يأسرنا مجدداً، ضجيج صناع البؤس الإعلامي في بوثقة تأملات غائرة بين منعرجات وضع كروي مبتذل، ميسمه التهافت على حيازة صكوك القيادة داخل الفرق و الأندية، هذه الأخيرة التي أصبحت مرتعاً لانفجار عبوات الصراع، وتناسل أدوات التنكيل بالخصوم، لدرجة المراهنة على تطويع الإعلاميين، خدمة لأجندة محبوكة على مقاس منطق المال و النفوذ. ففي غمرة هذا المناخ الموبوء، تأتي نازلة ذلك "المواطن الأردني" الذي "تجرأ" على تفكيك وبعثرة أشلاء العلبة السوداء لفريق اتحاد طنجة، عبر أثير إذاعة راديو مارس. و طبعاً فهذا الوافد من التربة القصية لأرض الشام وموطن النشامى، لا يعدو أن يكون سوى الزميل نوفل العواملة، ذلك الطود الإعلامي المغربي الذي ألف الخطو منتصب القامة و مرفوع الهامة، بين زقاق الأساليب الواطئة لأخطبوط التسيير الكروي. ذلك الأخطبوط الذي اختار التطبيع مع تكتيك التحكم في صناعة المعلومة، ثم تكييفها إعلاميا بخلفية تحويلها إلى عقيدة مهمتها الحجر على الوعي الجماهيري، وذلك في تجييش مقيت لأقلام وأنامل وميكروفونات هجينة، اختارت امتطاء صهوة الدعاية الحاملة لأيقونات التماهي مع ما يصطلح عليه في أدبيات علم الإتصال، بميكانيزم "لولب الصمت". و يبقى التساؤل المنفلت من ثنايا هذا المشهد الإعلامي الآسن: هل يستقيم إدراج الصحفي نوفل العواملة في خانة الإعلاميين الذين لا ترف جفونهم وهم يعلنون الولاء للأميين و الجهلة في مشهد بات مثاراً للسخرية والغثيان؟؟ إذا تركنا هذا الإستفهام في عهدة رواد المعمار الإفتراضي الأزرق للفايسبوك، ستكون الخلاصة بلا شك فاقعة لأعين الحاقدين على هذا "المواطن الأردني"، حسب المعجم الصدئ والعنصري لبعض تجار الكلمات. لن أخفيكم بأنني لست ممن يغريهم التهافت على تقمص دور الحطب في مواقد سجالية، لا سيما وأن الأمر يتعلق بمهاترات لفظتها محبرة أناس نكرة، لا مشاحة في إدراجهم ضمن قناصي فرص الإنفلات من مخالب استعصاءات سيكولوجية مضنية، مترصدة دوماً لفرص الإخماد، حتى ولو تطلب الأمر اختلاق سيناريوهات صبيانية. وهي طبعاً إحدى قنوات التعويض السيكولوجي التي استفاض، الجهاز المفاهيمي والنسق المعرفي لمدرسة التحليل النفسي، في تكييفها مع أنماط سلوكية غير متوازنة، تعتصر باتولوجيا الدونية والنزوع اللاواعي إلى التبخيس الذاتي. إلا أن من إيجابيات مثل هذه النوازل، هو كونها تشكل مناسبة للزج بالجمهور الرياضي في قلب إكراهات الوسط الإعلامي، الذي يشتغل فيه الصحفي النزيه بجانب الصحفي السفيه المتربص بفرص إضفاء الشرعية على مقولة "إذا عمت هانت"، والذي قد تصل به الضحالة إلى مستوى تكريس تقاليد التشهير بزملاء العفة والأنفة، عبر إشاعة مناخ من السفسطة الآيلة للإندثار كفقاعات صابون، لا سيما مع هبوب نسائم الثورة الرقمية والمعلوماتية التي لم تعد تسمح بتحنيط و استبلاد المتلقي. نوفل كما عهدناه، إنسان متزن وزميل ملتزم، حريص على نبذ غواية نفث السموم أو التكشير عن أنياب الإفتراس المرضي أثناء كرنفالات الوشاية الرخيصة.. نوفل كما عهدناه، سيظل مثخنا بكل المقومات التي تجعله قادراً على محاكاة ندية العشب الذي ينحني للنسيم دون أن تقتلعه العاصفة.. نوفل كما عهدناه، يزخر بما يكفي من جينات التحدي وطموحات الترقي في سلم الإنعطاف من فوق أشواك الترصد الناقم، صوب الظلال الوارفة لتألق ناعم.. نوفل يظل على الأرجح، مترفعاً عن الحاجة إلى تصميم كل هذه العبارات المنمقة، ولا حتى إلى تعليبها على شاكلة هدايا الحفلات التنكرية، ما دام الرجل حائزا على بروفايل ثقافي وفكري يؤهله لمجاراة العباب المتلاطم للتناظر الإعلامي، وبالتالي استنفار كل العدة العلمية والمعرفية التي اكتسبها على مدار سنوات التحصيل الدراسي بين أروقة المعهد العالي للصحافة و الإعلام. إجمالاً، وأنا أتلمس استشرافاً يليق بخاتمة أضع فيها أوزار هذه "المرافعة" التي تستوحي تسويغها المنطقي من المسؤولية الأخلاقية المنوطة بنا، داهمتني إحدى شذرات النقاش الحميمي مع نوفل التي توغلنا خلالها في سرد القصص والمستملحات المقترنة ببعض إعلاميي "الحرس القديم"، لكن سرعان ما انفرطت رغبة زميلي في مواصلة الحكي عن سماجة هذا "الطابور الخامس"، مخاطبا إياي بلغة الواثق في النفس قائلا: "أخي كريم، يا جبل ما يهزك ريح" . كلنا إذن نوفل العواملة.. هي عبارة نلوكها ونحن معبئين ومتشحين بالفلسفة المتدثرة خلف بلاغة المتن التالي: "بإمكانهم اقتلاع كل زهور الحقل، لكن لا قدرة لهم على إيقاف زحف الربيع".. بقلم: كريم شوكري | صحفي رياضي.