رضوان الشقوري : من آسفي إلى غوانتانامو .. مرورا بسوريا و تركيا و إيران .. وصولا إلى أفغانستان و باكستان ، و معها السجون و المعتقلات و التعذيب .. و نهاية عند أقوى جيش في العالم.. في هذا الحوار المطول الذي أجراه الزميل محمد دهنون مع رضوان الشقوري واحد ممن قادتهم الاقدار الى السجن الشهير غوانتانامو..نجد غوصا عميقا ودقيقا في تجربة مغربي احتجزه الجيش الامريكي هناك في الجزيرة الكوبية ..كما سنطلع على أدق تفاصيل تلك التجربة التي توزعت بين سجون اسيوية ومعتقلات أمريكية ..في هذا الحوار القريب الى "جنس" المذكرات يتكلم الشقوري بلا تحفظ هو الذي عود العين الاسفية المحلية على وقوفه صامتا أمام ولاية اسفي في السنين الاخيرة .. نعيد نشر هذه الحلقات باتفاق مع جريدة "الاتحاد الاشتراكي "..قراءة ممتعة ملحوظة : الحلقات السابقة ضمن بوابة " أسفي بالجرائد الوطنية " بالموقع جالسه: محمد دهنون الحلقة العاشرة : الانفرادي.."اللحم الطري".. شنق الفئران و حقوق الحيوان.. إذن بدأتم تعيشون نمطا آخر للاعتقال ..؟ بالضبط هذا ما كان .. نستيقظ ، نفطر ،نغتسل، نصلي ، ننام ، ننتظر دورنا في التحقيق، البذلة الليمونية لا تفارقنا .. الطبيب يزورك و يفحصك "بالمعقول" ، نقرأ القرآن ، نتواصل فيما بيننا ، و بعد الوجبات لا يجب أن تترك و لو تفاحة أو قليلا من الطعام داخل زنزانتك .. المشكلة الرئيسة التي كنا نعاني منها ، و تمنينا الظلام مكانها، هو المصباح الذي يطلق أضواءه على الدوام . إلى درجة أن السجين ممنوع من وضع أي شيء و لو تعلق بمنشفة صغيرة على عينيك لتحمي تسرب خيوط الضوء.كان برنامجي اليومي ، المشي لدقائق وسط القفص الحديدي ، النوم و قراءة بعض الكتب الدينية التي طلبناها ، و التي سرعان ما استعاضوا عنها بكتاب كليلة و دمنة الذي رفض أغلب المحتجزين تسلمه و قراءته، بعدما اعتبروا اختيار هذا العنوان من طرف الجيش الأمريكي .. نوعا من السخرية و التهكم على المحتجزين . لكن كان ثمة "الجديد" في غوانتانامو ..؟ بطبيعة الحال ، كان لدينا ملف مطلبي انتظمنا في الدفاع عنه ، احترام مقدساتنا كمسلمين ، خصوصا عندما عبث أحد الجنود بنسخ من المصحف الكريم ، دافعنا على حقنا في التطبيب و العلاج و الأكل السليم ، تواجهنا مع بعض حراس السجن الذين كانوا يتلذذون بإهانتنا، و وسط كل هذا كانت توترات نفسية خانقة دفعت بعض المعتقلين إلى محاولات الانتحار عبر ربط و تعليق أنفسهم بمناشف .و كانوا عندما يضيقون علينا الخناق .. نفتح بشكل جماعي صنابير الماء و نغلق فوهات المراحيض حتى تغرق العنابر في الماء و تفيض إلى الخارج ، لتفتح مفاوضات تنتهي بتحصيل مطلب . قيل إنهم كانوا يضعونكم في موقف "حرج" مع النساء .. كأنهم كانوا يبحثون عن انهياركم أمام "اللحم الطري "..؟ جربوا هذا الأسلوب مع بعض الإخوة و تحرشت بنا نساء كثيرات و أكثروا من الإغراءات ، لكنهم فشلوا .. كنا نحتج جماعيا، نرمي الجنود بالحليب، ينظرون إلينا بخوف و انتهينا معهم إلى منع النساء بالضبط من تفتيشنا.. لقد كانت بعض من المجندات الأمريكيات لا يتحرجن في لمس أماكن حساسة في أجسادنا أو سحب ما تيسر سحبه...! بعض آليات العقاب داخل السجن تتضمن "الانفرادي" .. و هي عقوبة كانت شائعة على حسب روايات عديدة في سجن كوبا .. هل تعرضت لها ..؟ كلما رفضت الكلام بعدما كانوا يرهقونني بأسئلة مكررة سمعتها ألف مرة ، و لم تكن إجاباتي سوى أنني بريء و تورطتم في اعتقالي ، و عندما يصل التوتر مداه مع المحققين امام استمرار صمتي ، يلجأون إلى التهديد .. و من ضمن تلك التهديدات كان العزل في زنزانة انفرادية، و ضربوني أكثر من مرة .. الزنزانة هي الأخرى عبارة عن صندوق حديدي بدون نوافذ،تدخل إليها عاريا كما ولدتك أمك ، تارة يطلقون عليك هواء باردا و بعده حمام ساخن ، "تقنية" التبريد و التسخين كانت تستمر دون مراعاة للفصول ، أقل مدة قد تصل إلى شهر بالتمام و الكمال ، و عندما يرفض بعض المعتقلين الانصياع لأوامر الحراس أو تقع مخالفة يعتبرها الأمريكيون ماسة بالنظام الداخلي للمؤسسة السجنية ، يعمدون إلى رش الفلفل الأحمر و الإبزار في بخاخة تشل أية حركة أو مقاومة للسجين . بل إن الانفرادي دخله بعضنا بسبب شنق الفئران ، كانت لنا قصة مع فئران غوانتانامو ، كانوا يأتون للفول السوداني ، فقررنا شنق كل من يقتحم زنازننا .. إحدى الجنديات كانت تصرخ "نو نو نو " أنتم مجانين و لا تستحقون الرحمة . هناك من لم يتحمل السجن و ظروف الاعتقال .. ؟ كانت محاولات انتحار كثيرة لأسباب متعددة ، إضافة للإهانات المتكررة و الاعتداء على المصحف الكريم ، جن العديد من السجناء باكستانيين و يمنيين و أفغانيين و بوسني ، بعض محاولات الانتحار أنقذ أصحابها ، لكن من فقد عقله أو التحق بعالم الجنون ، بقي على حاله مع آخرين في عنبر خاص ، يصيحون ليل نهار .. "جوريا بخيريا" ( يعني لاباس بخير ) ، كانت هذه الكلمة هي الناظمة لكلامهم ، يبتسمون ببلاهة ، فيما كان البعض يأكل غائطه غير مبال ، الجنود كانوا يتقززون من هذا المنظر المؤلم و البشع في آن واحد .بالنسبة لي .. لم أكن أسقط في فخاخ الاستفزاز .. كنت أحلم و أستعين على تطويل الأحلام و الغوص في مشاريع المستقبل بالعودة إلى المغرب و آسفي ، و كان أخي يونس سندا كبيرا لي في هذه المحنة ، لقد عشنا أياما صعبة جدا جدا جدا .. و أحمد الله على خروجي سالما من هناك .