الجزء الثاني من المقالة السابقة حول موضوع توزيع الثروة. د. محمد لمباشري استاذ باحث في علوم التربية يمكننا الانطلاق في هذه الورقة من ما شدد عليه وزير التربية و التكوين السيد بلمختار السنة الماضية، في احدى الزيارات التي قام بها لبعض الأكاديميات، قائلا: "بأن كل مسؤول من أي موقع عليه أن يقدم الحساب....، لأن تعاقدنا الجماعي على تأدية رسالة التربية والتكوين مسؤولية مشتركة، إما أن تقبلها وتؤديها على الوجه الأكمل، وإما تتركها وتغادر القطاع"؛ داعيا الجميع" إلى التصدي لكل من يتلاعب بمستقبل أبناء وبنات هذا القطاع وعلينا أن نقف في وجوههم". انتهت القولة. يمكننا في سياق ما أكد عليه السيد الوزير ان نقدم الحساب التالي بهدوء تام و بدون ضجة صاخبة يمكنها ان تحسب لما يمكن ان نيرده من تداعيات واقعية في الموضوع، و لكنه الواقع المر الذي عايشناه منذ نهاية السنة التكوينية السالفة الى هذه اللحظة التي نعمل من خلالها على نشر هذه الورقة: علما اننا لا نريد من خلال هذا العمل المساس بأشخاص محددين و لا جهات معينة تنتمي للمجتمع المدني، ولكن الغرض الاساس من ذلك هو محاولة التشخيص لبعض الخروقات المسجلة في تجربة المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين المحدثة اخيرا مع اقتراح بعض اليات التصويب لها في افق اعطائها صفة الشرعية التي تستحقها كثروة تربوية و تكوينية لفائدة شريحة مهمة من الموارد البشرية التي يعقد عليها حمل مشعل التغيير بالمدرسة المغربية العمومية. اولا يمكننا ان ندرج مراطونية مبارة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين لهذه السنة 2013 2014 في اطار العجائب السبعة التي سيسجلها التاريخ عبر تراخي الزمن الوزاري غير المبرمج استراتيجيا، و الذي قلص السنة التكوينية في خمس أشهر تقريبا لحمل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين على اكتساب المنتسبين لها كفايات التخطيط و التدبير و التقويم و المعالجة للوضعيات التعليمية التعلمية بالمدارس العمومية المغربية بمختلف اسلاكها؛ إنها تراجيدية مأساوية تجلياتها بدأت منذ الإعلان عن المباراة و فتحها في وجه الجميع حتى بالنسبة للذين لا يملكون شواهد و المسجلون في بوابة التكوين، بناء على المسوحات التي قمنا بها في هذا المضمار، إلى آخر يوم للتسجيل بالنسبة للناجحين و المحدد في 16 دجنبر 2013؛ هذا المباراة المراطونية شابتها عددا كبيرا من الاختلالات لا على مستوى أشكال الاختبارات الموضوعية و الشبه موضوعية التي تم اعتمداها السنة الفارطة و هذه السنة،- و ما اعتراها من اخطاء ابستيمولوجية و علمية -، كمتغير جديد غير مألوف في تاريخ مراكز التكوين، و التي اعتبرناها آلية من آليات الاصطفاء غير القائمة على التقويم بواسطة عقد الثقة؛ و بالضبط عندما نفاجئ المترشحين بنموذج تقويمي لم يعتادوه في التوجيهات الرسمية المنظمة للاختبارات الاشهادية سابقا؛ كما ان طبيعة اسئلتها تستجيب في العمق لمترشحين يفترض انهم ينتسبون للمسلك التربوي الجامعي الذي تم التأكيد على تفعيله بما يتماشى و مستجدات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، و سبق ان سنحت لهم الفرصة للحسم في مجموعة من المفاهيم النظرية التي تنتمي لمدارس في علم النفس ونظريات التعلم و الديداكتيك العام و الخاص، و أيضا على مستوى تكوين لجن الاختبارات الشفهية بإسناد مهام لأساتذة لا يمتلكون نفس الاختصاص المستهدف في الفئات المعنية في المباراة من اجل تقويمهم والحكم على مدى امتلاكهم لمادة التخصص، و هذه حالة تم معاينتها في عدد كبير من مراكز الامتحانات؛ مما يفترض ان ينعكس مثل هذا الاختيار الارتجالي المعتمد من طرف الوزارة الوصية على التربية و التكوين و بشكل سلبي على مبدأ التكافؤ في الفرص، و على الانصاف