وأخيرا تم تنصيب النسخة الثانية من حكومة بنكيران، بعد شهور من الأخذ والرد والشد والجذب بين حزبي المصباح والحمامة حول المناصب الوزارية، أضاع على البلاد كثيرا من الجهد والوقت والفرص، في الوقت الذي ظلت تواجه فيه عددا من التحديات والإكراهات والأزمات والرهانات والمخاطر. حكومة وضعت بالشكل والعدد والهيكلة والمهام العديدة من حيث الوزارات المستحدثة، والوزارات الأخرى التي بقيت قائمة الذات التي بدروها قسمت إلى وزارتين أو أكثر، والتي طلعت بها على الرأي العام عبر شاشة التلفزيون، أثارت عددا من علامات الاستفهام والتعجب حول تركيبتها الفسيفسائية بين متحزبين وتكنوقراط ونساء ورجال وشباب وكهول وزارات حقيقية وأخرى مختلقة، تكرس واقعا حكوميا لا يختلف عن سابقه يكرر من جديد ما كانت عليه الحكومة السابقة من تشرذم وتفتت وغياب الانسجام في الموقف والخطاب والتصور والمنهج، بين حزب يضع رجلا في الحكومة وأخرى في المعارضة وآخر يطمح للعب دور أكبر في التشكيلة الجديدة وثالث يسعى إلى الاحتفاظ بموقعه مهما كلفه ذلك من ثمن ورابع راض بما حصل عليه من الكعكة الحكومية. واقع لا يعكس بأي حال ما كان يتطلع إليه الشعب المغربي والقوى الحية بالبلاد من وجود حكومة قوية متجانسة وقادرة على تحمل مسؤولياتها والقيام بمهامها خير قيام، وتسريع وتيرة أدائها وتحقيق مبدأ الانسجام بين مكوناتها الذي افتقدته الحكومة الأولى. من أجل التفرغ لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب البلاد. حكومة أقطاب وزارية بعدد معقول من الوزارات، يتناسب مع الظرفية الدقيقة التي تشهدها البلاد التي تتطلب جهازا حكوميا في مستوى التحديات والرهانات، لا حكومة منتفخة بحشو فارغ أفرزها منطق الترضيات بدل منطق تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة والرغبة الفجة في الاستوزار لا غير. والذي لم يضع في الحسبان الثمن الباهظ التي ستؤديه مستقبلا جراء هذ الاختيار، خاصة في ظل فقر الميزانية العامة، وفي ظل متطلبات حل الملفات الاجتماعية الشائكة كملف المعطلين الذي يحتاج إلى موارد مالية لحله. إن العدد التي ظهرت به النسخة الثانية من الحكومة بقدر ما يحمل في طياته بذور انشطارها وانفجارها في المستقبل، لانبنائها على حسابات الربح والخسارة لدى كل حزب، من خلال تكريس واقع التضخم اللا مبرر في عدد الوزارات، والذي من شأنه الزيادة في أعباء الميزانية العامة فقط، يظهر إلى أي حد غياب بعد النظر وضيق الأفق وتغييب ثقافة الحكامة الجيدة وترشيد النفقات لدى من وقفوا على تشكيل هذه التركيبة الحكومية المنتفخة، والجميع يعلم أن بلادنا بحاجة إلى كل درهم لصرفه على متطلبات التنمية الاجتماعية وتلبية حاجيات المواطنين الأساسية والرفع من وتيرة النمو الاقتصادي الوطني. إن الطريقة التي تمت بها عملية إخراج النسخة الثانية من هذه الحكومة تكشف بوضوح بل وتفضح إلى أي حد تغلب منطق المصلحة الحزبية الضيقة والمنطق الحسابي في إخراج المشهد الحكومي الجديد على منطق الكيف والفعالية والنجاعة والكفاءة . وزارات