المصادقة على 216 نصا قانونيا خلال سنة 2024    الغموض يحوم حول مصير اشتراكات وتعويضات 3 ملايين منخرط سيتم ترحيلهم عنوة لنظام AMO الحكومة صادقت على نسخة معدلة تضحي بمنخرطي كنوبس مقابل إنقاذ التعاضديات من الانقراض    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد النفساني للمبدع
نشر في آسفي اليوم يوم 26 - 12 - 2010

قراءة تحليلية نفسية اجتماعية للفن التشكيلي..عبد الوهاب الزين نموذجا
بقلم الدكتور محمد لمباشري
1. السياق العام للنقد النفساني للمبدع: عندما نعود للأصل المرجعي لهذا الحقل المنهجي المتعلق بالنقد النفساني للإبداعات الفنية و الأدبية، يتطلب الأمر الرجوع لحياة فرويد التحليلية النفسية المنشطرة بين المنظور العيادي الطبي، و بين النزوح للموروث الأدبي الإنساني كتراكم استثمره فرويد لتفسير النزوات الخاصة بالذات و بالآخر في حالتهما اللاسوية و المرضية، خصوصا من خلال تأويلات فرويد المتعددة لعدد كبير من الأعمال الأدبية و الفنية التي عبرها خلص إلى تحليل شخصية أصحابها باحثا في نفس الوقت عن حياتهم اللاواعية بما هي تعبير صريح – في تأويلاته- عن نزواتهم الذاتية في بلورة المواضيع المنتقاة من طرفهم كأعمال فنية. إيمانا من فرويد كتبرير لأطروحته المركزية الخاصة بالنقد النفساني، بأن تمثيل الحياة النفسية البشرية هو ميدان خاص بالروائي باعتباره القادر على الاكتشاف، أي اكتشاف الذات الباطنية أو اللاواعية و اكتشاف الآخر من خلال الإبداعات التي يؤلفها.. و هو ما أقره فرويد عند موت أبيه و تحليله الذاتي لنفسيته، يقول في هذا الصدد:
" لقد وجدت في نفسي ...مشاعر حب تجاه أمي و مشاعر غيرة و حسد تجاه أبي، تلك المشاعر التي تكون مشتركة بين كل الأطفال، حتى ولو لم تظهر مبكرا، كما الحال لدى الأطفال الذين سيصبحون فيما بعد هستيريين، و نفهم هكذا... الأثر الذي تتركه مسرحية "أوديب - الملك"...لقد أدركت المسرحية اليونانية حاجة قهرية يتعرف كل الأفراد عليها لأنهم شعروا بها جميعا، فكل مستمع أو قارئ كان يوما ما، و بالقوة أدويبا. كما ارتعش القارئ أمام هذا الحلم الذي انتقل إلى الواقع، و ذلك حسب درجة الكبت التي تفصل بين المرحلة الطفلية و حالته الراهنة."[ حياتي و التحليل النفسي]
مرتكزا ته في ذلك قراءته لبعض الروائع الأدبية التي عرفتها الإنسانية مثل: أوديب الملك للأديب اليوناني "سوفوكل"؛ و مسرحية هاملت للكاتب الإنجليزي "ويليام شكسبير"؛ و الإخوة كارامازوف للكاتب الروسي "دوستويفسكي."
القاسم المشترك بين هذه الأعمال الأدبية الثلاثة هو الموت - بالرغم من اختلاف الحقب التاريخية التي أنتجت فيها-، أي تحقيق رغبة ذاتية لاواعية، حيث في اوديب الملك يقوم الابن بقتل لديوس الأب، كما يعبر هاملت عن رغبة داخلية في قتل العم الذي سيتحول إلى أب رمزي بعد الزواج من الأم، ثم قيام احد الإخوة كارامازوف بقتل الأب.
