أجمع مسؤولون حكوميون وقضائيون وفاعلون اقتصاديون، اليوم الأربعاء بالرباط، على أهمية القانون القاضي ب"نسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون المتعلق بمدونة التجارية فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة"، والذي صادق عليه البرلمان بمجلسيه، ودخل حيز التنفيذ مباشرة بعد نشره بالجريدة الرسمية، يوم الاثنين الماضي. وفي هذا السياق، أكد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة في افتتاح الندوة الوطنية حول القانون الخاص بالكتاب الخامس من مدونة التجارة الخاص بصعوبات المقاولة، التي نظمتها وزارة العدل، أن هذا القانون، يأتي في سياق الجهود التي تبذلها الحكومة في مجال تحديث المنظومة القانونية والتنظيمية في مجال الأعمال وتبسيط المساطر والرفع من جودة الخدمات العمومية وتحديث الاقتصاد والإدارة عموما، مشددا على ضرورة الاستمرار في تحديث المنظومة القانونية. وأشار العثماني إلى أن الحكومة كانت حريصة على إشراك الجميع في هذا الإصلاح، شاكرا بالخصوص وزارة العدل التي قادت هذا الإصلاح وحرصت على مساهمة كل المتدخلين والفاعلين المرتبطين بالمقاولة حتى أتى هذا التعديل مستجيبا لجل انتظارات وملاحظات مختلف المتدخلين من مقاولات وبرلمانيين والإدارة، موضحا أن هذه المنهجية التشاركية أتت عبر مراحل، حيث انطلق العمل داخل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال التي تضم عدد من الشركاء من مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية العاملة على تحسين مناخ الأعمال، علاوة على القطاع الخاص لاسيما الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمجموعة المهنية للبنوك المغربية وجامعة غرف التجارة والصناعة والخدمات، التي تشتغل للبحث عن الآليات الكفيلة بتسريع وتيرة رصد وتنزيل الإصلاحات المرتبطة بمناخ الأعمال. وفي سياق متصل، قال العثماني، إن الحكومة كانت حريصة على توسيع التشاور عبر عقد ندوات بمشاركة عدد من الخبراء، معتبرا أن هذا القانون يستجيب إلى عدد من الحاجيات الآنية للمقاولة المغربية، مضيفا أنه واعي بأن هناك صعوبات مالية أو إدارية أو داخلية تعترض المقاولة وهو ما يسعى هذا القانون إلى تجاوزها. وذكر رئيس الحكومة بأن المغرب قد تمكن من تحسين مراتبه في مؤشر ممارسة الأعمال (Doing Business) حيث احتل سنة 2017 في المرتبة 69 عالميا من ضمن 190 دولة، بعدما أن كان في المرتبة 128 سنة 2010 بفضل العمل التشاركي التعاوني الذي قام به عدد من الرجال والنساء في مختلف المؤسسات، "وهو ما يؤكد على أن المغاربة يمكن أن يحققوا المعجزات إذا استمروا في التعاون فيما بينهم وأينما كانت مواقعهم تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك"، يقول العثماني، الذي أبرز أن البرنامج الحكومي يسعى إلى الوصول إلى المرتبة 50 سنة 2021. من جانبه، قال محمد أوجار، وزير العدل في كلمة له أمس الخميس، خلال افتتاح أشغال الندوة الوطنية التي نظمتها وزارته للتعريف بمستجدات القانون المذكور، إن إن هذا القانون له أهمية كبيرة ل"كونه يرتبط بأحد أهم الأدوار التي يفترض في القضاء أن يلعبها في سبيل تنمية الاقتصاد والإسهام في تشجيع الاستثمار والانخراط في خضم التحولات الاقتصادية الهامة التي تشهدها بلادنا والتي تستدعي تأمين حماية أمثل للمقاولة المغربية وتمتين النسيج الاقتصادي بصفة عامة". وأضاف الوزير أن استعجال وراهنية هذا القانون "أتت من خلال اطلاعنا على مؤشر Doing Business المتعلق بصعوبة المقاولة، -وهو المؤشر الذي ينبني على دراسة مقارنة للمقتضيات التشريعية المرتبطة بصعوبة المقاولات- حيث بينما كان المغرب سنة 2012 مرتب في الرتبة 67 عالميا أصبح ترتيبه سنة 2017 في الرتبة 137 ويرجع هذا التقهقر إلى كون معظم دول العالم قامت بمراجعة تشريعاتها المتعلقة بصعوبة