بسم الله الرحمن الرحيم أخواتي إخواني أعضاء المجلس الوطني أبدأ بالترحيب بكم في هذا اللقاء الذي يجمعنا اليوم بتقديم الشكر لجميع من حضره خصوصا وأن من بينكم من تنقل أكثر من مرة للمشاركة في الاستحقاقات الحزبية الأخيرة، سواء منها المتعلقة بالمؤتمر الوطني للشباب او المؤتمر الوطني للمرأة. لذلك فأنا سعيد أن أخاطبكم اليوم في هذا الاجتماع الهام الذي تعقدونه باعتباركم برلمان الحزب وهيئته التقريرية التي تأتي مباشرة من حيث الأهمية بعد هيئة المؤتمر الوطني. وإن أهمية اجتماعكم هذا تمليها السياقات الوطنية والحزبية التي ينعقد في إطارها. فأنتم تجتمعون في ظرفية يستعد فيها المغرب لدخول سياسي مطبوع بكثير من علامات الاستفهام، ودخول اجتماعي يهدد باختلال في التوازن بين الأوضاع الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية، ودخول اقتصادي، لا شك أن علامات الاستفهام المطروحة حول طبيعة القانون المالي القادم وتوجهاته، تشغل بال المتدخلين الاقتصاديين وهناك أخيرا، سياق حزبي يرتبط باستحقاقات الاتحاد الدستوري التي من المفروض أن نتداولها معكم اليوم لتبتوا في شأنها. واسمحوا لي أخواتي إخواني أن أذكر بأننا بالإضافة إلى هذا كله، نعقد مجلسنا الوطني هذا وسط أجواء الذكرى الثلاثين لنشأة الاتحاد الدستوري، وهذه الذكرى تفرض علينا: أولا : أن نستحضر المسار الطويل الذي قطعه هذا الحزب في مجال تكريس المبادئ والقيم الليبرالية التي نادى بها منذ نشأته والتي استقبلها المجتمع المغربي بالقبول والترحاب والاحتضان الكلي، مما عزز المكانة الاعتبارية لحزبكم في سائر الأوساط. ثانيا : أن نبرز التراكم الايجابي الذي استطاع حزبكم أن يتوفر عليه من خلال مختلف المحطات التأطيرية الصعبة التي مر بها والتجارب السياسية المختلفة التي خضع لها، بحيث إن حزبكم عاش مراحل اضطر فيها إلى مجابهة ظروف فرضت عليه اختيار تجربة التناوب على القيادة بشكل غير مسبوق على مستوى الساحة السياسية والحزبية في بلادنا، كما فرضت عليه الدخول في غمار تدبير الشأن العام في أقصى مراحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والتي تطلبت تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بكل ما تفرضه هذه السياسية، من إجراءات لا شعبية، كما أن حزبكم انخرط بشكل فعال وبروح وطنية عالية في تحقيق المصالحة السياسية الوطنية وتطبيع المشهد السياسي الوطني من خلال تدبير مرحلة التناوب التوافقي. وأخيرا فإن الاتحاد الدستوري خلال الثلاثين سنة الماضية راكم تجربة غنية في تدبير الشأن العام محليا وجهويا ووطنيا كما سجل حضورا وازنا وتجربة غنية من خلال ممارسته المعارضة طيلة خمسة عشر سنة متتالية من عمره. ثالثا: علينا أن نسجل بهذه المناسبة أن حزبكم ظل طوال كل هذه المحطات وهذه المراحل متماسك الصفوف موحدا وفيا لمنطلقاته الفكرية، بل إنه كان على الدوام رائدا من رواد المناداة والدفاع عن القيم التنموية بشتى أبعادها رابعا: إن الاتحاد الدستوري ظل على الدوام مدافعا شرسا عن القضية الوطنية الأولى في المحافل الدولية، محققا بذلك انتصارات جعلت من الأممية الليبرالية حليفا استراتيجيا في مناصرة الطرح المغربي في تخويل المناطق الجنوبية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية. خامسا: وأخيرا، فإن الاتحاد الدستوري بعد ثلاثين سنة من ميلاده، يظل بالرغم من كيد الكائدين رقما وازنا في المشهد السياسي الوطني، يستمد قوته من شرعيته الانتخابية ومن تعاطف المواطنين مع أفكاره ومع نسائه ورجاله. إخواني أخواتي؛ إذا كان حزبنا قد برهن على هذه القدرة من الصمود والتماسك، فإن ذلك جاء بفضل وفائكم وإخلاصكم