إتقان اللغة الأمازيغية.. من السلطان محمد الثالث إلى ولي العهد مولاي الحسن: إرث ثقافي مستمر    ضبط سائقين متورطين في سياقة استعراضية خطيرة بالدار البيضاء    نور الدين أمرابط يرفض عرض الوداد ويُفضل العودة إلى إنجلترا    بلاغ لوزارة الخارجية المغربية يشيد ب "وقف القتال والهجمات على المدنيين" في غزة    إسرائيل تنشر قائمة بأسماء 95 معتقلا فلسطينيا ستفرج عنهم اعتبارا من الأحد    المانيا تعتقل ناشط حراكي سابق متهم بالتجسس لصالح المغرب والاخير ينفي    المغرب يرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويؤكد على ضرورة التزام الأطراف بالسلام    المغرب يشيد باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويدعو لسلام دائم    الجيش يفتقد 3 لاعبين أمام ماميلودي    جمهورية كوت ديفوار تجدد موقفها الداعم للوحدة الترابية والسيادة المغربية    طقس السبت.. امطار وثلوج بعدد من مناطق المملكة    تساقطات ثلجية مهمة بشقران وبني عمارت وتيزي فري    مراسلة لوزير الداخلية تضع جدولة زمنية لإخراج الشركات الجهوية المتعددة الخدمات لحيز الوجود    إطلاق خدمات 7 مراكز صحية بجهة الرباط    المحكمة الأمريكية العليا تقر قانون حظر "تيك توك"    فرق التجهيز تتدخل لفتح طريق مغلقة بسبب الثلوج بإقليم الحسيمة    جنيف.. مطالبات بتسليط الضوء على ضحايا الاختفاء القسري في تندوف    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بالأحمر    شهادة تأمين "المسؤولية المدنية العشرية" أصبحت إجبارية للحصول على "رخصة السكن"    مجموعة مارتينيز أوتيرو الإسبانية تختار المغرب لفتح أول مصنع لها في الخارج    توقيف عنصر متطرف بتاوريرت يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم «داعش» الإرهابي    المغاربة يتصدرون قائمة الأجانب المسجلين في الضمان الاجتماعي بإسبانيا    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    تخفيف ضريبي يرفع معاشات التقاعد    عاشِق في كَذِبٍ صادق !    الشرع يستقبل وفد المحكمة الجنائية    "أطاك" تنتقد لجوء الدولة إلى تكبيل الحق في ممارسة الإضراب    محمد الشوبي يشتكي الإقصاء من الاعمال التلفزيونية    انضمام الحارس المغربي أنس الزنيتي إلى الوصل الاماراتي    وحدة النزاهة في ألعاب القوى تحسن تصنيف المغرب في مجال مخاطر المنشطات    مغاربة يحتفلون باتفاق غزة وينددون باستمرار الإبادة عقب صلاة الجمعة    فتح استثنائي لمعبر "زوج بغال"الحدودي بين المغرب والجزائر    التأشيرة الالكترونية.. نتائج إيجابية على القطاع السياحي بالمغرب (وزارة)    بوريطة يتباحث مع نظيره الإيفواري بالعيون    الهند وباكستان في طليعة المستفيدين من التأشيرة الإلكترونية المغربية.. إصدار أزيد من 385 ألف تأشيرة منذ 2022    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة الممثل المصري فكري صادق بعد صراع مع المرض    الدولي المغربي حمزة منديل ينضم إلى أريس سالونيكا اليوناني    السيتي يحصن هالاند بعقد "تاريخي"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    ارتفاع أسعار النفط في ظل مخاوف بشأن المعروض    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    الرجاء يعلن انطلاق عملية بيع تذاكر مباراته ضد مانييما    منع الجمهور التطواني من التنقل لمتابعة مقابلة النادي المكناسي    الصين تؤكد على التزامها الدائم بتعزيز التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون    ‬"فيتش": البيئة تدعم البنوك المغربية    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    استطلاع هسبريس: المغاربة يفضلون "الكاش" على البطاقات البنكية    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد النفساني للمبدع