المقاولة وتأخر المغرب في إنجاز هذا الإصلاح". وتابع الوزير أن "الاستمرار في تحديث المنظومة القانونية في مجال الأعمال يعتبر ورشا يحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة للمغرب"، داعيا في هذا الصدد إلى "تعبئة المزيد من الطاقات لإنجاحه وتعزيز تموقع المملكة كمنصة استقطاب للاستثمارات وكقطب تنموي"، قبل أن يؤكد على أن هذا النص الجديد "سيحصن كل المعاملات التجارية من المخاطر المرتبطة بميدان المال والأعمال". وعاد المسؤول الحكومي إلى التذكير بأهداف هذا القانون، قائلا إن "تعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة، يهدف إلى وضع الآليات القانونية اللازمة لمساعدة المقاولة، التي تعاني من صعوبات مالية أو اقتصادية أو اجتماعية، إما بسبب حالة السوق أو بسبب ضعف هيكلتها الداخلية، على تخطي الأزمة التي تعترضها عبر حزمة من المساطر الخاصة تسهل اندماجها من جديد في السوق و تراعي حقوق باقي الأطراف المرتبطة بها". وزاد الوزير موضحا أن "وعي وزارة العدل بهذه التحديات، والتزامها المسؤول بالانخراط في دينامية التنمية في ظل التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، جعلها تفتح عدة أوراش إصلاحية تهم منظومة العدالة في شموليتها؛ ويعتبر القانون رقم 17-73 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة تجسيدا لهذا النهج على اعتبار أن تعزيز الحكامة الجيدة داخل المقاولة وتوفير جو من الثقة في محيطها من شأنه تسهيل اندماجها من جديد في محيطها الاقتصادي وتجاوز أزمتها". من جهته، أكد مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض على تجند "السلطة القضائية لمواكبة النص التشريعي الجديد الذي وحسن تفعيله وتطبيقه بروح اجتهادية خلاقة واعية بكل الظروف والإكراهات"، إلا أنه بالمقابل شدد على أن "هذا الاجتهاد الذي لن يتحقق إلا بوضع رؤية استراتيجية محددة في مجال التكوين الأساسي والمستمر تتيح للقضاة وكل مهنيي العدالة والشركاء تنويع وتطوير خبراتهم وتجاربهم، كما يجب "مواكبة هذا النص التشريعي بنصوص وتدابير أخرى ذات طبيعة إدارية ومالية واقتصادية وتقنية حتى نحقق الأهداف المرجوة"، وفق تعبير فارس. وقال الرئيس الأول لمحكمة النقض إن "أحسن القوانين تكون عديمة الفائدة لعدم التطبيق ألا إنها قد تكون خطيرة إذا طبقت بطريقة سيئة"، مضيفا أن الرهان اليوم يتمثل في تعبئة "الجميع ليسهم بكل ايجابية ومواطنة في هذا الورش الكبير من أجل أن تكون بلادنا في طليعة الدول عبر العالم التي تعتبر فضاء آمنا مشجعا للاستثمار بفضل جودة نصوصها ونجاعة قضاءها وحكامتها في تدبير الشأن الإداري والمالي ومرونة اقتصادها." وذكر فارس بأن موضوع صعوبات المقاولة وتأهيل القضاء التجاري كان من المحاور الأساسية التي خرجت بها ورقات عمل وخلاصات وتوصيات هامة بمناسبة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، " والتي نحن مطالبون اليوم بتفعيلها وتنزيلها"، يقول الرئيس الأول لمحكمة النقض، الذي أقر ا بأن "معالجة صعوبات المقاولة يبقى من المجالات القانونية الدقيقة التي تستدعي الكثير من التقنية والتخصص وتستوجب الأخذ بعين الاعتبار الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". بدوره، قال محمد عبد النبوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، إن "المقاولة تعد عاملَ إنتاجٍ حيوي، وركيزةً هامة داخل المنظومة الاقتصادية للدول"، مضيفا أن "ضمان استقرار نشاطها ونجاح معاملاتها، وتطوير قدراتها التنافسية، يندرج ضمن العوامل المؤسسة لأي نمو اقتصادي". واعتبر عبد النبوي أن نجاح المقاولة الوطنية "يعد محفزاً على استقطاب استثمارات أجنبية، والإسهام في تنشيط الدورة الاقتصادية بما يخدم المنافسة بين المقاولات، ويدفع بها إلى تنويع مجالات الاستثمار وتوجيهها نحو أنشطة إنتاجية جديدة