v تجليات هذه الحجج الأدبية التي تؤسس منطلقات نظرية لما سمي بمدرسة التحليل النفسي تتمثل في ثنائيات شكلت المشروع التحليلي لفرويد : الحب - الكراهية؛ الموت - الحياة؛ الجنون - العقل؛ التسامح - الانتقام؛ الرغبة- الكبت؛ الطفل- الفتاة؛
إن الركوب على ثنائيات متناقضة مثل ما هو مقدم، تعطي شكلا من السيطرة الحتمية لغريزة العدوان في تجلياتها المتقاربة و المختلفة كغريزة طبيعية في الإنسان من وجهة نظر فرويد، هذه الثنائيات ذات المستويات المتنافرة تكشف عن لذة لاواعية في صيغة صراع بين الحياة و الموت، و هو صراع ينتهي حسب فرويد بهيمنة غريزة الموت.
يقول فرويد في هذا الصدد: ما يستطيع التحليل النفساني القيام به هو إعادة بناء طبيعة الفنان و توقه الغريزي الفاعل، أي ما يمثله من صورة الإنسان الأزلية، و ذلك من خلال العلاقات المتبادلة بين انطباعاته الحيوية و تقلباته الطارئة من جهة، و آثاره الفنية من جهة أخرى. و هذا ما دفعني – يضيف فرويد- إلى التمثل ببليوناردو دافنشي كموضوع لدراستي، و هي دراسة تقوم على ذكرى واحدة من ذكريات الطفولة التي يخبرنا عنها هو نفسه و التي تساعدنا خاصة في توضيح لوحته المشهورة [La Sainte –Anne ]. [أنظر كتابه حياتي و التحليل النفسي].غير انه [ أي فرويد] في سياق آخر خصوصا في كتابه دروس موجزة للتحليل النفسي، يرى بأن "التقويم الجمالي للعمل الفني و تفسير الموهبة الفنية ليست من مهام التحليل النفسي"؛ معنى هذا أن المحلل النفساني يبقى دوره مقتصر على الكشف عن ما يسمى بالميتة شخصية للمبدع و ليس عن القيمة الفنية للوحة التشكيلية، على اعتبار أن الإبداع الفني هو شكل من أشكال الفحص اللاواعي بتعبير شارل مورون؛
1. مقومات المقاربة المعتمدة:
بداية تشير بان القراءة المعتمدة في هذا العمل هي قراءة تحليلية نفسية اجتماعية تحاول ضمن سياق مقاربتها تفكيك أبجديات الموضوع المستهدف في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين دون محاول القفز عن السياقات الاجتماعية و الثقافية المحيطة بشخصية المبدع، اعتمادا بطبيعة الحال على خاصية الفهم و التأويل المعمق للعمل. و بذلك يعتبر الفهم شرط أساسي للتأويل و لمحاولة معرفة الغير و السعي نحو التطابق معه قدر الإمكان، وذلك بالقيام بإسقاطات حوله تتحكم فيها الأنا الاجتماعي و انا القارئ. و بما أن الفهم مسألة يين ذاتية فإنه يقتضي بالضرورة الانفتاح على الشخصية المستهدفة في القراءة أو التحليل و التعاطف معها في بعض الأحيان، حسب نوعية العمل المتجلي في الفن التشكيلي..
كما ليس الهدف الأسمى من التحليل النفسي الاجتماعي المعتمد في هذه القراءة هو تشخيص الحياة اللاواعية و الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المبدع - كما الشأن في الطروحات الفرويدية - من خلال الوقوف على إبداعاته الفنية في مختلف المجالات، بل الأساس في هو تحليل المنتوج الإبداعي ذاته أي الاشتغال على الموضوع المستهدف في العمل الإبداعي وصولا إلى التأويل الممكن.
و محاولة منا لبناء شبكة من الاستعارات البيانية التي تفضي بنا الارتقاء إلى مكنون و منطوق العمل الإبداعي، لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار مختلف الأنظمة المتشابكة التي تعمل على توحيد الأفكار الإرادية و غير الإرادية التي يعبر عنها المبدع و هو ما نسميه بالمقبرة السرية للمبدع.
