"منذ الاستقلال، وباستثناء فترات ضوء قليلة، ضلت الساحة السياسية رتيبة، منضبطة وبدون روح إلى أن سطع نجم حزب العدالة والتنمية أو على وجه التحديد عبد الإله ابن كيران. بدخوله لمعترك السياسة، سرق عبد الاله الكلام والأضواء من الجميع واقتحم قلاعاً وحصوناً لم يجرء على الاقتراب منها أحد". لعل الذاكرة الجمعية للمغاربة ستحتفظ باسم عبد الإله ابن كيران لمدة طويلة، وستقر له، إنْ لم يكن بالتميز فعلى الأقل لن يجادل أحدٌ في كون الرجل مخلوقاً سياسياً استثنائياً. هذا الإستثناء زاد من لمعانه فراغ الحقل السياسي من أي منافسة يمكنها مواجهة الاكتساح الشعبي "البنكيراني"وذلك بسبب التجريف المُمَنهج الذي عرفته الساحة السياسية حتى أصبحت هذه الأخيرة كيانات فارغة لا تملك قرارها بل انحصرت أهدافها في أدوار وظيفية مقابل منافع شخصية أو عائلية ضيقة لا تلقي بالاً لمصلحة الوطن. ولد عبد الإله ابن كيران ذي الأصول الفاسية بحي العكاري بالرباط سنة 1954، متزوج وأب لستة أولاد ، حاصل على الإجازة في العلوم الفيزيائية سنة 1979، وأستاذ في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط إلى غاية 1988ثم مشرف على مدرستين للتعليم الخصوصي. في بداية تعاطيه مع السياسة، تعاطف الأستاذ عبد الإله ابن كيران مع تنظيمات يسارية منها حركة 23 مارس كما اقترب من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الاشتراكي في نفس الوقت تقريبا الذي كان يتردد فيه علي حزب الاستقلال. انخرط عبد الإله ابن كيران، الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية، في بداية اهتمامه بالعمل الجمعوي بالشبيبة المدرسية ثم الشبيبة الاتحادية إلى غاية 1975 وبعدها عضوا بالشبيبة الإسلامية من 1976 إلى غاية 1981. انتخب عضوا بالأمانة العامة لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (العدالة والتنمية لاحقا) منذ مؤتمرها الاستثنائي في 2 يونيو 1996 ثم بعدها نائبا برلمانيا عن دائرة المزرعة بسلا ثم عن مدينة سلا منذ 1999 إلى غاية 2016. يجمع المحللون السياسيون على أن عبد الإله ابن كيران يتوفر على كاريزما غير مسبوقة ناتجة عن حضور قوي ودائم في المشهد السياسي وعن بلاغة آسِرة تأخذ معها المواطنين شهوداً ورهائن في نفس الآن. عبد الإله ابن كيران أعطى للمغاربة الانطباع بان رئاسة الحكومة يمكن أن تكون مؤسسة للقرب كما أن رئيسها لا يعدو أن يكون شخصية عادية تشبه جميع المغاربة بما يقتضيه ذلك من عفوية أحياناً وتهور ومغامرة أحايين أخرى. يقول أحد الفاعلين السياسيين اليساريين أنه في إطار التدافع السياسي، وبالنظر لجرأة ابن كيران الفريدة في طرح الإشكالات الجوهرية والحقيقية، تجاوز هذا الأخير العديد من الخطوط الحمراء إلى الحد الذي لم يعد معه النظام السياسي المغربي قادراً على تحمله أو التعايش معه.كما أن شخصية ابن كيران المثيرة للجدل والصدامية خلال فترة ولايته على رأس الحكومة أعادت الحياة للسياسة وصالحت المواطنين مع الشأن العام كما كشفت في نفس الوقت ضيق صدر السلطة غير المنتخبة والمجمعات الاقتصادية التي تحارب بشراسة على مصالحها. بخصوص الحركة الإسلامية، يرى عبد الإله ابن كيران أن مُهمتها يجب ألا تتجاوز المشاركة في إقامة الدين دون السعي إلى الوصول إلى السلطة، كما يعتقد أنّ النظام الملكي هو الضامن لوحدة التراب المغربي وأن إمارة المؤمنين تقي الدولة من أي انحراف أو سقوط في براثن الأطروحات العلمانية الداعية للتخلص من أي مرجعية دينية. إعفاء الأستاذ عبد الإله ابن كيران من مهمة تشكيل الحكومة لم يكن بسبب فشله، بل الحقيقة هي أنه تم إفشاله لكل الاعتبارات السالفة الذكر للحد من هيمنته وهيمنة حزبه على المشهد السياسي، الشيء الذي بات يهدد التوازنات السياسية المعتمدة حسب زعم الدولة. سيحتفظ التاريخ للأستاذ عبد الإله ابن كيران أنه آثر الأخلاق والمبادئ على الانتهازية وآثر احترام إرادة الناخبين على الانبطاح للإبتزاز، كما آثر الحفاظ على استقلالية قرار الحزب على جاذبية وإغراء المناصب والامتيازات، وقديماً قالوا لقد أدل الحرص أعناق الرجال. انتهى الكلام