كتب حسن عابدات 15 سنة مضت و مازالت صورة ذلك المشهد المؤلم و الذي بث على تلفزيونات العالم محفور في قلب كل فلسطيني و كل عربي و كل مسلم، مشهد أبان فيه الكيان الغاشم عن مدى جبروت و بشاعة و إرهاب الجندي الصهيوني ، حينما انفرد بأب و ابنه بشارع صلاح الدين بين نتساريم و غزة ، بتاريخ 30 ديسمبر 2000 ، وقتها لم يجد الأب المسكين سوى برميل احتمى خلفه صحبة ابنه . لم تتوقف رصاصات الغدر القاتلة المصوبة في اتجاههما رغم الإستغاثات الصادرة عن الوالد لضمان حياته و حياة ابنه ، ليسقط محمد الدرة في مشهد حي نقلته عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية لجميع العالم .أياما معدودات تفصلنا عن 13 سنة كاملة ما دمت سأتحدث عن عشية يوم من شهر يونيو من سنة 2002 ، هذا بالنسبة للزمان ، أما المكان فهو قاعة الأفراح (مدينة الفنون حاليا) ، المناسبة : استضافة ساكنة آسفي لوالدي الشهيد محمد الدرة و كذا السيد حجو و الد إيمان أصغر شهيدة فلسطينية بطلقة نارية غادرة . امتلات القاعة عن كاملها ، داخلها و خارجها ، السياسيون بجميع انتماءاتهم السياسية و النقابيون بجميع شعاراتهم ، و الجمعويون باختلاف مجالات اشتغالهم ، الكل حضر و الكل بكى ...! بكى الكل حينما ذكّر الأب المكلوم و هو يروي فصول الفيلم الواقعي لاغتيال ابنه بآخر جملة خرجت من فم الشهيد قبل أن يتمدد أرضا مسلما روحه الطاهرة إلى خالقها " قتلوني الكلاب يا أبي " هي لحظة لا تنسى من ذاكرة مدينة أسفي المناضلة ، لحظة صفق لها الكل حينما أطلق إسم الشهيد محمد جمال الدرة على حديقة الأطفال السندباد سابقا ، و حين زرع فيها أب الشهيد شجرة اشتد جدعها اليوم ، قاومت كل العواصف طيلة 13 سنة الأخيرة لتقف شامخة و شاهدة على ذكرى صمود أطفال الحجارة ، نرويها بكل فخر و اعتزاز لكل اطفالنا و أحفاذنا في كل مرة يسألون فيها عن إسم محمد جمال الدرة .لن انسى عشية ذلك اليوم حماسة عبدالحليم الحيول و هو يصيح داخل القاعة و يداه تشيران إلى والدة الشهيد و هي حامل ، "( رحم الله الشهيد محمد ، و ستلدين إن شاء الله طفلا عما قريب و سيحمل إسم أخيه محمد ، و سيذكر كل العالم بأن الفلسطينيين ينبعثون من الرماد ليواصلوا نضالاتهم حتى تحقيق النصر عاجلا أم آجلا ، فهذه حقيقة قرآنية ). ففي الوقت الذي مازالت تتعالى فيه اصوات الضمائر الحية و تطالب فيه كل وسائل الإعلام بضرورة إعادة عرض الفيلم من جديد لتذكير العالم بالقضية الفلسطينية ووحشية التدخلات العسكرية الإسرائلية في حق أطفال شعب أعزل ، يخرج المجلس الحضري بآسفي في خطوة مسبوقة و غير محسوبة ، تضرب في العمق نضالات أبناء المدينة البررة غير المشروطة تضامنا مع شعب أبي لم يركع يوما لجيش الإحتلال الظالم ، محاولا بذلك طمس محطة مهمة من تاريخ المدينة ، و التي على ارضها تعانقت العائلات مع أسر الشهداء ، سالت الدموع من خلالها و سقت كل الورود و الأشجار الموجودة بحديقة الأطفال محمد جمال الدرة التي ستحمل ، بل و حملت إسم القدس بدل إسم الشهيد بقرار من المجلس الحضري ، ذلك القرار الذي قتل أيقونة الشهداء محمد الدرة للمرة التانثة غدرا لتقتل معه القضية برمتها ، أما أنا حسن عابدات فاقسم قسم الرجال على أنني ما حييت لن أردد غير حديقة الشهيد محمد جمال الدرة ، أما الأوراق التي كتب عليها قرار المجلس بتغيير الإسم كان من الأولى أن تتضمن قرارا بإعادة هيكلة الأحياء الهامشية التي ما زال يفتقد سكانها لأبسط مستلزمات الحياة كالكهرباء و الماء ، إضافة إلى أنهم مازالوا يقضون حاجاتهم بالخلاء .