قسمت إلى أكثر من وزارتين. ووزارات منتدبة جديدة أحدثت ترضية لخاطر هذا الحزب أو ذاك، إلى أن وصل العدد إلى ما وصل إليه ( 39 وزيرا)، مما يثير بالفعل إشكالية حقيقية بالنسبة لقدرة النسخة الحكومية الجديدة على القيام بمهامها و تسريع وتيرة عملها وتحقيق الانسجام بين مكوناتها. إشكالية أفرزها التضخم والانتفاخ العددي الذي من شأنه أن يخلق مشاكل عديدة ستحد ولاشك من نجاعتها وكفاءتها وتقذف بها في دوامة الصراع الداخلي مستقبلا. ثلاثة شهور كانت كافية لتبرز حقائق صادمة ومفاجئة للراي العام منها على الخصوص: تغيير عشوائي في أسماء بعض الوزارات وفي ترتيب أخرى وإلحاق وزراء بوزارات أخرى، والتشطيب على آخرين من القائمة الحكومية، وتغيير في المهام والمسؤوليات. وصول الأمر ببعض الأمناء العامين للأحزاب المشكلة للنسخة الثانية من الحكومة إلى القبول بوزارات أدنى من حيث الرتبة وأقل من حيث الوزن لمجرد الرغبة في البقاء في الحكومة. إحداث وزارات منتدبة جديدة إلى جانب الوزارات المنتدبة االسابقة مما يعني مزيدا من تضييع الوقت في الوصول إلى توافقات والاتفاق على الترتيبات، بل وسيطرح مسألة الاختصاصات وحدودها بين هذه الوزارة وتلك وكيفية التنسيق بينهما ومسؤولية اتخاذ القرار، ما دام أن الانتماء الحزبي لكل وزير منتدب أو وزيرة منتدبة سيخلق ولاشك مزيدا من التنافر والاختلاف وعدم الانسجام نظرا لاختلاف التصورات والأولويات بين هذه الأحزاب. وخير مثال على ذلك لا الحصر وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة التي أحدثت إلى جانبها وزارتان منتميتان واحدة مكلفة بالبيئة والأخرى مكلفة بالماء، مما سيكلف الدولة مزيدا من الوقت والجهد والنفقات. زيادة أعباء الأمانة العامة للحكومة من حيث الفصل بين الاختلاف على اختصاصات هذه الوزارات والنظر في متطلباتها من المواد البشرية و الأطر والميزانية الخاصة بها والذي سيكلف ولا شك الميزانية العامة أعباء مالية جديدة، سيتحملها المواطن ولاشك في ظل الزيادات المتواصلة في أسعار المواد الأساسية. فعن أي حكومة نتحدث؟ حكومة بهذا الشكل المنتفخ، والتي تؤشر بمظهرها العددي والتجزيئي الممل على أنها لن تكون قادرة على تحمل مسؤولياتها، وأنها تحمل بذور انقسامها من طريقة تشكيلها وترتيب وزاراتها. أم حكومة حقيقية تعتمد على النجاعة والكفاءة والخبرة والقدرة على تحمل المسؤوليات، حكومة أقطاب وزارية حقيقية، قليلة العدد لكنها ثقيلة من حيث العمل والتنفيذ وتسريع وتيرة الأداء والأولويات والانسجام في المواقف والتصورات. إن العبرة بالنتائج والخواتم والأيام والشهور المقبلة كفيلة ببيان حقيقة هذه الحكومة وقدرتها على العطاء والمردودية وتحمل المسؤولية وتنفيذ ما وعدت به في برنامجها الحكومي، وهل سنرى من جديد فصلا آخر من فصول استعراض العضلات وتبادل اللكمات والضرب تحت الحزام بين الحزبين الرئيسيين في الحكومة عند أول اختبار حقيقي ألا وهو مناقشة قانون المالية داخل الحكومة الجديدة وبعده داخل البرلمان، كما كان الشأن مع النسخة الحكومية السابقة؟