العادل لهذه الفئات المستهدفة في مباراة الولوج . ثانيا ان يختبر المترشحون في مسلك الابتدائي من طرف ثلاث أساتذة متخصصين في اللغة العربية وحدها دون اللغة الفرنسية و الرياضيات و علوم التربية [ التي اصبح يتطاول عليها كل من اعتقد انه يملك ناصية القول في مختلف النظريات التي يشملها هذا الحقل العلمي بشكل تطفلي، و بايعاز سببي من طرف بعض المدراء الذين يسهرون على تسيير المراكز الجهوية؛ باسنادها لمكونين خارج الاختصاص، مبرراتهم في ذلك عدم وجود متخصصين في هذا الحقل العلمي] و النشاط العلمي، مهزلة جديدة لم نألفها في تاريخ المباريات بمراكز التكوين، علما بان المنتسب للمراكز افتراضا هو مزدوج اللغة، و بعض منهم أكثر جدارة في اللغة الفرنسية منها في اللغة العربية تحديدا، و لم تتح له فرصة ابراز كفاءته في هذا التخصص كحق مشروع؛ ناهيكم عن أنواع الأسئلة التي طرحت على المترشحين في الاختبارات الشفوية ذات المستوى الاستفزازي البعيد كل البعد عن الكفايات التي نص عليها دليل الاختبارات الشفوية، من قبيل ما طرحه احد الاستاذة لمجازين في اللغة الفرنسية و باللغة العربية: ما الفرق بين الأحمق و التقية؟؟؟؟؟، والامثلة في الموضوع كثيرة لا داعي لطرحها بكاملها. إننا بالنظر لهذه التجربة المأزمية والتراجيدية في مدخلاتها و مخرجاتها لا يمكننا المراهنة من خلالها على شريحة من المترشحين في مستوى التخطيط و التدبير و التقويم و المعالجة للوضعيات التعليمية التعلمية المستهدفة في المدرسة المغربية، في ظرف زمني قليل مقارنة بما كان عليه الزمن التكويني في السنوات الفارطة. ربما نستثني السنة التكوينية الحالية التي ستبدأ مبكرا، و كأننا بالوزارة الوصية على التربية و التكوين فطنت لذلك الاختلال التي عرفته السنة التكوينية السالفة. فكيف يمكننا تدبير هذا الزمن في ظل حمولات نظرية و تطبيقية يشملها دفتر التحملات بالرغم من الدعوة الى تقليصه بناء على مذكرات رسمية صدرت بالمناسبة؟؛ و هل عملية الاختزال للكفايات المهنية المطلوبة خصوصا من الناحية النظرية و المهنية في سمت الأساتذة المتدربين و الأستاذات المتدربات كفيل بتخريج موارد بشرية قادرة على تدبير مختلف الوضعيات التي سيفرزها الواقع التعليمي بمختلف أوساطه، و على الوفاء بالتوجيهات التي اكد عليها الميثاق الوطني للتربية و التكوين؟. أمام هذه الوضعية نعتقد باننا عملنا فقط على هدر هذه الثروة البشرية التي لم نؤهلها بما فيه الكفاية للإشهاد على كفاءاتها المهنية المراهن عليها، و هو ما جعلنا نعمل على إعادة إنتاج تخلفنا من جديد في جميع الحقول المعرفية؛ وكان من الأجدر أمام هذه الوضعية التراجيدية بلغة ارسطو تعيين هؤلاء بشكل مباشر حتى لا نتحمل المسؤولية التاريخية في تكوينهم بشكل ارتجالي و تعسفي، و لربما يحسب علينا على المدى القريب فشلهم في محاولة تدبير مختلف الوضعيات السيكوسوسيولوجية والديداكتيكية التي سيواجهونها داخل مؤسسات تعيينهم، و على مساعدة المتعلمين و المتعلمات على تحسين الزمن التعلمي بامتياز و بجودة عالية. و في هذه النازلة المتعلقة بكيفية استثمار المدرسين و تأهيلهم من الناحية المهنية داخل المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، سبق للتقرير العالمي [ 2013- 2014 ] الصادر من طرف منظمة اليونسكو باسم المجتمع الدولي، الاشارة : "بأن الملايين من الأطفال يفتقرون إلى تعلم الأساسيات. فهناك حوالي 250 مليون طفل لم يتعلمون المهارات الأساسية، على الرغم من أن نصف هؤلاء الأطفال أمضوا أربع سنوات على الأقل في المدرسة. وتبلغ التكلفة السنوية الناجمة عن هذا الفشل حوالي 129 مليار دولار أمريكي سنوياً، ويمثل الاستثمار في المعلمين أمراً أساسياً: ففي ثلث البلدان تقريباً يجري تدريب أقل من 75 % من معلمي التعليم الابتدائي وفقاً للمعايير الوطنية . وفي ثلث البلدان كذلك، يعدّ التحدي المتمثل في تدريب المعلمين الحاليين أمراً أسوأ من توظيف معلمين جدد وتدريبهم.