذه اللقاءات لتشمل الاقليم - القيام بتشخيص على مستوى المنطقة يشترك فيه كل الفاعلين والمتدخلين والساكنة المحلية - التحسيس باهمية الانتظام داخل الجمعيات والتعاونيات وتاهيلها - خلق بنك مقترحات مشاريع تهم كل المجالات التنموية وتقديمها الى الجهات الممولة - توحيد الرؤى بين المتدخلين حول الاولويات التنموية بالمنطقة - الاهتمام بالعنصر البشري عبر التاطير والتكوين والتاهيل - تشجيع برامج محو الامية والعمل على خفض نسبتها وسط السكان - الاهتمام بموضوع المراة وتشجيع المبادرات النسائية - دعوة الجهات الحكومية من اجل تحمل مسؤوليتها في تنمية المنطقة خاصة تاهيل البنيات التحتية - دعوة المجلس القروي الى الانخراط الجدي والمسؤول في تنمية مقريصات - دعوة المجلس القروي الى التجاوب مع المقترحات التي يقدمها المجتمع المدني ودعمها حسب الامكانات - ضرورة الاستفادة من البرامج التنموية المتاحة (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، مخطط المغرب الاخضر ، تحدي الالفية ...) - ضرورة التعريف بالمؤهلات الطبيعية والثقافية والفنية للمنطقة والمحافظة عليها - تشجيع واحياء التراث واحياء الموروث المهني والحرفي والفلاحي المحلي - دعوة ابناء مقريصات حاملي المشاريع الى الاستثمار وانجاز مشاريع بالمنطقة