نشر في آسفي اليوم يوم 26 - 12 - 2010

قراءة تحليلية نفسية اجتماعية للفن التشكيلي..عبد الوهاب الزين نموذجا
بقلم الدكتور محمد لمباشري
1. السياق العام للنقد النفساني للمبدع: عندما نعود للأصل المرجعي لهذا الحقل المنهجي المتعلق بالنقد النفساني للإبداعات الفنية و الأدبية، يتطلب الأمر الرجوع لحياة فرويد التحليلية النفسية المنشطرة بين المنظور العيادي الطبي، و بين النزوح للموروث الأدبي الإنساني كتراكم استثمره فرويد لتفسير النزوات الخاصة بالذات و بالآخر في حالتهما اللاسوية و المرضية، خصوصا من خلال تأويلات فرويد المتعددة لعدد كبير من الأعمال الأدبية و الفنية التي عبرها خلص إلى تحليل شخصية أصحابها باحثا في نفس الوقت عن حياتهم اللاواعية بما هي تعبير صريح – في تأويلاته- عن نزواتهم الذاتية في بلورة المواضيع المنتقاة من طرفهم كأعمال فنية. إيمانا من فرويد كتبرير لأطروحته المركزية الخاصة بالنقد النفساني، بأن تمثيل الحياة النفسية البشرية هو ميدان خاص بالروائي باعتباره القادر على الاكتشاف، أي اكتشاف الذات الباطنية أو اللاواعية و اكتشاف الآخر من خلال الإبداعات التي يؤلفها.. و هو ما أقره فرويد عند موت أبيه و تحليله الذاتي لنفسيته، يقول في هذا الصدد:
" لقد وجدت في نفسي ...مشاعر حب تجاه أمي و مشاعر غيرة و حسد تجاه أبي، تلك المشاعر التي تكون مشتركة بين كل الأطفال، حتى ولو لم تظهر مبكرا، كما الحال لدى الأطفال الذين سيصبحون فيما بعد هستيريين، و نفهم هكذا... الأثر الذي تتركه مسرحية "أوديب - الملك"...لقد أدركت المسرحية اليونانية حاجة قهرية يتعرف كل الأفراد عليها لأنهم شعروا بها جميعا، فكل مستمع أو قارئ كان يوما ما، و بالقوة أدويبا. كما ارتعش القارئ أمام هذا الحلم الذي انتقل إلى الواقع، و ذلك حسب درجة الكبت التي تفصل بين المرحلة الطفلية و حالته الراهنة."[ حياتي و التحليل النفسي]
مرتكزا ته في ذلك قراءته لبعض الروائع الأدبية التي عرفتها الإنسانية مثل: أوديب الملك للأديب اليوناني "سوفوكل"؛ و مسرحية هاملت للكاتب الإنجليزي "ويليام شكسبير"؛ و الإخوة كارامازوف للكاتب الروسي "دوستويفسكي."
القاسم المشترك بين هذه الأعمال الأدبية الثلاثة هو الموت - بالرغم من اختلاف الحقب التاريخية التي أنتجت فيها-، أي تحقيق رغبة ذاتية لاواعية، حيث في اوديب الملك يقوم الابن بقتل لديوس الأب، كما يعبر هاملت عن رغبة داخلية في قتل العم الذي سيتحول إلى أب رمزي بعد الزواج من الأم، ثم قيام احد الإخوة كارامازوف بقتل الأب.
v تجليات هذه الحجج الأدبية التي تؤسس منطلقات نظرية لما سمي بمدرسة التحليل النفسي تتمثل في ثنائيات شكلت المشروع التحليلي لفرويد : الحب - الكراهية؛ الموت - الحياة؛ الجنون - العقل؛ التسامح - الانتقام؛ الرغبة- الكبت؛ الطفل- الفتاة؛
إن الركوب على ثنائيات متناقضة مثل ما هو مقدم، تعطي شكلا من السيطرة الحتمية لغريزة العدوان في تجلياتها المتقاربة و المختلفة كغريزة طبيعية في الإنسان من وجهة نظر فرويد، هذه الثنائيات ذات المستويات المتنافرة تكشف عن لذة لاواعية في صيغة صراع بين الحياة و الموت، و هو صراع ينتهي حسب فرويد بهيمنة غريزة الموت.
