الاتحاد الاشتراكي والواقعية السياسية.. نحن حزب اصلاحي قطعنا مع "الاختيار الثوري ".. مقاطعة الانتخابات هي تجسيد انهزامي لمقولة " اذهب أنت وربك قاتلا ..."
كتب ..محمد دهنون أطلعت كباقي القراء على مقالة الأستاذ الباحث عبد الله إكرامن التي سودها حول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و هي بالمناسبة حلقة من سلسلة استقرائية و تمحيصية و تحليلية حول الفاعل السياسي المغربي من خلال "السلوك" النضالي للأحزاب الوطنية ، خصوصا ذات التوجه الرصين و المتميزة بجديتها و نضالها، بعد أن اختلطت علينا الألوان و تشابه امامنا البقر الحزبي ...!!و لأن المناسبة شرط كما يقال، أتقدم بورقة تكميلية لما جاء به الدكتور إكرامن إسهاما في النقاش الذي يطوره موقع safitoday و يحرص على فتحه ضمانا لانسياب الأفكار و تعميق الوعي العام بالظاهرة الحزبية و الفكرة السياسية. في التاريخ .. الاتحاد الاشتراكي حزب وطني حقيقي بمشروع ديمقراطي واضح ، ديدنه الوحيد هو الوصول إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة و تقوية المؤسسات الدستورية التاريخية منها بالأساس ، هدفه إشاعة و ترسيخ الفكر الديمقراطي الحر في إطار خصوصية محلية تحترم التقاليد المغربية و الإنسان المغربي ، من أهدافه أيضا تحصيل الكرامة للمغاربة عبر احترام حقوق الإنسان و نشر الثقافة الحقوقية القائمة على حماية الاختلاف و التنوع في الأفكار و التصورات و المشاريع ، بما لا يمس من ثوابتنا الوطنية سواء الدينية أو التاريخية . هذا بالمختصر المفيد أسباب وجود حزب مثل الاتحاد الاشتراكي . لم يتأخر مناضلوه يوما في الاستجابة لنداء الوطن و لا في تطوير مداخل الحل الديمقراطي .حتى و لوا قتضى الأمر التصعيد و الدخول إلى المعتقلات .. و التاريخ قال كلمته و أنصف الاتحاد الاشتراكي منذ خمسين سنة ، سواء مع الحسن الثاني رحمه الله ، أو مع ابنه محمد السادس الملك الحالي للمغرب ، و لا حاجة للتفصيل، فالقارئ النبيه لمسارات الحياة السياسية المغربية يعرف خلفيات هذا الكلام .. الاتحاد الاشتراكي يقبل النقد ويرفض الخبث والعدمية .. القليل أيضا ممن ينزل إلى الشارع اليوم من يعرف عمق الإصلاحات التي نادى بها الحزب و ناضل من أجل تنزيلها ، نحن نجد الأعذار لشباب غير مسيس أو ازداد في بداية التسعينيات ، عندما يشتمنا داخل حركة 20 فبراير أو في "الافتراضي" .. فهؤلاء خرجوا للتو إلى عالم السياسة و الاحتجاج ، يلزمهم وقت طويل للتأطير و فهم الحياة السياسية الوطنية ، (مازال غادي يردسو روسهم مع الحيط باش يفهمو)، نعذرهم لأن مطالبهم تتعلق بالخبز و وضع اقتصادي منخور و اجتماعي تخترقه البطالة ، و كلنا مررنا من صراط العطالة و المعطلين . لا إشكال لدينا لما ينتقد الشباب الأحزاب و يذهبون حد قتلها و عندما ينتقدوننا في الاتحاد الاشتراكي ، لكن الإشكال الحقيقي ، هو في" توريم "و شحن عقول البعض منهم بأفكار عدمية و سلوكات متطرفة و توهيمهم بأن ذلك هو النضال . المشكل في من يؤطرهم بمثل هاته الأفكار التافهة ، المشكل في من ينتج الحقد و الخبث و يعلم شبيبة صاعدة "ثقافة المعارضة بمنطق الكراهية و نشر السوداوية في النظر للواقع . و يصور لهم الامر و الخلاص في "إسقاط النظام" على الطريقة التونسية و المصرية . و هي على كل حال نكتة من نكت الاحتجاج المغربي .. لسبب ظاهر و عميق .. المغرب بتناقضاته و مشاكله و سياساته العوراء منذ سنوات ، نحت لنفسه و لأبنائه هامشا كبيرا للنقاش و النضال و تصادم الشرعيات ، و لم نكن أبدا نعيش في قفص سياسي بدون أحزاب أو جمعيات أو حتى صراع سياسي . لاعقدة لدينا مع النقد الذاتي .. قرر الاتحاد الاشتراكي إنقاذ الزمن السياسي المغربي من السكتة القلبية التي كانت تتهدد البلاد و الملك الراحل ، و في قرار شجاع اعترضنا عليه كمناضلين في وقتها وانتقدنا طريقة تسييره ، كان الاتحاد الاشتراكي مستعدا لإنجاز انتقال ديمقراطي صحبة الحسن الثاني و كاريزما وطنية من طينة سي عبد الرحمان اليوسفي ، ثرنا يومها كشباب في الحزب ، و اعتبرنا المصالحة نوعا من التنازل و الانبطاح للعلويين ، و أن ما يقوم به الحسن الثاني رحمة الله عليه ، هو محض مناورة لإضعاف الاتحاد الاشتراكي و تدجينه ، و ان اليوسفي يمارس واقعية ستفقدنا تاريخنا و عذريتنا السياسية . و للمفارقة نفس التحليل و التفكير يرتفع وسط الحراك و الاحتجاج المغربي اليوم و بطريقة فجة تصل حد التخوين و تفقير السياسة ..لكن فهمنا بعد سنوات ، أن المغرب و بهذا القرار الاستراتيجي الشجاع قطع شوطا كبيرا نحو الانفتاح السياسي و المرونة الديمقراطية ، ترسخ ذلك مع وصول ملك شاب ديمقراطي حداثي منفتح أيضا و مؤمن بالقيم الديمقراطية و العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ، فهمنا أن مواقفنا التي لطالما اعتبرناها ثورية و قمة في المبدئية و الوضوح السياسي ، كانت مجرد "مراهقة سياسية" مارسناها في غياب المعطيات الحقيقية لتنزيل التناوب . و يمكن اعتبار هذا الكلام اليوم و بكل حس وطني وحزبي نوعا من النقد الذاتي . اليوم فقط أقول بصوت مرتفع مع بقية المناضلين من جيلي ، أننا أخطأنا التقدير .. و ان اختيار الاتحاد الاشتراكي لهذه الطريق الشاقة و الصعبة في النضال السياسي بجانب المؤسسة الملكية .. رغم و رغم و رغم .. هذا القرار و هذا الاختيار جنب بلادنا و بكل الصدق الممكن ، ما نراه اليوم في بقية البلاد العربية. و ليرتح "مناضلو آخر ساعة " .. فالمغرب مستقر بمؤسساته ، و سنواصل بناءنا الوطني و تحولنا الديمقراطي ، بالصراع الحضاري و السلمي ، لإيماننا في الاتحاد و مع بقية الفاعلين السياسيين ذوي المصداقية الحزبية ، أن الديمقراطية فعل تراكمي تدرجي في الزمان و المكان ، و النضال و الصراع و الممانعة و التدافع أصوب صيغة و آلية للوصول إلى شط الأمان الديمقراطي . أخطاؤنا التي لم نعد نعتز بها ..! بطبيعة الحال الممارسة تفرز الأخطاء ، و الذي لا يعمل هو الذي لا يخطئ ، مثل الذي يقاطع الانتخابات و الاستفتاء و غضبان و كاينش على عشاه ، باغي الديمقراطية و اختار النوم في منزله و سيترك الفساد يلعلع في الانتخابات ، و يحلم أن الديمقراطية و الحقوق ستطرق بابه و تقول له "هاني جيت" ..!