«حاذري، ستقعين في دار خالتي حليمة” جملة سترن في اذني كلما استحضرت مدينة مطماطة القديمة، فهل يمكن ان نتصور ان هناك منازل محفورة تحت الأرض، في مطماطة حين ترمي بنظرك بعيدا لن تجد ما يدل على وجود منازل. فقط ارض صحراوية بضع نباتات تحاول مغالبة الرمال لتزهر لا دليل على الحياة ولكن ان انزلت عينيك الى اسفل ستُذهل حقا، منازل جميلة محفورة في الارض بيوت تحت الارض ابوابها جميلة تتوسطها عادة شجرة عنب او توت لتدل ان هناك منزل، في مطماطة ان مشيت ليلا قد تسقط في بهو أحد المنازل ان لم يصطحبك ابن المنطقة في جولة. عند وصولك الي مدينة مطماطة لا ترى أمامك إلا التلال والسهول والوديان الجرداء التي تشبه تضاريس القمر، لا أثر فيها لحياة، ثم سرعان ما تكتشف أن كل شيء موجود في حفر ضخمة غائرة تحت سطح الأرض، قرية كاملة تحيا داخل باطن الصخور الرملية والوديان السحيقة ، كل حفرة أو بالاصح كل منزل مكون من باحة رئيسية تزينها الرسوم المزخرفة، وتتفرع منها حفر أخرى هي بقية غرف المنزل، تلك هي مطماطة القديمة. مطماطة التاريخ…متجذرة في الشموخ مطماطة قرية بربرية واسمها الأمازيغي «أثوب» وهي كلمة تعني أرض السعادة والهناء ، و قيل أنّها سميت مدينة مطماطة على اسم قبيلة أمازيغية قديمة، لم تستطع أن تقاوم جحافل بني هلال، ولم تستطع التأقلم معهم، هاجر أهلها إلى هذه المنطقة الوعرة، وحفروا بيوتهم في باطنها حتى لا يراهم أحد، وحتى يتأقلموا مع المناخ، فباطن هذه الحفر كان دوما رطبا في الصيف، ودافئا في الشتاء، ومن المؤكد أنه كان رحيمًا بهم أكثر من الآخرين. وقد اكتسبت مطماطة شهرتها العالمية من خلال فيلم حرب النجوم, الذي صوّر في بيوتها الغريبة عام 1970, وبدت بيوتها على الشاشة مثل أصداء كوكب خيالي لم يوجد أبدا. عن مطماطة كتبت ماغي شما «لا يُمكنكِ أن تتخيّلي وجود حياة بشريّة في هذه المدينة المحفورة في باطن الأرض! فعند وصولكِ إلى هذا المكان الغريب، ينتابكِ شعور بالدّهشة، إذ تعتقدين أنّ المكان خالٍ من الحياة، خصوصاً أنّ التّلال الجرداء والسّهول والجبال تُحيط بالمدينة. ثمّ، تكتشفين سريعاً حفراً في باطن الصّخور الرّملية، عبارة عن منازل ذات باحات رئيسة تتفرّع عنها باقي غرف المنزل» فمطماطة تسحر الزائر وتدفعه للتجول في كل جزئياتها. مَطْمَاطَة قرية في الجنوب الشرقي التونسي. تقع جنوب غرب مدينة قابس، وهي تابعة لولاية قابس. الهياكل النموذجية للقرية يتم بناؤها عبر حفر حفرة كبيرة في الأرض. وحول محيط هذه الحفرة توجد كهوف محفورة لاستخدامها كغرف، وكذلك توجد بعض المنازل التي تضم حفرا متعددة ويربط بينها خندق أو ممر تحت الأرض. هذا النوع من المنازل أصبح شهيرا لأنه كان موقع منزل عائلة «لارس: لوك سكاي والكر»، وعمته «بيرو لارس» وعمه «أوين لارس» في سلسلة أفلام حرب النجوم. منزل عائلة «لارس» كان في الواقع نزل سيدي إدريس، الذي يوفر منازل تقليدية أمازيغية.، النزل يفتح ابوابه لكل الزوار لمشاهدة ديكور فيلم «حرب النجوم» الذي مازال قائما الى اليوم، باب اصفر كبير ثم مدخل مظلم وهواء ينعش روح الزائر الى اليمين توجد قاعة صغيرة او غار صغير فرش بالمرقوم والزربية بضعة ابواب ليجد الزائر نفسه في بطحاء تتوسطها شجرة تين وديكور حرب النجوم انتشر في أعلى الحائط الترابي وبقية الغرف. وجاء في بعض المدونات انه أثناء قصف الحلفاء لمدينة قابس التابعة للنازيين، فرت العديد من العائلات القابسية ولجأت إلى المساكن التقليدية في مطماطة. كما كانت مطماطة معقل الفلاقة الذين حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي تحت قيادة محمد الدغباجي، وكان العديد من زملائه من سكان مطماطة. ثم بعد الاستقلال