شكل انتخاب المغرب بمجلس حقوق الإنسان ب163 صوتا من أصل 193 دولة عضو بالجمعية العامة للأمم المتحدة، صفعة أخرى للنظام الجزائري، بعد الرسالة التحريضية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي طالب فيها ب "توسيع صلاحيات المينورسو" بالصحراء المغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو المطلب الذي ردت عليه 6 هيئات حقوقية دولية، على رأسها منظمة "هيومن رايتس ووتش". كما شكل اعترافا دوليا بما حققه المغرب من إنجازات كبيرة في مجال تكريس احترام حقوق الإنسان بدءا بالإصلاحات العميقة التي جاءت مع دستور 2011 والتي مكنت المغرب من إعادة هيكلة هذا المجال بنقل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى هيئة تقريرية تتمتع بالاستقلالية والشفافية ولها كامل الصلاحيات في مراقبة أوضاع حقوق الإنسان وإنجاز تقارير سنوية موضوعاتية محايدة ترفع إلى جلالة الملك من أجل تسليط الضوء على آخر تطورات هذا الملف، تتضمن توصيات جديدة تدعو إلى ترسيخ أكثر لقواعد احترام حقوق الإنسان وتعزيز دولة الحق والقانون وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. اعتراف دولي كذلك جاء على خلفية الإرادة القوية والثابتة للمغرب في الانفتاح والتواصل مع كافة المؤسسات والهيئات الدولية حكومية وغير حكومية والمنظمات الأممية ذات العلاقة، وانتهاجه مقاربة تشاركية وتشاورية مع كافة الفاعلين والمعنيين والمتدخلين في هذا الشأن سواء داخل المغرب أو خارجه، بغية رفع أي لبس أو شبهة أو شك حول النوايا الصادقة للمغرب منذ تولي جلالة الملك عرش أسلافه الميامين، على طي صفحة الماضي بشكل كامل وفتح ليس فقط صفحة جديدة بل صفحات عديدة تهدف إلى القطع النهائي مع المقاربات الأمنية الضيقة، وتأسيس ثقافة جديدة ترمي إلى الإنصاف والمصالحة وتعزيز الحريات وتكريس استقلالية القضاء وحمايتها ترسيخ روح المواطنة وتفعيل مبادئ وإجراءات احترام الحقوق الفردية والجماعية والحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية في إطار دولة الحق والقانون. إنه حقا انتصار باهر، بالنظر إلى العدد الكبير لأعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الذين لم يترددوا في انتخاب المغرب وبأغلبية كبيرة من الأصوات لولاية جديدة مدتها ثلاث سنوات، بناء على الإنجازات المختلفة التي حققها المغرب على مدى أكثر من عقد، بالرغم من كل الإكراهات والتحديات والعوائق، التي وقفت في طريقه، وبالرغم كذلك من كل المناورات المكشوفة لخصوم المغرب الذين راهنوا على استغلال ورقة حقوق الإنسان للضغط على بلادنا لكي ترضخ لمخططاتهم وأجندهم الشريرة، التي ترمي إلى فصل أقاليمنا الجنوبية عن تراب وطنها الأم. انتصار تحقق بفضل التصويت المكثف للدول الإفريقية الشقيقة على الرغم من المنافسة الشرسة لكل من جنوب إفريقيا والجزائر، وكذلك بفضل المكانة التي أضحى المغرب يتمتع بها بناء على ما تم تحقيقه من إصلاحات دستورية وسياسية وحقوقية، جعلت منه نموذجا يحتذى به داخل القارة الإفريقية والعالم العربي والإسلامي في مجال الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وتحقيق مطلب الإنصاف والمصالحة والعدالة الانتقالية، وكذا نموذجا للبلد الذي استطاع ربيعه الناعم دون خسائر تذكر. إن تجديد عضوية المغرب بمجلس حقوق الإنسان يعد بالنسبة لبلادنا مكسبا جديدا تم تحقيقه على المستوى الدولي، ورسالة واضحة إلى الخصوم قبل الأصدقاء على أن المغرب عازم على استكمال كل مراحل إنجاز مشروعه الديمقراطي الحداثي التنموي، ودليلا آخر على أن مسلسل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية بقيادة جلالة الملك ماض في طريقه بثبات، مما يفند مواقف خصوم المغرب بشأن قضية حقوق الإنسان ومواقف كل الذين ينتقدونه ويتهجمون عليه ويستهدفونه بخصوص الانتهاك المزعوم لها. إن هذا الإنجاز لا يعني أن المغرب بلغ مرتبة الكمال، أو أنه لا يملك الشجاعة السياسية والأخلاقية والإرادة الصادقة لتصحيح الأوضاع الحقوقية ببلادنا، ومحاربة كل التجاوزات التي قد تقع بين الحين والآخر على خلفية بعض الاحتجاجات الاجتماعية والحقوقية، بل هو ماض بقوة نحو الأمام بالعمل الجاد على الرقي بأوضاع حقوق الإنسان من خلال التخلص من كل الأسباب والمعيقات التي تقف حجرة عثرة أمام تسوية هذا الملف نهائيا والاحتكام فقط إلى شرعية القانون وأحكام القضاء وجعل المسألة الأمنية مرتبطة فقط بحفظ النظام العام وعدم السقوط في شرك التضييق على الحريات وقمع الاحتجاجات بالقوة وارتكاب بعض انتهاكات حقوق الإنسان. إن الكرة اليوم في ملعب المسؤولين ببلادنا خاصة الحكومة، من أجل الحفاظ على هذا المكتسب الكبير الذي حققته بلادنا بفضل النضالات المشروعة لكل القوى الحية داخل المجتمع المغربي، المدافعة عن دولة الحق والقانون والمؤسسات والمنافحة عن ثقافة حقوق الإنسان، والتي تساهم بقوة في ترسيخ قواعد المجتمع الديمقراطي الحداثي التنموي. وذلك بالالتزام التام باحترام حقوق الإنسان والضرب على يد المتورطين في بعض الأعمال المخالفة للقانون وروح الدستور، التي من شأنها الإضرا بسمعة المغرب. فالمغاربة بمختلف مكوناتهم السياسية وشرائحهم الاجتماعية ومنظماتهم الحقوقية لا يسعهم إلا الانخراط في مسلسل تعزيز مبادئ وثقافة وإجراءات احترام حقوق الإنسان ف جميع مناطق وجهات المملكة بما فيها أقاليمنا الجنوبية، لان ذلك سيظل غير رد وأقوى سلاح لمواجهة الحرب القذرة التي يشنها النظام الجزائري على بلادنا، فيما يتعلق بحقيقة الأوضاع الحقوقية هناك.