نحن دخلنا إلى حمأة اليومي سياسيا و انتخابيا ، كانت السلطة تزور دائما ، و عندما تغيرت الأمور لجأت إلى انتخابات أقل تزويرا و أقرب إلى النزاهة ، خصوصا إذا قورن الأمر ب 63 و 76 و 77 و 84 و 92 . وسط هذا الاشتغال اليومي ، تسرب إلينا الانتهازيون و باعة الوهم ، التحق بنا الجبناء بعد ان خفت وطأة القمع ، تسلل إلى الاتحاد الاشتراكي بعض الوصوليين ممن حاولوا نشر ثقافة الفساد و الإفساد و إعطاء صورة للرأي العام أن الاتحاد كبقية الأحزاب الإدارية . يريد المقاعد و المواقع و لا يهمه النضال . و نجحوا إلى حد ما في ذلك في زمن ركود سياسي . لكن المناضلون الحقيقيون من حراس" المعبد الحزبي "إن صح التعبير ، ما يزالون هناك و لن ينهاروا أمام مغريات السياسة من امتيازات و انبطاح و تماه مع مخططات بعض رجال السلطة الفاسدين . نريد القول إن الاتحاد الاشتراكي لا يحلل و لا يتحرك مناضلوه الأوفياء إلا وفق بوصلة الوطن و مصلحة المغاربة ، و لا يهمنا الصراخ أو احتجاجات بعض مرضى السياسة ممن لا تاريخ لهم ، و في أحسن الأحوال لقطاء مرحلة ينتظرهم قبر النسيان . لماذا دافعنا عن هذا الدستور .. تعلمنا من قادتنا و زعمائنا مسألة أساسية لابد أن يستحضرها المناضل في المغرب.. "شد و غوت" ..بمعنى نناضل ، نراكم ، نصارع ، نفاوض ، نحصل المكاسب ، نفتح ملفا مطلبيا في بعد سياسي أو دستوري أو اجتماعي أو حقوقي أو اقتصادي .. و هكذا دواليك .. السياسة هي فن التعامل مع الممكن ، احترام المؤسسات و الثوابت الوطنية، الحفاظ على الدولة و على استقرار البلاد ، النضال ليس هو الفوضى أو التشبه بما يحدث عند الجيران . الحس الوطني يجب أن يكون حاضرا في أي تحليل . و مصلحة الوطن فوق كل اعتبار و لا حسابات ترهن مستقبل وطني و بالمطلق حتى و لو كان اختلافي جذريا مع النظام . الاتحاد الاشتراكي قال نعم لهذا الدستور ، لأنه رأى فيه مسار نضال وصل نصف قرن من أجل هذه المطالب الدستورية . شرد من شرد ، اعتقل من اعتقل ، نفي من نفي ، اغتيل من اغتيل ، من أجل هذا المشروع الدستوري الذي صوت عليه المغاربة في فاتح يوليوز . صوتنا بنعم رغم الأساليب البليدة لبعض التيارات داخل السلطة . صوتنا بنعم من أجل المستقبل و استقرار المغرب . و سندخل إلى الانتخابات على أمل التغيير و النضال من أجل الأحسن حماية لمشروعنا الديمقراطي الذي قررناه سوية مع سليل العلويين محمد السادس . الواقعية السياسية تطلبت هذا القرار . و سنخرج لمصارعة الفساد في المغرب و في آسفي . بالرأس المرفوعة و بإرادة لا تكل و لا تمل ضدا على بؤر الفساد و جيوب مقاومة الإصلاح. و على من اختار الحل السهل و الذي وجده في تسيير مسيرة و بوق و المقاطعة ، أن يذهب عند النكافة لوضع بعض الحناء على يديه و أقدامه . فالاتحاد الاشتراكي و الأحزاب الوطنية ماضية في طريق نضالها ، و لن تنصت للأصوات الفقيرة معرفيا و سياسيا أو الحاقدة على كل شيء . و لن نعيد نفس الكلام ، فهم يعرفون أنفسهم و يعرفون ماذا فعلوا في الشهور الماضية و كيف سهلوا مهام بعض الاستئصاليين . للأسف و لحسن حظهم ، هم يشعلونها . و نحن نناضل من أجل إعفاء و محاسبة جلادي الأمن . دورنا هو الاشتغال بهدوء، دورهم تسخين الطرح و توريط شبيبة هاوية و مبتدئة . ودورنا كشف الفساد وملاحقتهم بكل نضج وهدوء . اللهم إنا قد بلغنا . ما يشبه الختم .. هي ورقة حاولت الاستنجاد بالماضي دون تمسح بأعتابه . الحديث عن الحاضر بتعقيداته . استحضار توترات الواقع المحلي و الوطني . تعميق النقاش في عدة نقط و قضايا . تجاوز البناء المنهجي و القراءة الصارمة للأحداث و الوقائع . هي محاولة لتسويد وجهة نظر تحتمل الخطأ و الصواب . و الأساسي هو مواصلة الحوار من زوايا أخرى مع الأستاذ إكرامن و غيره من مثقفي المدينة و سياسييها . و تلك أسباب نزول هاته الورقة الإعلامية .