إن الأساسي في النقد النفساني الاجتماعي هو السعي نحو التحليل الذاتي للمبدع ضمن سياقات اجتماعية و بين فردانية يتوسطهما الواقع في تركيبته المختلفة و المتعددة. و بذلك يمكن النظر أولا لأيقونة اللوحة التشكيلية كفضاء ممتد مملوء بالرموز ذات الصبغة الدلالية لموضوع قابل للإدراك و الفهم و الاحتواء و التأويل حسب المساقات التي أدرج فيه، لا بالنسبة للمبدع و إنما بالنسبة كذلك للقارئ لها؛ هذا الأخير الذي يجد نفسه مطالبا باختراق أركان اللوحة من حيث الشكل لينساب نحو تفسير نسيجها الخيلائي بدءا بالألوان و انتهاء بالرموز و التعبيرات الموحى بها ضمن سياق ما هو قابل للتأويل و الفهم.
إذن نحن بصدد البحث عن ميتا معرفة لللوحة التشكيلة، أي ما يسميه مورون بميتا شخصية المبدع؛ و لكن بالنسبة لنا لا يقتضي الأمر الكشف عن الجانب اللاسوي في الشخصية الخاصة بالمبدع و إنما السعي نحو البحث عن المدلول و ليس الدال كما نبهنا لذلك جاك ديريدا.و في هذا السياق يمكننا الانطلاق من مربع نفسي اجتماعي جدلي يفسر نوعية المقاربة المعتمدة في هذه القراءة،
لنوضح مكونات المربع النفسي الاجتماعي:
أنا المبدع: تفرض علينا المقاربة التحليلية النفسية الاجتماعية الأخذ بعين الاعتبار أنا المبدع كهوية نفسية اجتماعية تتوسطها الإرادة الذاتية للبحث عن أيقونة الفعل كموضوع عبر تداعيات شبه إرتكاسية تحدوها الرغبة في التعبير الخيلائي عن ما هو منسوب افتراضا للعبة النسيان بحثا عن لحظوية الحاضر كتيمة بالنسبة للقارئ أو المتفرج ....
الأنا الاجتماعي: هي السياقات الثقافية و الاجتماعية و القيمية – كضمير جمعي- التي تشد الفنان اكراها للتعبير عن ادراكات واعية أو غير واعية لها، منشطرا بين الانتماء الاجتماعي و الخضوع لأنويته الذاتية...
الاستهامات: باعتبارها المادة الخام لتفجير التراكمات المخزنة في الذاكرة البعيدة المدى و التي يمكن إسقاطها كخبرات طفلية نكوصية للتعويض عن الحرمان...و بحثا عن التعالي و التسامي كحيلة دفاعية في الشخصية
أنا القارئ: هي الأخرى لا تخرج عن السياقات الاجتماعية و الثقافية و التراكمات المكونة حول الفن التشكيلي عموما كمنطلقات بالنسبة للقارئ للفهم و التأويل و الإدراك، وصولا إلى الحكم بلغة ديكارت... تلكم تجليات المقاربة التحليلية النفسية المعتمدة في هذه القراءة.
2. أهم التيمات المعروضة لتحليل عمال الفنان عبد الوهاب الزين:
تقديم: يحفر الفنان عبد الوهاب الزين أوراق اللوحة بحثا عن تشكيل سيميائي لإيجاد هويته الفنية، عبرها يشق إشراقات وضاءة لفضاء بيئي متأصل في عمق الثرات الحضاري، ممتدا نحو لحظة الحاضر منيرا لمسار مستقبلي، ذاك هو هدفه الاستراتيجي.
إن المتأمل لأعمال الفنان عبد الوهاب الزين يجد نفسه متأرجحا بين انتمائه للمدرسة الانطباعية حيث الصبغة الهيريقليطية تصطبغ بعض من لوحاته، و بين إحالته على المدرسة السريالية كإبداع جنوني يجسد عبره الأصل الطبيعي للإنسان خصوصا في جانبه الحركي الممزوج باستيهامات هلوسية بحثا عن الصورة التعبيرية في صيغة إسقاطات لتمثلات مكبوتة و موشومة في الذاكرة المنسية.