يقول فرويد في هذا الصدد: ما يستطيع التحليل النفساني القيام به هو إعادة بناء طبيعة الفنان و توقه الغريزي الفاعل، أي ما يمثله من صورة الإنسان الأزلية، و ذلك من خلال العلاقات المتبادلة بين انطباعاته الحيوية و تقلباته الطارئة من جهة، و آثاره الفنية من جهة أخرى. و هذا ما دفعني – يضيف فرويد- إلى التمثل ببليوناردو دافنشي كموضوع لدراستي، و هي دراسة تقوم على ذكرى واحدة من ذكريات الطفولة التي يخبرنا عنها هو نفسه و التي تساعدنا خاصة في توضيح لوحته المشهورة [La Sainte –Anne ]. [أنظر كتابه حياتي و التحليل النفسي].غير انه [ أي فرويد] في سياق آخر خصوصا في كتابه دروس موجزة للتحليل النفسي، يرى بأن "التقويم الجمالي للعمل الفني و تفسير الموهبة الفنية ليست من مهام التحليل النفسي"؛ معنى هذا أن المحلل النفساني يبقى دوره مقتصر على الكشف عن ما يسمى بالميتة شخصية للمبدع و ليس عن القيمة الفنية للوحة التشكيلية، على اعتبار أن الإبداع الفني هو شكل من أشكال الفحص اللاواعي بتعبير شارل مورون؛
1. مقومات المقاربة المعتمدة:
بداية تشير بان القراءة المعتمدة في هذا العمل هي قراءة تحليلية نفسية اجتماعية تحاول ضمن سياق مقاربتها تفكيك أبجديات الموضوع المستهدف في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين دون محاول القفز عن السياقات الاجتماعية و الثقافية المحيطة بشخصية المبدع، اعتمادا بطبيعة الحال على خاصية الفهم و التأويل المعمق للعمل. و بذلك يعتبر الفهم شرط أساسي للتأويل و لمحاولة معرفة الغير و السعي نحو التطابق معه قدر الإمكان، وذلك بالقيام بإسقاطات حوله تتحكم فيها الأنا الاجتماعي و انا القارئ. و بما أن الفهم مسألة يين ذاتية فإنه يقتضي بالضرورة الانفتاح على الشخصية المستهدفة في القراءة أو التحليل و التعاطف معها في بعض الأحيان، حسب نوعية العمل المتجلي في الفن التشكيلي..
كما ليس الهدف الأسمى من التحليل النفسي الاجتماعي المعتمد في هذه القراءة هو تشخيص الحياة اللاواعية و الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المبدع - كما الشأن في الطروحات الفرويدية - من خلال الوقوف على إبداعاته الفنية في مختلف المجالات، بل الأساس في هو تحليل المنتوج الإبداعي ذاته أي الاشتغال على الموضوع المستهدف في العمل الإبداعي وصولا إلى التأويل الممكن.
و محاولة منا لبناء شبكة من الاستعارات البيانية التي تفضي بنا الارتقاء إلى مكنون و منطوق العمل الإبداعي، لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار مختلف الأنظمة المتشابكة التي تعمل على توحيد الأفكار الإرادية و غير الإرادية التي يعبر عنها المبدع و هو ما نسميه بالمقبرة السرية للمبدع.