ومفيدة، وكذا نحو تحسين المنتوج وإجادة الخدمات بما يشكله كل ذلك من فوائد للمستهلكين"، مشددا أن استقطاب مقاولات ورؤوس أموال أجنبية يتطلب "تحقيق الشروط المثلى لتشجيع الاستثمار وفي مقدمتها قوانين جيدة توفر الأمن القانوني، ومحاكم عادلة تحقق الأمن القضائي". ووفق عبد النبوي، فإن "الصيرورة المتغيرة والمتسارعة للمعاملات التجارية، التي يفصل فيها أساسا بمقتضى قوانين وعادات وأعراف التجارة وفقا للمادة الثانية من مدونة التجارة، قد فرضت وستفرض على نحو دائم ومستمر مواكبة ما يتولد عنها من مستجدات، وتأطيرها وفق تشريعات ناجعة ومتطورة، تسد من زاوية أولى باب الفراغ القانوني من خلال تكريس ما استقر عليه الاجتهاد القضائي الوطني من قرارات متواترة وقيمة، وتحقق من زاوية أخرى أعلى درجات الحماية المتطلبة لحقوق مختلف الفاعلين الاقتصاديين". وزاد المتحدث ذاته قائلا "لئن كان القضاء التجاري ببلادنا قد حرص على تجاوز مختلف المعيقات القانونية، من خلال مجموعة من الاجتهادات القضائية المتواترة، راكمها على مدى عدة سنوات من التطبيق المتدرج لأحكام صعوبات المقاولة، في محاولة منه لإنقاذ المقاولات والحفاظ عليها داخل النسيج الاقتصادي الوطني والدولي، بالموازاة مع ضمان وأداء حقوق دائني المقاولة من مستخدمين ومؤسسات مالية وبنكية ومؤسسات عمومية واجتماعية. والحفاظ على مناصب الشغل إعمالا للبعد الاجتماعي لنظام صعوبات المقاولة. فإن المشرع كان لابد أن يتدخل لوضع نصوص تساير العصر وتستجيب للتحديات الاقتصادية التي تواجه المقاولات". وفي هذا الصدد، أوضح عبد النبوي أن القانون الجديد يأتي بعد مرور أكثر من عقدين على وضع أحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة في فاتح أغسطس 1996، "والذي أبانت الممارسة العملية بشأنه على مجموعة من الثغرات القانونية والواقعية، التي لا ترتبط بعمل القضاة، وإنما باختلالات في النصوص القانونية تتمثل إما في غموض النص أو غيابه أو عدم مسايرته للأوضاع الاقتصادية والتجارية المستجدة"، حسب تعبيره. وأشار المتحدث نفسه إلى أن القانون الجديد رقم 33.17 المتعلق بتعديل مقتضيات الباب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بصعوبة المقاولة، اعتمد في العديد من أحكامه على ما بلوره الاجتهاد القضائي المغربي من قرارات قيمة، وهو ما اعتبره عبد النبوي "اعتراف بالجهود التي بذلها القضاء التجاري في هذا الإطار، لأكثر من عقدين من الزمن، تميزت بالتطبيق الجاد والمسؤول للأحكام الخاصة بصعوبات المقاولة"، مذكرا في هذا السياق ببعض الأحكام المتعلقة بمجال تدخل النيابة العامة ومنها "تأكيد محكمة النقض على قيام صفة ومصلحة النيابة العامة للطعن في الأحكام والأوامر الصادرة في إطار مساطر صعوبات المقاولة، باعتبارها الجهة الساهرة على حماية النظام العام الاقتصادي حتى ولو لم تكن قد طالبت بفتح المسطرة القضائية". أما بالنسبة لمريم بنصالح، رئيسة اتحاد مقاولات المغرب، فقد اعتبرت أن هذا القانون "من شأنه أن يتصدى لمشكل غلق المقاولات والحد من نشاطها"، مشيرة إلى بعض مستجداته التي وصفتها بالايجابية والمتمثلة في "إحداث مسطرة الانقاذ و التي يمكن من خلالها لرئيس المقاولة أخذ المبادرة من أجل إنقاذ الشركة عندما تظهر له صعوبة قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية قد تؤثر على سير المقاولة و تؤدي بها إلى وقف الدفع". ومن بين الميزات الأخرى لهذا القانون، تضيف بنصالح، تكريسه ل"مبدأ التوازن بين الشركة وأصحاب الديون" كما أنه يعطي دورا أكبر لأصحاب الأسهم في تتبع مسطرة التسوية"، إلا أن رئيسة "الباطورنا"، شدد أن هذا القانون ي"حتاج إلى إجراءات موازية تضمن تحقيق الأهداف التي سطرها"، ومنها أساسا تكوين المتدخلين في هذه المسطرة و كذا تقنين مهنة "السنديك" وإعطاءه كل الضمانات لكي ينجح في مهمته".