و يعد التراب بأشكاله المختلفة مادته ألأولية في التشكيل بعيدا عن الصباغة، يحاول مزجه بأشكال مختلفة من الأتربة و الأحجار لتشكيل ألوان قوس قزح، كأنها أصل الذات في العمل التشكيلي لفناننا، و كأنني بالتراب كمادة فنية متأصلة في مختلف الإبداعات التي ابتكرها فناننا، تعبير لاواعي عن ثنائية غرائزية بين الإيروس و التاناتوس، أي بين لحظة الولادة الأصلية للذات البشرية في الخطاب الديني الموشوم في الذاكرة، و بين لحظة الفناء المشدود للتراب الأصلي للوجود؛ غير أن توسط البحر بما هو تدفقات مائية لامتناهية يحيلنا لنوع من الامتداد لهذه الحياة في الأزمنة المستقبلية ذاك مآل فناننا.
ثمة تيمات دلالية في لوحات عبد الوهاب الزين تجسد مجمل الأعمال التي عرضها إن على المستوى المحلي و الوطني أو على المستوى الدولي:
v المرأة: تيمة نادرة في لوحاته على مستوى الاشتغال، إلا أنه غالبا ما يقنعها بحجاب سميك خوفا من عرض كنهها للآخر، متَّيما بها، و مقدرا – بشكل لا واعي- لتضاريس جسدها، مبعدا إياها من نبش و وشم الجنس الذكوري...باحثا عن حرمتها المقدسة في حياته اللاواعية إيمانا منه بقدسيتها.
v العمران: شهادة منه على التاريخ العريق للهوية العربية، و لساكنة شاخت جاعلا من الباب المقفول دائما كمناعة ضد أي تيار معاصراتي يمكن أن يهز كيانها الداخلي كإرث ماضوي، خوفا من القورنة الحداثية، و نكوصا لأمجاد السلف في خبر كان.
v الفولكلور:قيمة نبيلة في أعماله الفنية، ذات تكرارات متعددة و غير متجانسة [ الخيالة، الفروسية، كناوة، الطرب الأندلسي، زرياب في ابتكاراته لأوتار العود...]، تجسيدا لثقافة شعبية ولت، و احتشمت و زيفت بأساليب جديدة فقدتها حقيقتها الأصلية؛ و بعيدا عن عملية التنميط يحبكها فناننا بتشكيل كأنه صورة فوتوغرافية ذات بعد استيتيقي تشد الناظر إليها مثل عيون ميدوزا؛ و في الفولكلور كمادة حنين نرجسي لثقافة غنائية تقوم على الحركة الهستيرية كشكل من التفريغ لمكبوتات الحلم اليومي، عبر المزاوجة بين لغة الجسد و الإيقاع الكناوي كنوع من التداعي الجسدي يرمي من خلاله البحث عن متطلبات الهو للإشباع؛
v البحر: رمز الحياة الذاهبة الآيبة، يعبّر من خلاله عن حركة المد و الجزر في لعبة التاريخ العربي، مؤرجحا إياه بين الهدوء المنسوب للعاصفة، و بين رهانات التثوير للكائن بحثا عن الممكن...؛ و البحر كمتن متكرر في جل أعماله، هو في تأويلاتنا رمز لاشعوري لرغبة فناننا في الحياة والعيش السرمدي خوفا من الموت المفتعل.
v الأمكنة: فضاء المكان المؤرخ في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين تمثيلا لمدن تاريخية عريقة في الإرث اللاشعوري، بدءا من مسقط الرأس آسفي، و انتهاء بمدن صغيرة و كبيرة مجاورة للمدينة الأم، تشكيلات احتجاجية ضمنية على عصرنة البنايات، و تعبير لاشعوري عن هويته الأصلية في الانتماء...