إن الأساسي في النقد النفساني الاجتماعي هو السعي نحو التحليل الذاتي للمبدع ضمن سياقات اجتماعية و بين فردانية يتوسطهما الواقع في تركيبته المختلفة و المتعددة. و بذلك يمكن النظر أولا لأيقونة اللوحة التشكيلية كفضاء ممتد مملوء بالرموز ذات الصبغة الدلالية لموضوع قابل للإدراك و الفهم و الاحتواء و التأويل حسب المساقات التي أدرج فيه، لا بالنسبة للمبدع و إنما بالنسبة كذلك للقارئ لها؛ هذا الأخير الذي يجد نفسه مطالبا باختراق أركان اللوحة من حيث الشكل لينساب نحو تفسير نسيجها الخيلائي بدءا بالألوان و انتهاء بالرموز و التعبيرات الموحى بها ضمن سياق ما هو قابل للتأويل و الفهم.
إذن نحن بصدد البحث عن ميتا معرفة لللوحة التشكيلة، أي ما يسميه مورون بميتا شخصية المبدع؛ و لكن بالنسبة لنا لا يقتضي الأمر الكشف عن الجانب اللاسوي في الشخصية الخاصة بالمبدع و إنما السعي نحو البحث عن المدلول و ليس الدال كما نبهنا لذلك جاك ديريدا.و في هذا السياق يمكننا الانطلاق من مربع نفسي اجتماعي جدلي يفسر نوعية المقاربة المعتمدة في هذه القراءة،
لنوضح مكونات المربع النفسي الاجتماعي:
أنا المبدع: تفرض علينا المقاربة التحليلية النفسية الاجتماعية الأخذ بعين الاعتبار أنا المبدع كهوية نفسية اجتماعية تتوسطها الإرادة الذاتية للبحث عن أيقونة الفعل كموضوع عبر تداعيات شبه إرتكاسية تحدوها الرغبة في التعبير الخيلائي عن ما هو منسوب افتراضا للعبة النسيان بحثا عن لحظوية الحاضر كتيمة بالنسبة للقارئ أو المتفرج ....
الأنا الاجتماعي: هي السياقات الثقافية و الاجتماعية و القيمية – كضمير جمعي- التي تشد الفنان اكراها للتعبير عن ادراكات واعية أو غير واعية لها، منشطرا بين الانتماء الاجتماعي و الخضوع لأنويته الذاتية...
الاستهامات: باعتبارها المادة الخام لتفجير التراكمات المخزنة في الذاكرة البعيدة المدى و التي يمكن إسقاطها كخبرات طفلية نكوصية للتعويض عن الحرمان...و بحثا عن التعالي و التسامي كحيلة دفاعية في الشخصية
أنا القارئ: هي الأخرى لا تخرج عن السياقات الاجتماعية و الثقافية و التراكمات المكونة حول الفن التشكيلي عموما كمنطلقات بالنسبة للقارئ للفهم و التأويل و الإدراك، وصولا إلى الحكم بلغة ديكارت... تلكم تجليات المقاربة التحليلية النفسية المعتمدة في هذه القراءة.
2. أهم التيمات المعروضة لتحليل عمال الفنان عبد الوهاب الزين:
تقديم: يحفر الفنان عبد الوهاب الزين أوراق اللوحة بحثا عن تشكيل سيميائي لإيجاد هويته الفنية، عبرها يشق إشراقات وضاءة لفضاء بيئي متأصل في عمق الثرات الحضاري، ممتدا نحو لحظة الحاضر منيرا لمسار مستقبلي، ذاك هو هدفه الاستراتيجي.
إن المتأمل لأعمال الفنان عبد الوهاب الزين يجد نفسه متأرجحا بين انتمائه للمدرسة الانطباعية حيث الصبغة الهيريقليطية تصطبغ بعض من لوحاته، و بين إحالته على المدرسة السريالية كإبداع جنوني يجسد عبره الأصل الطبيعي للإنسان خصوصا في جانبه الحركي الممزوج باستيهامات هلوسية بحثا عن الصورة التعبيرية في صيغة إسقاطات لتمثلات مكبوتة و موشومة في الذاكرة المنسية.
