بدأت حدة تفشي فيروس كورونا في الصين تشهد منحى تراجعيا ملحوظا في الأيام الأخيرة نتيجة التدابير الصارمة التي اتخذتها السلطات لمحاصرة انتقال العدوى بين سكانها البالغ عددهم حوالي 1,4 مليار نسمة، فيما تصاعد انتشار الفيروس بوتيرة سريعة في بلدان أخرى بآسيا وأوروبا. وفي الوقت الذي خلف تراجع الإصابات في الصين نوعا من الارتياح لدى منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي ككل، فإن انتشار الفيروس في 28 دولة عبر العالم، وارتفاع حالات الإصابة في كوريا الجنوبيةوإيرانوإيطاليا وتسجيل إصابات لأول مرة في بلدان أخرى، يثير مخاوف متزايدة من تفشي الفيروس على نطاق واسع، والذي بلغت حصيلته خارج الصين 2074 إصابة و23 وفاة. وسجلت الصين، التي ظهر فيها الوباء لأول مرة في أواخر دجنبر الماضي، 71 حالة وفاة جديدة، و508 حالات إصابة مؤكدة إضافية بالفيروس خلال الساعات ال24 الماضية، وذلك في أدنى حصيلة وفيات يومية تسجلها الصين منذ أكثر من أسبوعين، في مؤشر واضح على تراجع حدة الداء. ولليوم السابع على التوالي تجاوز عدد المتعافين الجدد من الفيروس بالصين عدد الإصابات المؤكدة الجديدة، حيث أظهرت أرقام رسمية أن 2589 شخصا خرجوا من المستشفيات بعد تعافيهم يوم الاثنين، وهو أعلى بكثير من عدد المصابين الجدد الذين تم تأكيد إصابتهم في اليوم ذاته، والذي بلغ 508 أشخاص. واستقر بذلك إجمالي عدد الوفيات جراء الإصابة بالوباء في الصين القارية عند 2663 وفاة، و77658 حالة إصابة إلى حدود الاثنين. فيما أصبحت كوريا الجنوبية، البلد الآسيوي الجار، ثاني أكبر بؤرة للوباء بعد الصين، حيث شهدت وتيرة متسارعة في عدد الإصابات وصلت إلى ثكنات جيشها بعد تسجيل إصابات بين جنودها، على الرغم من الإجراءات الوقائية التي اتخذتها سيول، مما أجبرها على تعليق جلستها البرلمانية أمس الاثنين وتعليق الدوري المحلي لكرة القدم. وتصاعدت حصيلة الإصابات بهذا البلد إلى 893 حالة بعدما سجلت 60 إصابة جديدة، اليوم الثلاثاء، فيما ارتفع إلى ثمانية عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس بعدما توفي مريض واحد خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. كما اضطرت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية إلى عزل حوالي 7700 من جنودها في الثكنات بعد أن تم تأكيد إصابة 13 جنديا بفيروس كورونا حتى اليوم الثلاثاء، في مسعى لكبح تفشي الفيروس بين جنودها. ولم تسلم القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة في هذا البلد من الداء، حيث أعلنت قيادة هذه القوات، أمس الاثنين، عن تسجيل إصابة أحد أفراد عائلة جندي تابع للقوة الأمريكية، يعيش في مدينة “دايغو” جنوب شرق البلاد. ونتيجة لذلك، رفعت القوات العسكرية الأمريكية في كوريا الجنوبية مستوى الخطر للجنود والمرافق إلى المستوى “المرتفع” بدلا من “المتوسط”. وفرض تطور الوضع على وزيري الدفاع الأميركي والكوري الجنوبي، إلى إعلان في ختام اجتماع في واشنطن، أمس الإثنين، أن البلدين يعتزمان تقليص تمرين عسكري مشترك مقرر في الربيع وذلك بسبب المخاوف الناجمة عن تفشي فيروس كورونا. وفي إيطاليا، البلد الأوروبي الأكثر تضررا بالوباء، والذي يشهد حالة تعبئة وذهول وسط سكانه عقب