v الأزمنة: تداخلات شبه ارتكاسية و امتدادية، ينقب الفنان من ورائها عن لحظة المنتهى للوقوف، ذاك حلم ارخميدس لتحريك الأرض من مكانها...و حلم فناننا لجمع الشمل بين الأزمنة الثالوثية بحثا عن زمن التسامح و الإخاء الإنساني تمجيدا لكرامة الإنسان... و يبدو من الصعب في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين الكشف عن لحظة الانفصال في السيرورة الخاصة بالأزمنة الثلاثة، أي بين الماضي و الحاضر و المستقبل، و تلك ميزته التعددية في مجاله الفني؛ تيمات مثل هاته تتكرر في أعمال فناننا مداعبا إياها بأصابعه الثاقبة كمؤشر على الحركة المرتقبة الممزوجة بلذة الطرب الذي يتوق لحضارة أندلسية مهد الفتوحات القديمة التي كانت و ولت للهولاكي في زمن الألفية الثالثة.
3. الجلاء و الوضوح في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين:
إن انطولوجية الجلاء و الوضوح في لوحات الفنان عبد الوهاب الزين، لا تعني عنده تمييز المواضيع من حيث هي مواضيع مجردة و بعيدة عن سياقها التاريخي، و إنما بتحويلها إلى مادة قابلة للإدراك و الفهم المباشر لمعانيها من طرف أي قارئ لها، بل من حيث حضورها كموضوع في موشوم الذاكرة البعيدة المدى لدى الإنسان الاجتماعي كما هو مستحضر من طرفه أثناء التشكيل، فليس الوضوح و الجلاء صفتين متميزتين في أعماله، و إنما تبصره و استبصاره في مضامينها هو الذي يعطي الدلالة الواقعية لها، كتعبير عن قضية سوسيوثقافية تستفز فينا مخيلتنا و ذاكرتنا كمتمثلين لها، لتأخذنا إلى الفهم الحقيقي لمعناها وصولا على الحكم الديكارتي.
فالباب المقفول دائما في لوحات الفنان مؤشر للتعبير عن صدق الواقع في تراتبية الآخر كرمز لتجليات مواقف معيشة في مجتمعنا ضمن سياق علاقة بين ذاتية؛ و بذلك فالجلاء و الوضوح كما تبدو للبعض في أعماله هما صفتان للحكم المتسرع البعيد عن عملية التروي و الاستبصار وصولا للفهم لمضامين اللوحات الفنية المعروضة. غير أن إمكانية الفتوحات لهذه الأبواب المغلقة في وجه الآخر، مشروطة بأرخبيلات من اليقينيات الخارجة عن التفسير المباشر و الحتمي لمفهوم الفتح و الإغلاق، و هذا ما يعمل فناننا على التعبير عنه من خلال مجموعة من الأعمال الفنية التي عرضها إن على الصعيد المحلي و الوطني أو على الصعيد العالمي، و كمثال على ذلك: لوحة الرباب و الكمان و العود و الفروسية ... و هي مواضيع ممزوجة بالحركية المفعمة بالأمل الواعد لصدود تاريخية عالقة في بنية الإنسان المضطهد و المقهور من شدة الأبواب المغلقة في وجهه.
. 4 تخريج عام ألسنا في الأخير أمام استطباع فني يضع القديم في قلب الجديد، و يدفع بهذا الأخير لتقصي الماضوي في سيرورة جدلية داخل أركولوجية الفعل الفني المنعكس على لوحاته الإبداعية؟ و في الأخير نشير بان فعل القراءة لأعمال الفنان عبد الوهاب الزين تشترط في تقديراتنا الفنية لها، العمل على تهذيب الحس الإدراكي مع صبر غور مكنونها الدلالي كرموز و كأوصاف متناثرة في أركان المربعات و المستطيلات ; و تكعيبات تهندسها خيالاته و استيهاماته الواقعية و التوقعية للحدث المستهدف في أعماله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.