و يعد التراب بأشكاله المختلفة مادته ألأولية في التشكيل بعيدا عن الصباغة، يحاول مزجه بأشكال مختلفة من الأتربة و الأحجار لتشكيل ألوان قوس قزح، كأنها أصل الذات في العمل التشكيلي لفناننا، و كأنني بالتراب كمادة فنية متأصلة في مختلف الإبداعات التي ابتكرها فناننا، تعبير لاواعي عن ثنائية غرائزية بين الإيروس و التاناتوس، أي بين لحظة الولادة الأصلية للذات البشرية في الخطاب الديني الموشوم في الذاكرة، و بين لحظة الفناء المشدود للتراب الأصلي للوجود؛ غير أن توسط البحر بما هو تدفقات مائية لامتناهية يحيلنا لنوع من الامتداد لهذه الحياة في الأزمنة المستقبلية ذاك مآل فناننا.
ثمة تيمات دلالية في لوحات عبد الوهاب الزين تجسد مجمل الأعمال التي عرضها إن على المستوى المحلي و الوطني أو على المستوى الدولي:
v المرأة: تيمة نادرة في لوحاته على مستوى الاشتغال، إلا أنه غالبا ما يقنعها بحجاب سميك خوفا من عرض كنهها للآخر، متَّيما بها، و مقدرا – بشكل لا واعي- لتضاريس جسدها، مبعدا إياها من نبش و وشم الجنس الذكوري...باحثا عن حرمتها المقدسة في حياته اللاواعية إيمانا منه بقدسيتها.
v العمران: شهادة منه على التاريخ العريق للهوية العربية، و لساكنة شاخت جاعلا من الباب المقفول دائما كمناعة ضد أي تيار معاصراتي يمكن أن يهز كيانها الداخلي كإرث ماضوي، خوفا من القورنة الحداثية، و نكوصا لأمجاد السلف في خبر كان.
v الفولكلور:قيمة نبيلة في أعماله الفنية، ذات تكرارات متعددة و غير متجانسة [ الخيالة، الفروسية، كناوة، الطرب الأندلسي، زرياب في ابتكاراته لأوتار العود...]، تجسيدا لثقافة شعبية ولت، و احتشمت و زيفت بأساليب جديدة فقدتها حقيقتها الأصلية؛ و بعيدا عن عملية التنميط يحبكها فناننا بتشكيل كأنه صورة فوتوغرافية ذات بعد استيتيقي تشد الناظر إليها مثل عيون ميدوزا؛ و في الفولكلور كمادة حنين نرجسي لثقافة غنائية تقوم على الحركة الهستيرية كشكل من التفريغ لمكبوتات الحلم اليومي، عبر المزاوجة بين لغة الجسد و الإيقاع الكناوي كنوع من التداعي الجسدي يرمي من خلاله البحث عن متطلبات الهو للإشباع؛
v البحر: رمز الحياة الذاهبة الآيبة، يعبّر من خلاله عن حركة المد و الجزر في لعبة التاريخ العربي، مؤرجحا إياه بين الهدوء المنسوب للعاصفة، و بين رهانات التثوير للكائن بحثا عن الممكن...؛ و البحر كمتن متكرر في جل أعماله، هو في تأويلاتنا رمز لاشعوري لرغبة فناننا في الحياة والعيش السرمدي خوفا من الموت المفتعل.
v الأمكنة: فضاء المكان المؤرخ في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين تمثيلا لمدن تاريخية عريقة في الإرث اللاشعوري، بدءا من مسقط الرأس آسفي، و انتهاء بمدن صغيرة و كبيرة مجاورة للمدينة الأم، تشكيلات احتجاجية ضمنية على عصرنة البنايات، و تعبير لاشعوري عن هويته الأصلية في الانتماء...