انتهت القولة ما يمكن التأكيد عيه في هذا الموضوع المتعلق بكيفية انتقاء المدرسين و المدرسات و بكيفية تكوينهم، هو عندما ننزلق بشكل لاعقلاني في وضع استراتيجية محكمة تحترم المعايير الدولية و الوطنية في الانتقاء وفي التصويب الامثل لتكوينهم الاساسي و المستمر، من شاننا ان نساهم في اعادة انتاج تخلفنا التربوي التكويني. نخلص إذن بأن تكرار نفس النهج و الاختيار على مستوى مباراة الولوج هذه السنة، له افتراضات كبرى توحي بالتنبؤ بالفشل، خصوصا عندما تم اعتماد نفس معايير التقويم الاشهادي السابق، باللجوء الى تقويم موضوعي شبيه بلعبة من يربح الملايين؛ هذا النموذج من التقويمات المعتمدة تكون نسبة المحاولة والخطأ فيه اكثر دلالة من الناحية الاحصائية، وبالتالي لا يمكنها ان تعطينا فكرة شمولية عن كفاءة المترشح سواء في تخصصه، أو في كيفية تدبيره العقلاني لمعارفه المناسبة لانتظارات الفئات المستهدفة التي سيشرف على تاطيرها، لماذا ؟: لان مجال الصدفة في مثل هذه الوضعيات وارد و بحدة، و لا يمكنه ان يعطينا فكرة عقلانية عن مدى كفاءة المترشحين و المترشحات في مجال تخصصهم، و هو ما يفترض ان يمس و بشكل كبير المعايير الوطنية للتكوين بشقيه النظري و التطبيقي. لنتابع النقاش في هذا الموضوع: كمشروع على الورق الخاص بتجربة المراكز الجهوي لمهن التربية و التكوين بالمغرب، كانت لنا وجهات نظر عديدة حول المقومات التكوينية للوثيقة الاطار الخاصة بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، قبل بلورتها كمشروع و كفعل في السنتين الأخيرتين ، راكمناها منذ الثمانينات من القرن الماضي، عبر مجموعة من المقترحات التي قدمناها سواء في لقاءات محلية او وطنية، عبر جلسات ممتدة زمنيا، كانت تبرمج من طرف مديرية تكوين الأطر سابقا؛ و سبق لنا الإشارة آنذاك إلى ضرورة إشراك الجامعات ومراكز التكوين معا في تأهيل الموارد البشرية التي ستتحمل مسؤولية التأطير التربوي التكويني داخل مختلف الأسلاك التعليمية التي تعرفها المدرسة المغربية؛ تأهيل من هذا النوع قائم في مرتكزاته الديداكتيكية و البيداغوجية على إكسابهم كفايات نظرية معرفية بالسلك الجامعي، بواسطة مصوغات تنتمي سواء لحقل علوم التربية أو حقل تخصص المواد المقررة بالمدارس المغربية؛ و جاء مشروع مراكز مهن التربية و التكوين سنة 2012 لتنزيل هذه المقترحات، و لكن على الورق دونما تفعيل و تعميم ما اصطلح على تسميته بالسلك التربوي الجامعي، و الذي طالبنا بأجراته منذ سنين في علاقته بالمراكز الجهوية. بحيث لاحظنا عبر الانتقاء النهائي للشرائح التي تم دمجها ضمن هذه المراكز ان نسبة كبيرة منهم حاصل على الإجازة العامة في مادة التخصص، و نفر قليل منهم حاصل على الإجازة المهنية من المدارس العليا و كلية علوم التربية؛ و في غياب التنسيق و التمفصل بين هذه المدارس العليا و الكليات و مراكز التكوين من حيث المدخلات و المخرجات المحددة للسمت المراهن عليه في قطاع التربية والتكوين، وقفنا مع كامل الأسف على حقائق في بعض التخصصات، تثبت غياب التأطير التكويني في المجالات السالفة الذكر، و ضعف المستوى التكويني النظري لهذه العينة حتى في مجال تخصصها، بحيث ان نسبة كبيرة منهم ممن تم قبولهم خلال السنتين الفارطتين، حصلوا على نقط قريبة من خمسة على عشرين و مع ذلك نجحوا؛ معدل من هذا النوع و حتمية قبوله بناء على المناصب المعطاة من طرف وزارة المالية، من شانه أن يعصف لا محالة بكل الانتظارات الواردة كرهان في الوثيقة الإطار الناظمة للمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين حاليا، خصوصا