كما أخبرنا قراءنا في موقعنا safitoday.. نواصل نشر مساهمات رصينة للزميل محمد دهنون يحاول من خلالها مناقشة العديد من تفاصيل الحياة السياسية في المغرب.. في هذه الورقة الإعلامية يحاول زميلنا تفكيك إشكالية الاقتصادي والسياسي الذي يغوص ويتحكم فيه كل الحكام العرب وأبناؤهم وسلالاتهم.. الأساس هو محاولة النفاذ لعمق التفاصيل التي تؤبد الاستبداد السياسي والاقتصادي. محمد دهنون الانتباه إلى طبيعة النظام السياسي المغربي يحيل بالضرورة إلى مداخل ومخارج صناعة القرار وطرق تصريفه في مواقعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. والمتتبع النبيه لتصرف «السلطة السياسية» في الوطن العربي يكتشف بسهولة الأساليب والصيغ التي يتم اعتمادها للتحكم في آليات صناعة الثروة الوطنية وإعادة توزيعها وفق خطاطة مدروسة ومعدة سلفاً. السلطة في نظام مغلق، كما في تجارب تاريخية، لا تترك مجالا للصدفة ولا تؤمن بالتعددية الاقتصادية.. تعمل على تجميع الأذرع الاقتصادية التي تسمح لها ببسط هيمنتها على كل القطاعات الإنتاجية، وهذه الأذرع تنتهي قرب علبة سوداء لا يُسمح برؤية ما بداخلها إلا لرجل القرار الاستراتيجي المقرب من الحاكمً. وبكل التنسيب الممكن.. يصبح الحاكم هو المستثمر الأول والمنتج الأول والتاجر الأول الذي يراكم الأصفار الغليظة على اليمين وما تبقى يتركه للشرذمة الطفيلية التي تشرعن سلوكه التوسعي والهيمني على الثروة الوطنية. لهذا نجد في الأنظمة السياسية الخارجة لتوها من مرحلة الاستبداد والسلطوية أمثلة حية لهذا السلوك. وضع اليد على السكر والزيت والحليب. الانفراد بالمعادن والصناعة المذرة للربح السريع. تسويق السيارات وبيع الأبقار والمتاجرة في الحوامض والخضر(!) احتكار المتاجر الكبرى. التحكم في كل ما يخرج من باطن الأرض أو في الماء أو تحت الماء. المشاريع الكبرى تتقدم إليها الشركات الكبرى وتحوز صفقاتها بْلا ناهي أو منتهي.. هي نماذج وأمثلة صارخة لطرق تحكمية للعديد من الحكام في الأنظمة السالفة الذكر التي تؤمن فقط بنفسها ومحيطها الخدوم والخادم لأهدافها. ومع ذلك، يقولون للشعوب المقهورة أنِ انتظري.. فالتنمية قادمة والبحبوحة في الطريق إلى جيوبكم. والعيش الرغيد المحترم لآدمية البشر ستجدونه في نهاية الزقاق الديمقراطي. القاعدة الذهنية المعروفة، من يتحكم في الثروة.. يتحكم في السلطة ويوجه دفَّتَها بشكل سري.. لهذا نجد أيضاً أن أيادي العلبة السوداء الموجهة للبرنامج الاقتصادي، لا تنفك تعبث في المجال السياسي إنْ تخريبا أو إقصاء أو تهريجاً (!) ولا ترضي سوى نزواتها الذاتية مع ترك الهامش الكبير للحاكم في بسط سطوته الاقتصادية. الانتهاء من «حرث» الحقل الاقتصادي وتطويع أراضيه ومراقبة سياجها يفضي بالضرورة إلى سحب الخيوط السياسية إلى أصابع المقرّبين من المقرّب الأول من الحاكم بأمره.. وهكذا دواليك.. دورة اقتصادية مربوطة بدورة سياسية والمفتاح عنده والقفل أيضا (!) لن تنتطح عنزتان إذا قال أحد أن هذا الكلام يصدق على مجمل البلاد العربية والافريقية بطرق متفاوتة، لأن في التفاصيل لا يكمن الشيطان وحده، بل تبرز بوضوح كيفية اشتغال سلطة سياسية متنفذة لترسيخ تصور واحد يديم هيمنتها. جدلية الاقتصادي والسياسي اذا ارتبطت بالمعطى السلطوي اعطت نظاما غير ديمقراطي، طفيلي، هجين في اختياراته، متجاوز في تفكيره، غير ذي مصداقية سواء في الداخل او الخارج. اما اذا انضبط الحاكم للمقولات الديمقراطية التي تؤثت دولة الحق والقانون والرامية بالأساس الى هيكلة السلطة والثروة وفق التعريفات التاريخية والاكاديمية للدولة الديمقراطية، فإن الحديث آنذاك عن فصل السلط واحترام المؤسسات الدستورية يصبح ذا معنى، والتنمية البشرية التي تستهدف شعبا مقهورا تسترجع وجاهتها بدل مشاريع غير مدروسة تهدر فيها الاموال ويتم توهيم السلطة السياسية بجدواها وما أن ينتهي التدشين حتى يسحب الماكياج وتتحول في معظمها (اي المشاريع) الى كتل اسمنتية يتجول فيها الهباء والفراغ والذباب؟؟ السلطة المتشبعة بالديمقراطية . لا تصنع حكومتين واحدة للاستهلاك والبهرجة والثانية هي المقررة والنافذة والمنفذة ايضا في تنزيل الاوراش الاستراتيجية الكبرى ومتابعتها.. الديمقراطية لا تمشي برأس او رأسين، الديمقراطية مفهوم مرتبط بالمشاركة في ابعادها الواسعة، مفهوم مرتبط بدمقرطة القرار الاقتصادي والعدالة في توزيع الثروات وايصالها الى الفئات والمناطق الاكثر تضررا والاكثر فقرا. الديمقراطية هي أن يحس المواطن - اذا كان حقا يملك صفة المواطنة - أنه يعيش في بلد يعطيه حقه ويجد نفسه في الانتاجية، بل يكون مساهما في تطويرها والاستفادة من عائداتها. عندما يكون الحاكم العربي أو الإفريقي واتباعه يسيطرون على «العلبة السوداء»، مداخلها ومخارجها، ويرفعون الاغنيات الديمقراطية جدا،فإن الاغنية تبقى اغنية، والشعارات وهم، والكلام الغليظ على التنمية والتحديث مجرد كلام في الهواء. الدولة التي تحترم نفسها، تسعى إلى اعطاء صورة مشرفة عن مؤسساتها... وتنضبط لصندوق الاقتراع المحدد الاساسي لأية سياسة عمومية... اذن ما الفائدة أن تجرى الانتخابات ويقع ما يقع فيها وتعين حكومة ويسدل الستار بعد أن توزع الأدوار، والنتيجة محسومة سلفا. نهايته، التردد في الاختيار الديمقراطي في الوطن العربي يديم الازمة ويعقد الاوضاع، والتلكؤ في الحسم مع اختيارات اثبت الزمن السياسي محدوديتها وسطحيتها لن يوصل بالضرورة الى نهج ديمقراطي سليم وقويم، العبرة بالخواتم وبالتجارب المقارنة.