يعيش المغرب ديناميكية سياسية مكثفة بسبب المطالب المتواترة في إطار حركة 20 فبراير التي تحث على دولة ديمقراطية خالية من الفساد، ومن ضمن الملفات التي حضرت بقوة في أجندة المطالب خلال الأيام الأخيرة مطالبة الملك محمد السادس بفتح تحقيق في معتقل سري تابع للمخابرات المغربية يفترض أنه حطم رقما قياسيا في الاختطافات وأبشع عمليات التعذيب من ضمنها إدخال قنينات زجاجية في مؤخرات المختطفين. وفي إطار إضفاء حركة 20 فبراير ديناميكية قوية على العمل السياسي النضالي في المغرب، نشر عدد من النشطاء الحقوقيين والكثير من المعتقلين بتهمة 'السلفية الجهادية' أشرطة فيديو في موقع يوتوب في شبكة الإنترنت يحكون ما تعرضوا له من تعذيب من طرف المخابرات المغربية. وتشترك هذه الأشرطة في تأكيد المعتقلين بتعرضهم للاختطاف بين أسابيع وشهور قبل عرضهم على القضاء، وفي الوقت ذاته، تأكيدهم على تعرضهم لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي. وعلاقة بهذه النقطة الأخيرة، فقد فجر شريط لمعتقل اسمه بوشتى الشارف جدلا كبيرا في أوساط الحقوقيين والطبقة السياسية ومنتديات الإنترنت، فالرجل كان يصرخ ويستغيث مستنكرا التعذيب والمهانة التي تعرض لها وخاصة تعرضه لما يسمى التعذيب بالقنينة، أي إدخال قنينة زجاجية في مؤخرة الشخص لكي يعترف من شدة الآلام. ومباشرة بعد نشر هذا الشريط، توالت أشرطة أخرى تفضح وتكشف عن أساليب تعذيب حاطة بالكرامة تعرض لها معتقلون، وفي ظل سكوت الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان، باستثناء حزب العدالة والتنمية وحزب اليسار الاشتراكي الموحد، عن المطالبة بفتح تحقيق، ارتفعت أصوات المجتمع المدني مستنكرة وقوع مثل هذه الأشياء في بلد صادق على جميع اتفاقيات حظر التعذيب. وكانت أغلب الأشرطة موجهة الى العاهل المغربي الملك محمد السادس بحكم أنه يعتبر المسؤول السياسي والأخلاقي عما يقع في هذا الجهاز بسبب تعيينه المباشر لمدير المخابرات وتبعية هذا الجهاز إليه مباشرة وليس وزارة الداخلية أو الوزارة الأولى. ووضع بعض المغاربة أشرطة فيديو في شبكة الإنترنت وتداولها مواقع فايسبوك وجرائد رقمية مثل 'لكم' و'هسبريس' تحث الملك على الإسراع بالتدخل بحكم الصلاحيات التي يتوفر عليها في هذا الشأن. وهكذا، ففي أعقاب تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، انخرط المغرب في مساعدة الولاياتالمتحدة في رصد الإرهابيين المفترضين، وتكلف بمراقبة المشتبه فيهم في دول الاتحاد الأوروبي، ثم استقبال بعض المعتقلين وإخضاعهم للتعذيب في معتقل تمارة السيئ الذكر نيابة عن الغربيين. ورغم النفي المتكرر للدولة المغربية للمعلومات حول التعذيب، فتقارير البرلمان الأوروبي والجمعيات الحقوقية بل وكذلك المخابرات الأمريكية نفسها أكدت تسيير هذه الأخيرة لرحلات طيران سرية وكان المغرب من الدول التي تستقبل ليس فقط المغاربة لاستنطاقهم بطرق بشعة بل جنسيات أخرى. والمثير أن المخابرات المغربية أبدعت إبداعا كبيرا في تبرير الاعتقالات حتى بلغ عدد المعتقلين في إطار قانون الإرهاب والتفجيرات الإرهابية الغامضة في الدارالبيضاء في أيار/مايو 2003 قرابة عشرة آلاف، وكان الحكم بالسجن من نصيب أكثر من 1200. ومن باب المقارنة، فبعد تفجيرات 11 ايلول/اسبتمبر 2001، وإذا استثنينا العراق وأفغانستان نظرا لحالتهما الخاصة، شهد المغرب أكبر نسبة من الاعتقالات في العالم بتهمة الإرهاب، وأكبر نسبة من تفكيك الخلايا الإرهابية. وفي الوقت نفسه، فالمغرب شهد أكبر نسبة من اعتقالات ومحاكمة أشخاص بتهمة ارتكاب عمل إرهابي واحد، إذ فاق عدد الذين خضعوا للمحاكمة بسبب 16 مايو جميع الأشخاص الذين حوكموا في العالم في جميع ملفات الإرهاب بعد 11 أيلول/سبتمبر. وكمثال، لم يتجاوز عدد الذين تعرضوا للمحاكمة في تفجيرات 11 آذار مارس في مدريد 29 شخصا، وتمت تبرئة البعض منهم. ويعتبر ملف التعذيب الممارس من طرف المخابرات ثاني ملف يضع المؤسسة الملكية في موقف حرج حقيقي، فقد كان الملف الأول هو اغتناء مساعدي الملك والمقربين منه أو ما يعرف في المغرب ب'المربع الملكي' بصورة فاحشة أثارت استنكار واستهجان الرأي العام المغربي.