الانتشار المفاجئ للفيروس، بلغ عدد المتوفين جراء الإصابة بالفيروس 7 أشخاص، فيما تجاوزت حالات الإصابات المؤكدة 200 حالة، ما دفع السلطات إلى عزل بلدات في شمال البلاد لاسيما في منطقة لومبارديا التي سجلت بها معظم الحالات، في خطوة تطال عشرات الآلاف من السكان. ودفع هذا التفشي المفاجئ للوباء في إيطاليا بمسؤولي منظمة الصحة العالمية إلى إرسال فريق من الخبراء من المتوقع أن يحل اليوم الثلاثاء لمحاولة فهم كيفية انتشار الفيروس بهذا البلد العضو الأساسي في الاتحاد الأوروبي، حيث الحدود مفتوحة أمام حركة تنقل الأفراد داخل فضاء “شنغن”، وهو ما يزيد من مخاوف الانتشار السريع للوباء في القارة. وعلى عكس إيطاليا، بقيت حالات الإصابة في باقي البلدان الأوروبية في مستوى محدود، حيث سجلت في فرنسا 12 إصابة بينها حالة وفاة أ علن عنها في 15 فبراير هي الأولى خارج آسيا، فيما سجلت 16 إصابة في ألمانيا، و13 في بريطانيا، و9 في كندا، وحالتين في إسبانيا، وحالة واحدة في كل من بلجيكا وفنلندا والسويد. وخارج القارة الأوربية سجلت بالولايات المتحدة 35 حالة إصابة، و22 حالة في أستراليا، و5 حالات في روسيا. وفي منطقة الشرق الأوسط التي ظلت بعيدة إلى حد ما عن تفشي الفيروس بها، تصدرت إيران المشهد بعد تسجيل 64 حالة إصابة و15 وفاة، وهو أكبر عدد وفيات يسجل خارج الصين، وهو ما دفع بلدان الجوار إلى إغلاق حدودها وحظر دخول الإيرانيين إلى أراضيها وتعليق الرحلات الجوية. وسجلت الامارات العربية المتحدة 13 إصابة، والكويت 5 حالات إصابة لأشخاص كانوا على متن رحلة آتية من مدينة مشهد الإيرانية، فضلا عن حالات محدودة في كل من مسقط والبحرين وقطر وسلطنة عمان والعراق ولبنان، ومصر التي كانت أعلنت عن حالة إصابة في 14 فبراير، وهي الأولى في إفريقيا، فيما لم تسجل لحد الآن أي حالة إصابة في بلدان شمال إفريقيا العربية. وفي باقي بلدان آسيا، سجلت باليابان أكثر من 130 إصابة وأربع وفيات بينها ثلاثة من السفينة السياحية “دايموند برينسس” التي فرض عليها حجر صحي مطلع فبراير بعدما تم تسجيل إصابات على متنها والتي ارتفعت لأكثر من 630 إصابة، فيما سجلت 89 حالة بسنغافورة، و37 بتايلاند، و22 بماليزيا، و16 بفيتنام، و3 بالفيليبين بينها وفاة حالة واحدة، و3 حالات بالهند، وإصابة واحدة بكل من كمبوديا والنيبال وسريلانكا. وإزاء الارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بكل من إيطالياوإيرانوكوريا الجنوبية، لم يخف المدير العام لمنظمة العالمية، تيدروس غيبريسوس، قلقه البالغ حيال هذا التطور، لافتا إلى أن الوضع أضحى يثير التساؤلات فيما إذا تحول المرض إلى وباء، في إشارة ضمنية إلى إمكانية مراجعة المنظمة لتوصيفها للوضع الصحي الناجم عن الفيروس ليصبح “وباء عالميا”. ودعا تيدروس، في تصريح صحافي أمس الاثنين في جنيف، دول العالم للقيام “بكل ما هو ممكن للاستعداد لوباء عالمي محتمل”، لكنه شدد على أن الهيئة الدولية لا تعتبر أن الوضع بلغ هذه المرحلة بعد. وبدت تأثيرات فيروس كورونا تلقي أيضا بظلالها على الاقتصاد العالمي مع تقلبات البورصات وهبوط أسواق الأسهم وأسعار النفط العالمية، فيما حذر صندق النقد الدولي من أن الوباء يشكل تهديدا للتعافي الهش للاقتصاد العالمي.