في 1956، أعلنت الحكومة بأنها ستحاول نقل سكان الجبال إلى المدن الجديدة الواقعة على هضبة مثل مطماطة الجديدة والزراوة الجديدة و بني عيسى الجديدة، ولكن غالبية السكان فضلوا الاحتفاظ بمنازلهم بالقرب من حدائقهم التي تطفو في الجبال.. تختلف بيوت قرية مطماطة التونسية عن باقي البيوت في القرى العربية الأخرى بامتلاكها لساحة أمامية تؤدي إلى العديد من الغرف. إلا أن الغريب في هذه القرية التونسية هو ان جميع بيوتها محفورة في الأرض فعند الوصول إليها لا تواجهك إلا التلال الجرداء التي تشبه تضاريس وجه القمر. وكل شيء في هذه القرية موجود في حفرة غائرة تحت الأرض، قرية كاملة تعيش في باطن الصخور الرملية، فكل حفرة أو منزل مكون من باحة منزل رئيسية تزينها الرسوم، وتتفرع عنها حفر أخرى هي بقية غرف المنزل. يوجد في مدينة مطماطة قلعة قصر جمعة الشامخة والتي تطل على المنطقة الداخلية للمدينة تتبعها الانحدارات الصخرية القاحلة ومن فوقها الشمس الحارقة. في مدينة مطماطة تعتبر الحفر والفتحات الأرضية الموغلة بعمق داخل الجبال مأوى آخر للسكان الأصليين ضد المعتدين. عربي أو بربري، دمنا واحد لأجل تونس بعد الخروج من نزل سيدي ادريس تشد الزائر العلم الوطني يرفرف وكأنه ينادي المارة باكتشاف ما تحته للزائر ان يسال لم يوضع العلم على الارض وليس فوق احدى البنايات، طريق مختصرة تدفعك حتما لتزور المكان وتكتشف ما يخبئه العلم، بضعة امتار لتجدك امام كتابة يدوية «متحف العادات»، او «دار خديجة»، تنظر الى الاسفل فترى خمسة غرف وبهو فسيح، المنزل مقسم الى جزئين علوي وسفلي، فكيف حفر، كيف صممت الدار من قام بحفرها، كم عمرها كلها اسئلة تخامر الذهن وأنت تتدحرج من اعلى الربوة لاكتشاف المتحف. في المدخل جلس «عم علي» صاحب المتحف يحيى الزوار ويستقبلهم بفرحة طفل صغير ويحيى الكل بالقول «الدار داركم، شاهدوا محتوياتها والتقطوا صورا تبقى ذكرى لابنائكم»، وعن المتحف اخبرنا «هو دار احد السكان اشتريته ليصبح متحفا يخلد تاريخ الأجداد هي مساهمة بسيطة من ابن الجهة في اثراء المخزون الثقافي والحضاري لقريتي الصغيرة» . بهو طويل بضع اعمدة تسلقها بعض الأطفال واحد اثنتان خمس عشرة هي عدد الخطوات التي توصل الزائر الى اولى الغرف، غرفة مربعة علقت فيها بعض الوثائق التاريخية كتبت بالفرنسية والاسبانية حول تاريخ البربر في تونس، الغرفة فرشت بالمنسوجات التقليدية للجهة المرقوم بألوانه الزاهية وعلى الحائط علقت بعض الادوات التي يستعملها المطماطي في حياته اليومية من «القرداش» و»الرفش» و»مصيدة الذئاب»، اشعة الشمس لا تصل الى الغرفة ولكنها غير رطبة اذ توجد كوة صغيرة اعلى الغرفة تفتح صيفا وتغلق شتاء، الغرفة الثانية هي «غرفة النوم» عادة ما تخصص للمراة : في الداخل «السدة» (سرير مبني في الحائط)، مفروشة بجلود الماعز بعد صباغتها تقليديا وخزانة قديمة فيها بضعة ملابس للنسوة، بالإضافة الى المكحلة التقليدية وبضعة عطور طبيعية كانت تتعطر بها صاحبة المنزل والمرأة الامازيغية في مطماطة والمرآة المعلقة يمين الباب. الغرفة الثالثة تتوسطها الرحى، الالة الغريبة فهي ليست مجرد اداة لرحي الحبوب بل هي حاملة شكوى المراة وخليلتها للرحى كانت المراة تحكي همومها وتذيبها بين يديها كما تذوب حبات القمح بين فردتي الرحى، ولفردات الرحى قصة مع المراة فلها تحكي ما يخالجها كما تقول كلمات احدى اغاني الجنوب «فردات الرحى» التي تبين علاقة بالمراة بالرحى: « طقات فردات الرحى في الليل، وين القمر فوق المقادم صبة، صحى الي جرحه نقض في الليل يفهم غناء مولاتها صبة، تمت تنادي فيه ولا في قدم تنده على الي ما يشيلو هم، وتمت تشاكي في الرحى عاد الرحى