وأخيرا أقسم السيد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران …فيا ويحكم أيها المعنيون بقسمه. “ستُقسم” ظهوركم ، وتُصادر منكم أقسَامُكم ،وتسحب قسيمة الاشتراك منكم إلى الأبد، وتقسمون المواطنين إلى قسمين ..وهي قسمة ضيزى: قسم يناصرون رجال الأمن ويقدرونهم ويحترمونهم. وقسم يتعاطفون مع أساتذة الغد ويتضامنون معهم ويرون دماءهم حراما أن تسيل في دولة الحق والمؤسسات بعيدا عن التماسيح وبتقي الكائنات. أخطأ من قال : إن السياسة هي فن الممكن .. بل السياسة “قَسَمٌ” ، فالساسة المخضرمون حين يريدون لأمر حلا أو لمعضلة مخرجا أو لقضية متنفسا..فإنهم يُقسمون..وفي قسمهم معاني الشدة والحزم والبصيرة والمطلق. لأنهم يعرفون والمتظاهرون لا يعرفون ، وهم بلغوا مرحلة اليقين وأساتذة الغد مازالوا عن الغد يبحثون. حَلفَ السيد رئيس الحكومة وهو الذي لم يُستحلفْ ، ولم يَطلبْ منه حلفه أن يحلف. ولا تحالفه الحكومي يؤمن أصلا بالحلف والقسم. ولكن حلف اليمين ، مع أمناء اليمين و وسط الوسط ويسار اليسار ، امتياز لا يقدر عليه إلا أولو العزم من الساسة الذين يوفون بوعودهم الانتخابية ويلتزمون ببرامجهم السياسية ويزدادون مع الأيام حنكة و”تحنكا”… !!!! من منا لا يذكر شعارات النضال الجامعي الخالدة ، حين كان الطلبة يستبسلون في نضالاتهم المصيرية ؟ وفجأة ينطلق ذلك الشعار “القسمي” ؟: أقسمت وإني منتظر *** أن الإطار سينتصرُ وكان للقسم مفعوله السحري ، حيث يزداد الحماس وتتكاثف التصفيقات وتُرعبُ إدارة الجامعة : فمن يصمد أمام القَسَم ينطق به مناضلون في الحرم الجامعي وهم يقاومون صلف العميد وتسلط القيدوم وتجبر الكاتب العام ؟.إذا كان قسَمُ الطلبة مخيفا لهذا الحد فكيف بقسَم السيد رئيس الحكومة ؟ إن السيد رئيس الحكومة ، وهو يُقسم قسما حكوميا ، يريد أن يبرهن للجميع أنه مناضل وسيواصل نضالاته بالكلام..فالنضال كلمة. لقد نقل نضالاته إلى كل موقع حل به ، ولا فرق في نضالاته بين الداخل والخارج، فهو يناضل معارضا ويناضل “مساندا نقديا” ويناضل يمينا ويناضل يسارا ووسطا ..ويناضل ضد الكائنات المرئية وتلك التي لا تُرى ..وضد من يريدون وقف زحفه، وضد من يشوشون عليه من داخل حلفه..ويناضل في المعارضة وعلى رأس السلطة التنفيذية ، ويصدر قرارات ضد الطبقة العاملة ويخرج في فاتح ماي مناضلا ضد قراراته ومنتصرا للعمال الذين قد يشكون في نضاله… والخلاصة إن النضال في النهاية قسم ..ولذلك أقسم ..ومن أقسم فإما أن ينتصر وإما أن يندم. أقسم السيد الرئيس أن لا يسقط المرسومان … قد تسقط حكومة كاملة جاءت للإصلاح وتحقيق حلم المغاربة في العيش الكريم والعدالة والحرية والكرامة ولكن لن يسقط المرسومان. فهو قسم واضح لا يختلف حوله إثنان ولا ينتطح فيه عنزان. ولا يهم أن يسقط التعليم للحضيض ، ولا يهم أن تسقط الصحة ، وأن يسقط الحلم ، وأن تتساقط الوعود الكاذبة ..المهم أن لا يسقط المرسومان. إن الشعب الذي طالما انتظر سقوط الفساد والاستبداد أصبح اليوم أمام قسم غليظ، كي لا يسقط فقط مرسومان يفصلان التكوين عن التوظيف ، ويقلصان المنحة إلى النصف، ولكن كان لهما الفضل في أن يُصبح القسم ممارسة سياسية وسبيلا قانونية كي تتنزل القرارات وتنجز الوعود وتنفذ السياسات. نحن إذا أمام سياسة جديدة هي سياسة القسم . أي لإمضاء قرارات أو تحقيق إنجازات ، لا بد من قسم ينطق به السيد رئيس الحكومة، وقد يحذو حذوه وزراء آخرون في قطاعاتهم، علما أن بعض القطاعات قد لا يكون للقسم فيها تأثير . ورغم أن الأعراف السياسية بالمغرب وبنود الدستور الجديد ليس فيها مكان لمثل هذا القسم ، وهل هو قسم قانوني ودستوري في حد ذاته أم فقط قسم يراد به التأجيج والتأزيم وإرعاب من مازال يناضل ويرى النضال طريقا لتغيير القرار السياسي ورفع الظلم وتحقيق المطالب ..رغم كل ما ذكر فإن هذه سابقة يمكن في جميع الأحوال أن تكون مفيدة وذات مردود سياسي كبير.. فإما أن يبر السيد الرئيس بقسمه ، فلا يسقط المرسومان ، ولا يحقق الأساتذة المتدربون شيئا من مطالبهم رغم أن دماء بعضهم سالت،ورغم عدالة قضيتهم في كثير من وجوهها . وهنا نكون أمام انتصار لسياسة القسم . فنطلب من السيد رئيس الحكومة أن يُقسم أيضا كي يتطور تعليمنا وتتحسن صحتنا ويتعافى ويزدهر اقتصادنا وتنخفض مديونيتنا وتُصانَ حرياتُنا وحقوقنا…وباختصار أن يصبح بلدنا المغرب في مصاف الدول المتقدمة..وأظن أن السيد رئيس الحكومة لن يبخل بقسمه كي يتحقق كل ما سبق. وإما أن يحنث السيد رئيس الحكومة في قسمه، وهذا وارد أيضا، لأن مصالح وأمن البلد فوق قسم من يُقسم جادا أو غير جاد. وهنا نكون أمام شيء من الواقعية السياسية وشيء من “المعقول” والجدية في التعاطي مع الشأن العام بعيدا عن إقحام ما لا يُقحم في السياسة وتسيير الشأن العام. فالشعب المغربي يريد حلولا لمشاكله الواقعية لا أيمانا غليظة لا تعني له شيئا ، بل هي أقرب للثيوقراطية. إذا تحقق الأمر الثاني ، فعلى العقلاء أن يٌطالبوا ب”كفارة” حقيقية بعيدا عن الشعبوية والمرويات النكوصية ، ألا وهي وقف كل هذا العبث الحاصل اليوم في السياسة … إنه يضر ولا ينفع.. فهل إلى الخلاص من سبيل ؟؟ لحسن عدنان [email protected]