بعد المصادقة عليه بالإجماع في البرلمان ودخوله حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية، اعتبر رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن "القانون الخاص بالكتاب الخامس من مدونة التجارة الخاص بصعوبات المقاولة، يأتي في سياق الجهود التي تبذلها الحكومة في مجال تحديث المنظومة القانونية والتنظيمية في مجال الأعمال وتبسيط المساطر والرفع من جودة الخدمات العمومية وتحديث الاقتصاد". وضمن كلمه له في افتتاح أشغال الندوة الوطنية حول صدور القانون رقم 73.17 من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، التي نظمتها وزارة العدل بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، قال العثماني إن "هذا القانون يستجيب إلى عدد من الحاجيات الآنية للمقاولة المغربية، كما أنه يمثل ورشا إصلاحيا مهماً يأتي في سياق الديناميكية التي تشهدها بلادنا لتحسين وتطوير مناخ الأعمال عبر إقرار عدد من الإصلاحات الجوهرية ووضع الآليات اللازمة لإنعاش الاقتصاد". وصدر قبل يومين القانون رقم 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة في ما يخص مساطر صعوبات المقاولة، الذي دخل حيّز التنفيذ مباشرة بعد نشره بالجريدة الرسمية. وأشار العثماني بخصوص هذا القانون إلى أن "الحكومة واعية بوجود صعوبات تعترض المقاولة الوطنية، وستعمل على تجاوزها". وفي السياق ذاته، قال وزير العدل، محمد أوجار، الذي ترأس أشغال الندوة الوطنية، إن "الغاية من هذا الكتاب هي وضع فهم مشترك وموحد لمضامين الكتاب الخامس من مدونة التجارة يوحد العمل القضائي ويحد من تضاربه تحقيقا للأمن القضائي كأحد أهم الوظائف الأساسية للقاضي المنصوص عليها في الفصل 117 من دستور المملكة". وتوقف أوجار ضمن كلمته عند "أهمية هذا القانون لكونه يرتبط بأحد أهم الأدوار التي يفترض في القضاء أن يلعبها في سبيل تنمية الاقتصاد والإسهام في تشجيع الاستثمار والانخراط في خضم التحولات الاقتصادية الهامة التي تشهدها بلادنا والتي تستدعي تأمين حماية أمثل للمقاولة المغربية وتمتين النسيج الاقتصادي بصفة عامة"، قبل أن يضيف أن "راهنية هذا القانون أتت من خلال اطلاعنا على مؤشر Doing Business المتعلق بصعوبة المقاولة". وأبرز المسؤول الحكومي في اللقاء ذاته، الذي حضره رؤساء الفرق البرلمانية إلى جانب مسؤولين قضائيين وخبراء اقتصاديين، أن "هذا المؤشر ينبني على دراسة مقارنة للمقتضيات التشريعية المرتبطة بصعوبة المقاولات، حيث بينما كان المغرب سنة 2012 في الرتبة 67 عالميا، أصبح في سنة 2017 في الرتبة 137"، مرجعا هذا التقهقر إلى "كون معظم دول العالم قامت بمراجعة تشريعاتها المتعلقة بصعوبة المقاولة، وتأخر المغرب في إنجاز هذا الإصلاح". وأورد أوجار أن "الاستمرار في تحديث المنظومة القانونية في مجال الأعمال يعتبر ورشا يحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة لبلدنا، مما يحتم تعبئة المزيد من الطاقات لإنجاحه وتعزيز تموقع المملكة كمنصة استقطاب للاستثمارات وكقطب تنموي بفضل ما ستوفره هذه الترسانة من إطار قانوني شفاف وآمن قادر على تحصين كل المعاملات التجارية من المخاطر المرتبطة بميدان المال والأعمال". وفي هذا الإطار، سعت الوزارة إلى تنزيل هذه الرؤية الاستراتيجية من خلال تعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة، بهدف وضع الآليات القانونية اللازمة لمساعدة المقاولة التي تعاني من صعوبات مالية أو