إنتهت اجتماعات الطاولة المستديرة بجنيف حول قضية الصحراء، والتي هدف المبعوث الأممي هورست كوهلر من ورائها إلى غرس الثقة بين الأطراف المتفاوضة للذهاب صوب جولة ثانية من المفاوضات ستحدد طبيعة المسار الأممي للعملية السياسية، حيث تمكن كوهلر من جمع الأطراف المعنية على طاولة واحدة لأول مرة منذ سنة 2012. ورغم قلة التصريحات بسبب التكتم الشديد الذي أحاط به هورست كولر الاجتماعات، في محاولة منه لضمان ان تسير الاجتماعات في اجواء لا يعكرها صفو تصريح من هنا او هناك قد يتسبب في نسف العملية التفاوضية، فقد تمكن كوهلر من تحقيق نقطة كسر الجليد ومرور الاجتماع في اجواء ايجابية حسب بعض المصادر، بل ممتازة على حد وصف سيدي حمدي ولد الرشيد عضو الوفد المغربي. وكان لافتا الحضور الوازن لوفود الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع والتي ترأسها وزراء خارجية البلدان الثلاثة، وإشراك المغرب لمنتخبين وممثلي الأقاليم الصحراوية، في الوقت الذي شاركت جبهة البوليساريو بوفد يقوده خطري أدوه عضو أمانة البوليساريو ورئيس برلمانها، إضافة الى حضور العنصر النسوي لأول مرة في وفدي المغرب والبوليساريو. وقد ركز جدول أعمال محادثات جنيف على عناوين تتعلق بالوضع الحالي والاندماج الإقليمي، والمراحل المقبلة للمسار السياسي بحسب الأممالمتحدة ورغم إدراك كولر لصعوبة تحقيق اختراق، بدا أنه يحاول من خلال اجتماع جنيف استشراف مواقف أطراف النزاع والتي لم تشهد أي تغيير يذكر، في ظل اصرار الجبهة على التمسك بالاستفتاء، وتشبث المغرب بمقترح "الحكم الذاتي"، كحل وحيد لهذا النزاع، وضرورة إشراك الجزائر في عملية التفاوض وهو ما ترفضه الجزائر وتصر على بقاءها في موقع المراقب شأنها شأن موريتانيا. وبدا وكأن كولر يهدف من خلال اجتماع جنيف لوضع الأطراف تحت الضغط، في ظل تأكيدات على أن هذا الاجتماع الأول بعد تعيين كوهلر لن يكون الأخير، وهو جزء من مسار سيمهد الطريق لمفاوضات جديدة، بغية ايجاد حل لهذا النزاع الذي دام اكثر من 43 سنة. وبحسب مصادر ديبلوماسية فإن المبعوث الأممي، هورست كولر، يحاول ادخال مفهوم جديد في دينامية المفاوضات قائم على اعتبار أن النزاع له تأثيره السلبي الكبير على التكامل الإقليمي بين دول المغرب العربي ويؤجل الاندماج بين بلدانه، بالإضافة الى تكلفته الباهضة امنيا وانسانيا واقتصاديا، بسبب الفشل في إيجاد تسوية للنزاع. وهو ما أشار اليه القرار 2440 الأخير الذي رحب بقرار المبعوث الشخصي عقد اجتماع مائدة مستديرة أول في جنيف لتقييم التطورات الأخيرة، و”معالجة المسائل الإقليمية” ومناقشة الخطوات التالية في العملية السياسية المتعلقة. وتزامن هذا الاجتماع مع المبادرات والدعوات الأخيرة التي عرفتها المنطقة المغاربية من خلال دعوة الملك محمد السادس الجزائر لفتح حوار مباشر لحل الخلافات القائمة بين البلدين ومبادرة الجزائر بالدعوة لعقد اجتماع لوزراء خارجية دول المغرب العربي، واعلان موريتانيا استعدادها لاستضافة هذا الاجتماع. وسيعمل كوهلر على الاستفادة من الزخم الكبير الذي خلفته هذه المبادرات من خلال اقناع الدول المجاورة بتقديم المساعدة في مساعيه لإعادة بعث المفاوضات، وذلك لإدراكه لأهمية الأدوار التي لعبتها ولا زالت تلعبها كل من الجزائروموريتانيا في نزاع الصحراء. ويرى الكثير من المراقبين أن هورست كوهلر يعول على الضغوط الدولية المتزايدة خاصة الأمريكية لدفع الأطراف الى الشروع في إجراء مفاوضات في ظل حديث متنامي عن امتعاض الولاياتالمتحدة من الجمود الذي يعرفه مسلسل التسوية والتساؤلات المثارة حول تأبيد عمل المينورسو وما يكلفه من ميزانية تدفع الولاياتالمتحدة الجزء الكبير منها. وكان لافتا تزامن الاجتماعات مع محادثة هاتفية اجراها ديفيد هيل مع ولد الشيخ احمد، اعرب فيها عن دعم امريكا لحل قضية الصحراء، وهو المسؤول الأمريكي نفسه الذي قام مؤخرا بزيارة كل من المغرب والجزائر، وناقش خلالها مع مسؤولي البلدين القضايا الاقليمية والدولية وعلى رأسها قضية الصحراء، وهو ما يعكسا اهتماما امريكيا متزايدا، بدا واضحا في النقاشات الاخيرة لمجلس الامن، حين مارست الولاياتالمتحدة ضغوطا في مجلس الأمن في أبريل وأكتوبر الماضيين ، باتجاه تقليص المدة الانتدابية للمينورسو من سنة الى ستة أشهر فقط، وتعبيرها عن رفضها استمرار الوضع الراهن في الصحراء. بيد ان سقف التوقعات لهذه الطاولة يبقى منخفضا، ما لم يتمكن كوهلر من انتزاع تعهُّد من الطرفين بمباشرة المفاوضات، بعد توقف دام لأكثر من ست سنوات من خلال اقناع الأطراف بوضع جدول زمني محدد، لعقد جولة جديدة من المحادثات قبل الاجتماع الذي سيعقده مجلس الأمن نهاية شهر أبريل القادم، لمناقشة قضية الصحراء، في ظل تمسك الأطراف بمواقفها التقليدية المعروفة بين استفتاء تتمسك به البوليساريو وحكم ذاتي تعتبره المملكة المغربية السقف الأعلى لتنازلاتها، وبين الاستفتاء والحكم الذاتي سيعمل هورست كوهلر على بذل جهوده بغية ايجاد صيغة او ارضية تقرب بين وجهتي النظر المتباعدتين وتكون أساسا لحل مقبول من الطرفين. كما ان كوهلر بحاجة في المرحلة القادمة الى تحديد المفاهيم بدقة، خاصة في ما يتعلق بالالتباس الذي تطرحه مشاركة الجزائر في مفاوضات الصحراء، وماهي الصفة التي تشارك بها، في ظل تمسكها بصفة “المراقب” في الوقت الذي يصر المغرب على ان تشارك ك”طرف” معني بشكل مباشر بهذا النزاع، وأن لاحل في قضية الصحراء ولا مفاوضات دون مشاركة الجزائر، وسواء شاركت الجزائر بصفة مراقب ام بصفة طرف يبدو ان التطور في مسار التسوية في الصحراء رهين بتطور العلاقات المغربية الجزائرية وما ستؤول إليه المبادرات والدعوات الأخيرة التي شهدتها المنطقة المغاربية.