v الأزمنة: تداخلات شبه ارتكاسية و امتدادية، ينقب الفنان من ورائها عن لحظة المنتهى للوقوف، ذاك حلم ارخميدس لتحريك الأرض من مكانها...و حلم فناننا لجمع الشمل بين الأزمنة الثالوثية بحثا عن زمن التسامح و الإخاء الإنساني تمجيدا لكرامة الإنسان... و يبدو من الصعب في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين الكشف عن لحظة الانفصال في السيرورة الخاصة بالأزمنة الثلاثة، أي بين الماضي و الحاضر و المستقبل، و تلك ميزته التعددية في مجاله الفني؛ تيمات مثل هاته تتكرر في أعمال فناننا مداعبا إياها بأصابعه الثاقبة كمؤشر على الحركة المرتقبة الممزوجة بلذة الطرب الذي يتوق لحضارة أندلسية مهد الفتوحات القديمة التي كانت و ولت للهولاكي في زمن الألفية الثالثة.
3. الجلاء و الوضوح في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين:
إن انطولوجية الجلاء و الوضوح في لوحات الفنان عبد الوهاب الزين، لا تعني عنده تمييز المواضيع من حيث هي مواضيع مجردة و بعيدة عن سياقها التاريخي، و إنما بتحويلها إلى مادة قابلة للإدراك و الفهم المباشر لمعانيها من طرف أي قارئ لها، بل من حيث حضورها كموضوع في موشوم الذاكرة البعيدة المدى لدى الإنسان الاجتماعي كما هو مستحضر من طرفه أثناء التشكيل، فليس الوضوح و الجلاء صفتين متميزتين في أعماله، و إنما تبصره و استبصاره في مضامينها هو الذي يعطي الدلالة الواقعية لها، كتعبير عن قضية سوسيوثقافية تستفز فينا مخيلتنا و ذاكرتنا كمتمثلين لها، لتأخذنا إلى الفهم الحقيقي لمعناها وصولا على الحكم الديكارتي.
فالباب المقفول دائما في لوحات الفنان مؤشر للتعبير عن صدق الواقع في تراتبية الآخر كرمز لتجليات مواقف معيشة في مجتمعنا ضمن سياق علاقة بين ذاتية؛ و بذلك فالجلاء و الوضوح كما تبدو للبعض في أعماله هما صفتان للحكم المتسرع البعيد عن عملية التروي و الاستبصار وصولا للفهم لمضامين اللوحات الفنية المعروضة. غير أن إمكانية الفتوحات لهذه الأبواب المغلقة في وجه الآخر، مشروطة بأرخبيلات من اليقينيات الخارجة عن التفسير المباشر و الحتمي لمفهوم الفتح و الإغلاق، و هذا ما يعمل فناننا على التعبير عنه من خلال مجموعة من الأعمال الفنية التي عرضها إن على الصعيد المحلي و الوطني أو على الصعيد العالمي، و كمثال على ذلك: لوحة الرباب و الكمان و العود و الفروسية ... و هي مواضيع ممزوجة بالحركية المفعمة بالأمل الواعد لصدود تاريخية عالقة في بنية الإنسان المضطهد و المقهور من شدة الأبواب المغلقة في وجهه.
. 4 تخريج عام ألسنا في الأخير أمام استطباع فني يضع القديم في قلب الجديد، و يدفع بهذا الأخير لتقصي الماضوي في سيرورة جدلية داخل أركولوجية الفعل الفني المنعكس على لوحاته الإبداعية؟ و في الأخير نشير بان فعل القراءة لأعمال الفنان عبد الوهاب الزين تشترط في تقديراتنا الفنية لها، العمل على تهذيب الحس الإدراكي مع صبر غور مكنونها الدلالي كرموز و كأوصاف متناثرة في أركان المربعات و المستطيلات ; و تكعيبات تهندسها خيالاته و استيهاماته الواقعية و التوقعية للحدث المستهدف في أعماله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.