اقتصادية أو اجتماعية، إما بسبب حالة السوق أو بسبب ضعف هيكلتها الداخلية. وقال أوجار إن "القانون رقم 17-73 يعتبر تصويبا لمسار القانون السابق الذي اعترته مجموعة من النواقص كان من اللازم أن يتم تداركها في هذا القانون وفق منظور جديد يتوخى إنقاذ المقاولة من خلال توفير حلول جديدة ومبتكرة تهدف إلى حث المقاولات التي تعاني من الصعوبة على سلوك هذه المساطر، التي تم استلهامها من الممارسات الفضلى المعمول بها في التشريعات الإقليمية والدولية الأكثر تقدما في هذا المجال". من جانبه، سجل محمد عبد النبوي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، أن "السيرورة المتغيرة والمتسارعة للمعاملات التجارية، التي يفصل فيها أساسا بمقتضى قوانين وعادات وأعراف التجارة وفقا للمادة الثانية من مدونة التجارة، قد فرضت مواكبة ما يتولد عنها من مستجدات، وتأطيرها وفق تشريعات ناجعة ومتطورة، تسد من زاوية أولى باب الفراغ القانوني من خلال تكريس ما استقر عليه الاجتهاد القضائي الوطني من قرارات متواترة وقيمة". واعتبر عبد النبوي أن "مناقشة القانون رقم 17-73 مؤشر كبير على أهميته القصوى داخل المنظومة القانونية المؤطرة لعالم التجارة والأعمال، ودليل حي على درجة الاهتمام والتتبع التي يحظى بها من طرف كافة المتدخلين والفاعلين الاقتصاديين في بلادنا؛ وذلك نظرا للأهداف التي يروم تحقيقها المتجلية أساسا في تحيين الإطار القانوني المرتبط بالمبادرة والاستثمار، وتوفير مناخ قانوني سليم للمستثمرين والمتقاضين يضمن الفعالية والشفافية". الوكيل العام لدى محكمة النقض أوضح أن "القضاء التجاري حرص على تجاوز مختلف المعيقات القانونية، من خلال مجموعة من الاجتهادات القضائية المتواترة، راكمها على مدى عدة سنوات من التطبيق المتدرج لأحكام صعوبات المقاولة، في محاولة منه لإنقاذ المقاولات والحفاظ عليها داخل النسيج الاقتصادي الوطني والدولي، بالموازاة مع ضمان وأداء حقوق دائني المقاولة من مستخدمين ومؤسسات مالية وبنكية ومؤسسات عمومية واجتماعية". أما مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، فيرى أن القانون الجديد لا يشكل مجرد رغبة في مسايرة الجديد التشريعي أو السعي إلى ضمان تنافسية قانونية على المستوى الترسانة التشريعية في مجال قانون الأعمال، بل هو تعبير عن تفاعل مع خصوصيات الواقع الاقتصادي الوطني وطموحاته وأهدافه الدولية. وأقر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بأن معالجة صعوبات المقاولة تبقى من المجالات القانونية الدقيقة التي تستدعي الكثير من التقنية والتخصص وتستوجب الأخذ بعين الاعتبار الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مضيفا أن "صعوبة التشريع في هذا المجال تنبع من كثرة الشركاء والمتدخلين والأجهزة بشكل يجعل التوفيق بين مختلف الحقوق والالتزامات أمرا صعبا جدا، خاصة عندما تكون متناقضة في بعض الحالات". وقال المسؤول القضائي: "النص التشريعي الجديد سنكون كسلطة قضائية مجندين لمواكبته وحسن تفعيله وتطبيقه بروح اجتهادية خلاقة واعية بكل الظروف والإكراهات"، مضيفا أن "هذا الاجتهاد الذي نسعى إليه لن يتحقق إلا بوضعنا لرؤية استراتيجية محددة في مجال التكوين الأساسي والمستمر تتيح للقضاة وكل مهنيي العدالة والشركاء تنويع وتطوير خبراتهم وتجاربهم، كما يجب مواكبة هذا النص التشريعي بنصوص وتدابير أخرى ذات طبيعة إدارية ومالية واقتصادية وتقنية حتى نحقق الأهداف المرجوة".