يحكى أن أميرة من بلاد بعيدة في زمن العجائب و الغرائب ، كلما تألمت همت بتكسير زجاجة عطرها المفضل كإعلان تمرد على الحياة ، وان لاشيء يستحق الألفة ، حتى رذاذ الانتماء لمحبة قابل للتجديد ، يكفي أن نعشق بصمتنا لا بصدى الكلم الصارخ المنمق المتبجح بصدقه الواهم . وصل الأمر بها أن استنفذت كل الماركات على اختلاف نسماتها التي توحي بمزاج غادر للفرح ، لم تعد بحاجة لبائعي العطور، بل لمن يستطيع المزج بين رياحين الربيع وعبق الصدق ، هكذا اشترطت على مقطري كل أنواع الورود لاستلهام عطر أخاذ يلامس الإحساس و يداعب الروح بصفاء سريرة صاحبه. بدا الأمر بالنسبة لصانعي العطور أشبه بالقبض على الجمر، سيما وان شرط الأميرة غريب ونادر في زمن كثر فيه أشباه الصادقين ، يكفي أن يتجملوا باللباقة وحلو الكلام ، لكن كيف للأميرة أن تهتدي إلى صاحب القلب البلوري الشفاف المنعكسة براءة اختراعه على محياه وعينيه . قدر عطرها أن يكون جاهزا في غضون دقيقة واحدة لا أكثر، تساءل الجميع: أتسخر منا أميرتنا ؟ كيف لعطر أن يكون جاهزا في ظرف قياسي لا يتقبل استيعابه عقل ؟ "ذلك مرادي ومبتغاي " أجابت الأميرة ،عطر ذو عبق نوعي ينساب من الأعماق و يداعب وجنتي الجمال بروحه العذبة السمحة . لم يكن أمام غالبيتهم سوى الانسحاب ، لكن قلة قليلة منهم عزمت على خوض غمار التحدي بقلب من حديد ، بعضهم اختار تقطير أنواع عدة من الورود ، بينما اكتفى البعض الآخر بالصمت أمام هول الصدمة: "لا نستطيع فعل ذلك ، طلبك مستحيل التحقيق سيدتي .." "من قال أنني ابتغي المستحيل ؟ مرادي استثناء القاعدة وهذا يكفيني" تقدم أحدهم نحوها معلنا إيجاده لضالتها ،" عطرك جاهز سيدتي، إنه في كل مكان حولك ، يكفي أن تشيحي بوجهك عن اليأس وتطلقي العنان لضحكتك الوفية للأمل ، عطرنا المفضل مزاجنا الرائق ، موعدنا مع السعادة حين نريد ذلك حقا ، عبقنا الأصلي في الطبيعة بأكملها ، في زهر البرتقال و لون البنفسج على خدود الرياحين ، في الأصفر والأخضر، في لون السماء والأرض ، بين مد الصيف وجزر الخريف ، بين شك ويقين ، بين واقع وخيال ، بين حقيقة ووهم تتأرجح عواطفنا الإنسانية ، يكفي أن نغمض أعيننا ونمضي في الحياة ، نلتقط وردة بارة بأخواتها ، غير خائنة لعهد اللقاء ، مستعدة لضم سرها بين أشواكها ،غير آبهة لصفع الريح ولا لقسوة الكر و الفر. منتزع الوردة قاتلها ، منبهر بلونها القاتم المغري ، لا يهمه اقتفاء اثر عطرها بل يستهويه غموضها ، يعتريه فضول مخيف لاكتشاف كنه براءتها لتنتهي دموعا جفت مآقيها بين دفتي كتاب منسي عنوانه ذكرى مهجورة.. لك أن تختاري عطرك ، وحده مزاجك يحدد طبيعة عبقه ، على اختلاف الفصول تتغير روح نسماته ، عفويتك زينتك ، ثقتك بنفسك لحنك الشارد بين نوتات عقلك وقلبك ، اضبطي إيقاعها على هوى قدرك ولا تسمحي لسارقي الأحلام باقتناص فرحتك ، بسمتك أيقونتك ، مقبلاتك لوجبة الحياة الدسمة ، اعتدلي في ظنك ولا تطلقي العنان لثقتك العمياء فتهلكي ، كوني متطلبة في أمانيك ، أنت أميرة نفسك ، يكفيك فخرا أنك أنثى تجيد العزف على أوتار الصمت ، تعرف جيدا متى تصد وكيف ترد.. لمعت عينا الأميرة إعجابا بنباهة الشاب الوسيم الذي أجاد نظم قوافي الكلم ، ذكاؤه تخطى حدود الوصف ، هو ذا أمامها ذاك الذي لم تكف يوما عن اقتفاء اثر ظله الذي ظل يلاحقها ، مكتشف عطرها الاستثنائي ، مرآة ذاتها ، عمقها الذي يتحرى صدقا .. ستظل دوما وفية للألم الذي حرر حواسها من عبودية الوفاء لعطر سام خانق بنفس العبق ، كل عطور الدنيا الآن ملك لها فلتتحرر منه إذن ولتكسر الزجاجة..