تشكي، وغنت غنت بدل تشكي» . الى جانب الرحى توجد «السداية» او المنسج بخيوطها الرقيقة، ثم مجسم عن العرس التقليدي البربري، اين تحضر الالوان الزاهية وتدخل عبرها الذاكرة الى سنوات خلت حين كان الفرسان شاهرين اسلحتهم في وجه الغزاة وحين كانت النسوة جزءا لا يتجزأ من حركة التحرير فهن امهات الابطال وهن حاملات السلاح، هن رفيقات الرجال في الكفاح، فالمرأة البدوية او الريفية جزء لا يتجزأ من الحركة الاقتصادية والاجتماعية والنضالية. اما الغرفة الرابعة فيمكن ان نسميها غرفة التاريخ، زينت بصور الزعيم الحبيب بورقيبة وعدد من رجال الحركة الوطنية وصور لمناشير قديمة غرفة نكتشف معها ان عشق التونسي لوطنه لا تدخل فيه الانتماءات او الاصل والعرق فتونس وطن الكل عرب وبربر كلاهما سقى ترابها بدمه، الزعيم يتوسط الغرفة الي يمينه محمود الماطري والى يساره زعيم الشعب فرحات حشاد، غرفة صغيرة مليئة بصور من فدوا الوطن الصغير بدمائهم الزكية. ونحن نغادر متحف دار خديجة كان عم علي صاحب المتحف يستقبل عددا من الاجانب يخاطبهم بفرنسية سلسة يرحب بضيوف «الامازيغ» داعيا اياهم لشرب مياه البئر فهي تروي ظمأ السنين كما قال. منازلهم مفتوحة للزوار منازل بسيطة التكوين جميلة من الداخل باردة رغم حرارة الطقس زينتها بسيطة بساطة وطيبة أهلها في مطماطة يمكن للزائر دخول اي بيت يعترضه من المنازل المحفورة تحت الأرض منازلهم مفتوحة للزوار فقط تدق الباب وتطلب منهم زيارة المكان لاكتشاف خباياه وجزئياته، من متحف دار خديجة كانت الوجهة الى دار «خالتي حليمة» غير البعيد، عجوز ربما هي في الثمانين تركت السنون بصماتها على وجها وشمها لا يزال نضرا رغم السنين، بابتسامة تستقبل الزائر وتدعوه ان يجلس حذوها تحدثه عن السنين الخوالي وتحدثه عن ميزة الدار وزينتها، في بيتها تحتفظ بزينة جدتها واثاثهم القديم ولا تزال مصرة على البقاء في منزلها «الحفرة تحت الأرض على المغادرة الى منزل عصري. عن مطماطة كتبت هند دلالي في الامة العربية عام 2009، «فعندما وصلنا إلى مطماطة فاجأتنا جبال بين الربى المخروطية والوهاد الضيقة ومسطحات صخرية تنمو فيها بعض أشجار التين والزيتون بالقرب من البيوت المطماطية ولا تواجهنا إلا التلال الجرداء، فلا أثر للحياة، ثم نكتشف أن كل شيء موجود في حفر غائرة تحت الأرض. مدينة غريبة التصميم، كل بيوتها مقامة في العديد من الأمتار تحت الأرض لتفتح كل واحدة على فضاء خاص. قرية كاملة تعيش في باطن الصخور الرملية، كل حفرة أو منزل مكون من باحة منزل رئيسية تزينها الرسوم وتتفرع عنها حفر أخرى هي بقية غرف المنزل» جميلة هي مطماطة القديمة بكل جزئياتها وتفاصيلها، ساحرة بمنازلها التي تحت الارض جميلة هي برعشة من استفاق من صدمة حين يوشك على الوقوع داخل الحفر والأجمل صورتها من فوق الجبل فحين تصعد الجبل الموجود خلف مركز الامن السياحي ترى العلم الوطني يرفرف في كل ركن تقابلك المساجد شامخة وصوت الاذان يخرج المدينة من صمتها، تقابلك بطحاء او ساحة المهرجان ببناءاتها العصرية، وتمزرط في الجبل المقابل. والمضحك انه حين تصعد الجبل تشاهد بعض الخرفان ترتع فوق سطوح المنازل صورة تبدو مضحكة للزوار ولكنها مألوفة لأهل الدار فالخرفان يرعون فوق سطح الارض ، وذلك هو الطبيعي اما المنازل تحت الارض فذاك منظر غير مالوف. جميلة هي مطماطة ولكنها تستحق التفاتة من وزارتي السياحة والثقافة فهناك الكثير من المنازل المحفورة تحت الارض اصبحت مهجورة وعششت فيها بعض الحيوانات وسكنتها الفضلات فلم لا تتدخل الوزارتان او السلط المحلية وتحول بعض هذه الدور الى مكتبة او متحف يوثق لتاريخ الجهة وتاريخ ابنائها الذين كانوا جزءا من تاريخ تونس؟.