أكد محمد بودن، اكاديمي ومحلل سياسي، أن الموقف المغربي من الأزمة الروسية – الأوكرانية يمثل مزيجا من الوعي الحاد بضرورة ابراز افضلية السلام على حساب الخيارات الأخرى، وعلى رأسها استخدام القوة، كما يمثل كذلك تعبيرا عن مقاربة مبنية على الشرعية و المبدئية بخصوص الوحدة الترابية و الوطنية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة كصمام أمان. وأضاف رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، في حديث لصحيفة Rue20 الإلكترونية، ان تعامل الدبلوماسية المغربية مع الأزمات و التحديات أثبت وجاهته في اكثر من مناسبة وتأكد بالملموس أنه تعامل متحرر من اختلاط المفاهيم واهتزاز القناعات، و يتصرف مع العالم كما هو، وليس كما يتمنى ان يكون. ومن هذا المنطلق، يقول بودن، يمكن ابراز الرسائل الدقيقة لبلاغ وزارة الخارجية المغربية الذي لم يتجاوز عدد كلماته 48 كلمة. وتتمثل الرسائل الدقيقة للموقف المغربي، بحسب المحلل السياسي في: اولا : الموقف المغربي ليس ظرفيا و لا يندرج في اطار سباق الإعلان عن المواقف، بل انه موقف الأمس و اليوم و الغد بخصوص الوحدة الترابية والوطنية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، وينسجم تماما مع قناعات المغرب الوجودية بخصوص وحدته الترابية. ثانيا : المملكة المغربية دولة مسؤولة و تنطلق من السلام كقاعدة كونية ينبغي ان تحتكم اليها الدول و الأمم لأنها الوسيلة الأكثر فعالية لوضع حد للنزاعات و حلها، وقد كرست المملكة المغربية طاقاتها من أجل الحلول السلمية و الصيغ التي لا تتجاهل وحدة البلدان الأعضاء بالأممالمتحدة و أمن شعوبها. ولهذا فالتزام المملكة المغربية بدعم السلام و مبادئ القانون الدولي ليس بحاجة الى المزيد من التأكيد. ثالثا : المملكة المغربية لها من الخبرة الواسعة و المهارة الدبلوماسية ما يؤهلها لتقدير الأمور حق قدرها، فقناعات المملكة المغربية واضحة والمسار الذي تتجه فيه علاقاتها الدولية مطبوع بالدينامية والأهداف الكبرى للسياسة الخارجية المغربية تتجلى أساسا في الوحدة الترابية و الوطنية والمصالح الاستراتيجية للمغرب مع شركائه و استثمار الفرص ومواجهة التحديات في مختلف الميادين السيادية وهذه أهداف نهائية بالنسبة للمغرب. رابعا : موقف متوازن ورزين يكرس قناعة دائمة للمغرب مفادها أن أي معطى يسبب عدم الاستقرار يمثل مصدر قلق. ويؤكد بودن " أفترض أن المملكة المغربية لها تحفظات أولية لكن ترى أن لا فائدة من القول لطرف ما هذا صحيح و للطرف الأخر هذا خطأ ولكن القضية الرئيسية للمملكة المغربية في تقديري تتمثل أساسا في الدفاع عن مبدأ مساواة الدول َ في السيادة كمبدأ منصوص عليه في ميثاق الأممالمتحدة و الحفاظ على الوحدة الترابية و الوطنية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة و مصلحتها الكبيرة في السلام وما تمثله القوة من انتهاك للاتفاقيات الدولية و القيود القانونية التي وضعها المجتمع الدولي على استخدام القوة وقد تم تسليط الضوء بوضوح عن المسألتين في البلاغ وهنا يمكن الحديث عن الواقعية المغربية في المجال الدبلوماسي". خامسا : المملكة المغربية بلد محترم وذو مصداقية واسعة في العالم بفضل جلالة الملك محمد السادس و أسلافه ومكانته المحورية في فضائه الأورو – افريقي و تاريخه العريق ومواقفه المتأصلة وهذا برز بشكل واضح في لقاءات قادة القوى الدولية و الاقليمية بجلالة الملك محمد السادس في مناسبات عديدة، ومن هذا المنطلق فالمغرب يواصل اداء دوره الايجابي بالحس الدبلوماسي المطلوب و لا أعتقد ان هناك سببا يستوجب تعديلا في هذا التوجه الاستراتيجي. سادسا : بلاغ وزارة الخارجية تضمن رسائل لأكثر من جهة في فضاءات جيوسياسية متعددة، كما أن المملكة المغربية تدرك أن متغيرات العلاقات الدولية لن تتوقف، و اللقاء بين الروس والأوكرانيين حدث من قبل و قد يحدث في المستقبل و هو جزء من الجوار و التاريخ لكن الدبلوماسية المغربية ليست من أنصار مقولة " لا تقل شيئا لا تفعل شيئا " لأنها تتحدث دائما ببصيرة وهدوء حتى تعرف مختلف الأطراف موقفها بأسلوب يلائم المصالح الوطنية. ودخلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، اليوم الثلاثاء، يومها السادس، وسط حديث عن تعبئة قوات روسية جديدة في الطريق إلى كييف بالموازاة مع انطلاق المسلسل السياسي لوقف الحرب. وكانت المملكة المغربية أكدت أنها تتابع بقلق تطورات الوضع بين فيدرالية روسياوأوكرانيا. وذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن المملكة المغربية تجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة.