أي أبي… اخترت هذه الصورة من بين عديد صور لأني أحبها ،اخترتها لأنك أخذتها و أنت بمصر التي تحبها و لو أني أعرف أنك تحب السودان أكثر و تحب شعب السودان الذي كلما ذكرته ذكرت طيبوبته. هل تعرف،أبي ،و نحن على بعد أربعة عشر سنة من وفاتك،أن العالم تغير، و تغير الناس و تغيرت الخرائط و تغير كل شيء. ..؟ هل تعرف أن الملك محمد السادس تسائل في أحد خطاباته عن الثروة و المغرب عرف في عهده مشاريع لا تعد و لا تحصى و صرفت أموال و أموال كانت لتجعل المغرب أحسن مما هو عليه الآن؟ هل تعرف يا أبي و نحن على مشارف سنة بعيدة عن القرن العشرين، أننا نعيش ،بالسياسة، على أقل من مستويات القرن العشرين . هل تعرف يا أبي أن الفيحاء لم تعد بمكانها و أن السودان إنقسم سودانين و أن القدافي قتل و أن السعيد يبكي و أن السياسة هجرت فرنسا و عوضتها المظاهرات ،و أن انكلترا تعاني و أن ظابط مخابرات روسي يحكم بلاده و أن قرية بالنرويج تمنع موتاها الدفن بها و أن تركيا كانت تسرق بترول سوريا ،و تسرق قطن سوريا ليلا لتبيعه نهارا و أن بها حاكما يفعل كل شيء ليعيش الأتراك أحسن مما كانوا عليه. هل تعلم يا أبي أن الملك محمد السادس زار سي عبد الرحمن اليوسفي بالمستشفى يوم كان مريضا و أنه قبل رأسه و أن الجزائر ما زالت على “مواقفها” و أن عبد العزيز بوتفليقة سيتقدم لإنتخابات رئاسية أخرى و أن عبد العزيز البوليساريو مات و أن بن سعيد آيت إيدر مازال على قيد الحياة . هل تعلم يا أبي أن المسرح يعاني و الغناء يعاني و الشعر يعاني و المعاناة تعاني هي أيضا….! هل تعرف يا أبي أن لا هم للناس إلا الدنيا و هل تعرف أني تذكرت يوم سألتني عن النبي يوسف و أجبتك بأنه نبي ابن نبي حفيد نبي و أن إخوته رموه في بئر ،و قلت إن في ذلك عبرة لمن يعتبر. هل تعلم يا أبي أن أمريكا يحكمها رجل يقال عنه أنه أحمق و ما هو بالأحمق…. هل تعلم يا أبي أن الإرهاب يضرب كل العالم و أن تسونامي ضرب إندونيسيا. هل تعلم يا أبي أن جزيرة كمتشاتكا مازالت حيث هي و أن أمي ماتت بعد معاناة مع المرض و أن النساء السعوديات سمح لهن بسياقة السيارات . هل تعلم يا أبي أن الطريق السيار وصل آسفي ليربطها بالجديدة و البيضاء و حتى طنجة و وجدة ،و هل تعلم أن بالمغرب قطار فائق السرعة من تلك القطارات الجميلة التي تجوب فرنسا . هل تعلم يا أبي أن عندنا فايسبوك و واتساب و أنه بإمكانك كتابة كل ما تريد ليقرأه من تريد و من لا تريد. هل تعلم يا أبي أن لي بنتين ،واحدة تعشق اللغة العربية و تتكلم التركية و أخرى تمنيت لو أنك كنت بيننا لتحبها، و أن زوجتي إمرأة طيبة. هل تعلم يا أبي أني لم اتغير رغم مداهمة الزمن لي ،و أني، رغم كل شيء ،بقيت كما عرفتني و أني ما زلت أحب القراءة و أني أحترم أصدقائك و أحييهم كلما التقيتهم و أني ما زلت أحترم رجال التعليم ،كما كنت…. هل تعرف يا أبي أني أعرف بأنك كنت تعرف……الكثير من الأشياء و أنك كنت تتحاشى إظهار ذلك لئلا تزعج من حولك. رحمك الله رحمة واسعة كم كنت أعرف أنك كنت محسنا مؤمنا صبورا طيبا .