من حيث بروفيلات الأساتذة المتدربين و الاستاذات المتدربات المراهن عليها بعد دبلوم التخرج لفك كل الاختلالات المرتبطة بسوء التعلمات وكيفية تدبيرها اعتمادا على البحث التدخلي؛ هذا الاخير الذي مازال هو الآخر ملفوفا بغموض، و بسوء الفهم و سوء التصويب لمقتضياته النظرية و الامبيريقية، و ستكون لنا ورقة في هذا الموضوع في الحلقات المقبلة. إننا بالنظر لهذه التجربة في بدايتها الجنينية أن نكون أبعد بكثير مما يتوقع الحصول عليه كتأهيل لهذه العينات التجريبية [بين قوسين] كموارد بشرية تنتظرها مجموعة من التحديات و الاكراهات، سواء من حيث الكفايات المعرفية التي وجب إكسابها او من حيث كفايات المهننة والمهنية المناطة بهم في آخر السنة التكوينية اكتسابها. نحن لا ندعي من رواء هذه الورقة نهج مواقف عدمية و استباقية ذات مستوى قيمي جاهز كإشهاد على بوادر الفشل ، و إنما المؤشرات المجمعة حاليا داخل التجربة في منطلقاتها الأولية، بدءا بامتحان الولوج في شقيه الكتابي والشفهي، و انتهاء بامتحان التخرج، تجعلنا في مستوى الإقرار بما يمكن أن تفضي به استراتيجيات التكوين المستهدفة من اختلالات مصيرية تمس بالدرجة الأولى مواصفات الأستاذات والأساتذة المتدربين المتخرجين من هذه المراكز. ليس فقط على مستوى الحمولات المعرفية المتراكمة في مادة التخصص و التي تعتريها ثقوب كبرى، وإنما أيضا على مستوى السلوك المهني المناط بالبعض، ممن يعتقدون أنهم امتلكوا ناصية الأستاذية كحرفة، دونما التحلي بأخلاق المهنة على مستوى التعامل مع المكونين، و المتجلية في صيغة نعرات هيجانية سادية في بعض الأحيان و المسجلة داخل مجموعة من المراكز حسب ما توصلنا به في هذا الموضوع من طرف بعض الزملاء، و هو ما يكلم بشكل دامي قلوب من راهنوا و بادروا و حفزوا هذه العينة من الشباب على الاستقامة و التحلي بالأخلاق النبيلة قدوة لأنفسهم، و اشتراقا لكيفية تدبير المشكلات النفسية الاجتماعية التي يمكن أن يصادفوها أثناء ولوج مقرات عملهم مع المراهقين واليافعيين. لنواصل الحديث: في ما اورده التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2013-2014 نورد شهادة لإحدى المدرسات من دولة البيرو تقول فيها ما يلي : لقد اخترت أن أكون معلمة لأنني أؤمن بأن للتعليم القدرة على تغيير المجتمع الذي نعيش فيه. وما يدفعني إلى أن أكون معلمة جيدة يتمثل في أن أكون عاملاً فاعلاً في هذا التغيير الذي يحتاج إليه بلدي بوصفه ضرورة ملحة لمحاربة التمييز والظلم والعنصرية والفساد والفقر. و في هذا السياق الذي يحث على الكفاءة الذاتية و الاجتماعية للفاعل التعليمي بما هو فاعل تنموي بالدرجة الاولى، و اعتبارا للتمثلات التي وجب ان يكونها المدرس عن نفسه ليس كملقن للمعرفة و انما كمناضل بيداغوجي يؤمن بان قضية التربية و التكوين هي قضية وطنية، سبق لنا ان اقترحنا في دورات تكوينية وطنية و جهوية اعتماد مقاييس تكوين الاتجاهات نحو مهنة التدريس، عوض الاختبارات التقليدية الجاري بها العمل و المتعلقة بمعارفهم التخصصية، في قبول المترشحين بهذه المراكز؛ لا لشيء إلا من اجل الوقوف على مدى استعدادهم النفسي الاجتماعي في تحمل مسؤولية التربية و التكوين المراهن عليه، و في لعب ادوار طلائعية داخل البيئة الثقافية المحلية التي تنتسب اليها مؤسسات التعيين، خصوصا إذا علمنا بان المؤسسات التربوية التكوينية تزخر بسلوكات مناهضة للمدرسة ز للزمن المدرسي، لدى بعض المراهقين ممن يتصيدون منزلقات اساتذتهم عبر الثأر والاستفزاز ، و بديهي ان تكون ردود افعال بعض الاساتذة - ممن لا يملكون توزانا نفسيا اجتماعيا - شادة تدفع بهم لا اراديا الى السقوط في ممارسة سلوكات معنفة و عدوانية تجاه المتعلمين و المتعلمات، مما يعرض البعض منهم الى التسرب و الهدر المدرسي.