قال عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إن أي إصلاح لمنظومة التعليم وأي تأهيل "لا بد أن يمر عبر المدرسين، ولا يتأتى بلوغ أهدافه دون انخراطهم الفعلي، ولا يمكنه أن يسير على السكة الصحيحة ويعطي ثماره المنتظرة، دون تملكهم له". وأضاف عزيمان، في كلمة ألقاها خلال افتتاح جلسة الاستماع والتفاعل التي نضمها مجلسه أمس (الأربعاء)، حول مشروع "برنامج تكوين مدرسي المستقبل بالتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي"، أن هيئة التدريس هم "من يزرع شغف المعرفة في نفوس المتعلمين، وهم الضامن الأساس لإتقان تعلماتهم، وهم أيضا، وبفضل مهاراتهم وكفاياتهم التربوية، من يفتح أمام الأجيال الصاعدة، سبل استكشاف الممكنات وتجاوز الذات، وتحقيق الطموحات". ووفق المسؤول الأول عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن "جعل المدرسة المغربية قادرة على الاضطلاع الأمثل بالوظائف المناطة بها، يبدأ أولا وقبل كل شيء، بتمكين الأساتذة من تكوين أساس تأهيلي متين، ومن تكوين مستمر ملائم وميسر"، مؤكدا في هذا الصدد، على أن هذه المسألة أضحت اليوم "بمثابة توجه ناظم وفعلي، وتحدي أفقي أمام تحقيق جودة التعلمات في المغرب وعبر العالم". وبعدما ذكر بأن المجلس الذي يرأسه، وضع "تكوين المدرسين وتأهيلهم في صدارة ركائز إصلاح المنظومة التربوية"، إلى جانب جعل "الرؤية الاستراتيجية من تكوينهم الرافعة الحاسمة والفاصلة في أوراش الإصلاح"، تابع عزيمان حديثه قائلا "حتى ولو كنا مجبرين على التخلي عن جميع رافعات الإصلاح، فإننا سنتمسك قطعا وبكل قوة، بالرافعة المرتبطة بإصلاح مهنة التدريس، وهذت الوعي المتبصر، وهذا الاقتناع الراسخ، تؤكدهما بوضوح الأسبقية التي تحتلها، باستمرار، مسألةمهنة المدرس في أعمال التفكير الاستراتيجي التي تقوم بها هيئات المجلس". وشدد المتحدث ذاته على ضرورة استخلاص الدروس من التجربة المعيشة، ومن حصيلة أداء المنظومة التربوية، للشروع الفعلي، وبدون تردد، في إرساء مهننة حقيقية للفاعلين في المجال التربوي، مشيرا إلى أنه أمام التحولات العميقة التي تعتري اليوم محيط فعل التدريس، أضحى "من الثابت والمسلم به اعتبار التدريس مهنة قائمة الذات يتعين تعلمها وإتقان كفاياتها". بدوره، اعتبر سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن جودة أي نظام تربوي "لا يمكن أن تتجاوز جودة مدرسيه"، مؤكدا أنه "لا مدرسة للجودة بدون مدرسين أكفاء، ومتوفرين على المعارف والمؤهلات والكفايات الضرورية، ومنخرطين في سيرورة الإصلاح". وأفاد أمزازي خلال جلسة التفاعل والاستماع التي نظمها المجلس، بأن مختلف الدراسات التقويمية التي تساهم فيها منظومتنا التربوية، أثبتت على أن أداء المدرسين، يكون له تأثير حاسم على مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين، وعلى نتائجهم ومكتسباتهم الدراسية"، مضيفا أن دور المدرسين يكون "أكثر تأثيرا خلال فترات تنزيل الإصلاحات التربوية، وما يتخللها من مستجدات تربوية، وهو ما ينطبق على دينامية الإصلاح التي نخوض غمارها حاليا". كلمة المسؤول الحكومي، كشفت أن أزيد من 200 ألف مدرسة ومدرسة سيتم توظيفهم ما بين 2015و2030، وهو ما يعادل تجديد حوالي 80 بالمائة من الطاقم الإجمالي الحالي لهيئة التدريس، يقول الوزير، الذي أكد في الوقت ذاته أن الأعداد الهائلة للمدرسين الذي سيلجون المنظومة التربوية خلال هذه الفترة المذكورة "تشكل تحديا كبيرا، وفي نفس الوقت تضعنا أمام فرصة سانحة يتعين اغتنماهما". وحسب وزير التربية الوطنية، فإنه على الرغم من أهمية " التدابير المتخذة سابقا من أجل إصلاح نظام التكوين الأساس، فإن مخرجات النظام الحالي لا تزال لا تسعف في إعداد أطر تربوية مؤهلة ومتمكنة من الكفايات الضرورية لكسب رهان جودة التربية والتكوين". وفي هذا السياق، كشف امزازي عن النواقص التي يعاني منها نظام التكوين، والمتمثلة أساسا "في عدم كفاية المدة الزمنية التي يستغرقها التكوين الأساس للمدرسين والتي لا تكاد تتجاوز سنة واحدة"، و"نقص في تمكن الخريجين من المعارف والمهارات والكفايات البيداغوجية والمنهجية في مواد التخصص"، إضافة إلى "ضعف تمكنهم من الكفايات المهنية الضرورية لممارسة المهنة"، فضلا عن "تمفصل غير كافي بين المضامين التكوينية بالمسالك الجامعية والمستلزمات البيداغوجية لتصريف المنهاج الدراسي بسلكي التعليم الابتدائي والثانوي". واستطرد الوزير أنه انطلاقا من هذا التشخيص عملت وزارته "على بلورة نظام جديد للتكوين الأساس للفاعلين التربويين، يسمح باستقطاب أجود المترشحين وبتمكينهم من تكوين أساس متين وبمواكبتهم المستكرة طيلة مسارهم المهني"، ثم زاد موضحا أن المنظور الجديد لتكوين هيئة التدريس يرتكز على "مسار تكويني متعدد المداخل، ومتكامل الأبعاد، يمتد على خمس سنوات تنطلق من تزويد المترشحين للمهنة، الذين سيتم انتقاؤهم بناء على معايير محددة، بالمعارف الأكاديمية على مستوى الجامعات بسلك الإجازة التربوية، قبل ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من أجل تنمية الكفايات المهنية للأجيال الجديدة من المدرسات والمدرسين"، ليتم بعد ذلك، "صقل كفاياتهم العملية من خلال تكوينات تطبيقية تنجز بالتناوب بين المؤسسات التعليمية والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين"، يضيف الوزير. وأكد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني أن هذا المشروع الإصلاحي، وضع من بين أهدافه تغيير التوجه السائد حاليا الذي "يجعل من الانخراط في مهنة التدريس مجرد خيار بديل أو قسري في غياب فرص أفضل للتوظيف، وذلك في اتجاه تكريس هذه المهنة كمشروع شخصي ورغبة مبنية على قناعات مهنية واعية".