أنتم معشر مناضليه ومناضلاته عبر جميع ربوع المملكة، كما أنه جاء أيضا بفضل المساهمات القيمة التي بذلها على طول هذه المدة ممثلوكم في البرلمان بغرفتيه، ووقوفهم في وجه كل أولائك الذين سعوا عن قصد أو عن غير قصد إلى إضعاف الاتحاد الدستوري كما جاء أخيرا نتيجة تمتع قياديي الحزب سواء على المستوى الوطني أو الجهوي بروح عالية من الإيمان والإخلاص والوفاء بالمبادئ الليبرالية وتوجهاتها التنموية. أخواتي إخواني؛ تحدثت عن الاتحاد الدستوري كرقم وازن في الساحة السياسية الوطنية وأنتم ولا شك تتابعون ما يجري حاليا على الساحة السياسية الوطنية، وتدركون أن ما كنا ننادي به منذ أن تشكلت هذه الحكومة من وجود اختلالات قوية على مستوى تركيبتها سيؤدي لا محالة إلى عرقلة عملها وهو ما حصل بالفعل بعد أن تعمق التنافر بين مناهجها الفكرية وآليات اشتغالها، مما أدى فعليا إلى انفصام عقد هذه الحكومة وخروج أحد مكوناتها المهمة من صفوف الأغلبية. واليوم تعيش الأغلبية أو ما تبقى منها لحظة عصيبة لازال عنوانها البارز هو البحث عن الانسجام... ونحن نعتقد أننا بالرغم من تشبثنا بضرورة توفير ظروف النجاح لهذه الحكومة لازلنا نلح على أن احد أسباب تحقيق النجاح هو بالفعل بناء أغلبية منسجمة وقادرة على إنتاج سياسات جريئة واضحة وهادفة. أيها الإخوة والأخوات؛ صحيح أن المغرب الذي يشكل حالة متميزة في العالم العربي يتوفر على خاصية أساسية تتمثل في الاستقرار الذي ظل ينعم به على مدى فترات طويلة من تاريخه الحديث بفضل التناغم والانسجام الحاصلين بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي، ومخطئ من يعتقد أن له الفضل الذاتي في إضفاء نعمة الاستقرار على هذا البلد، إن الاستقرار نتاج مشترك لجميع الفئات العاملة في الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي وهو ورش مستديم يرعاه جلالة الملك من منطلق أدواره التي يقرها الدستور. ويبقى علينا كفاعلين سياسيين أن نتبارى من أجل تحقيق الرفاه للمواطن المغربي وهذا هو الموضوع الذي تتنافس من أجله الأحزاب السياسية وتتقدم في إطاره إلى الناخبين المغاربة من أجل كسب جزء من ثقتهم، والظفر بنصيب من التفويض من أجل تدبير الشأن العام. ويؤسفني هنا أن أؤكد أن الحكومة الحالية لم تستطع خلال السنتين الماضيتين أن تبلور لدى المواطنين شعورا بالثقة في البرامج والإجراءات والسياسات المقنعة، وكان خطأها الكبير هو إغفالها أو تغافلها عن تدبير الزمن السياسي وإعطائه قيمته الحقيقية فقد أخطأت الحكومة في تدبير الزمن حينما عطلت البت في الميزانية لسنة 2012، التي جاءت متأخرة عن موعدها بنصف سنة، مخلفة العديد من التداعيات السلبية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. كما أنها تخلفت زمنيا عن تدبير تنزيل مقتضيات الدستور وإخراج القوانين التنظيمية إلى الوجود وتعطلت بذلك دواليب الدولة ومؤسساتها وأفرغت الدستور الغني في دلالاته المرتبطة بالإصلاح وتسريع وتيرة النمو. وأخيرا، فإنها تخلفت زمنيا عن التقاط أهمية الانطلاق من التراكم الإيجابي الذي حققته الحكومات السابقة في العديد من الميادين، وعلى رأسها ميدان التعليم. وإننا اليوم إذ نتطارح فيما بيننا نفس القضايا التي كانت تشغل بال المواطنين منذ أزيد من ثلاث أو أربع سنوات، كإصلاح صندوق المقاصة وإصلاح صناديق التقاعد وتنزيل الجهوية المتقدمة وإصلاح القضاء والتعليم والإدارة، فإننا إنما نعبر عن أسفنا على كل هذه الفرص الضائعة في هذا الزمن السياسي المهدور والجهد الوطني المعطل. لذلك فإننا مطالبون داخل المجلس الوطني بأن نقيس أهمية هذه المرحلة التي تجتازها الحكومة في تدبيرها للأزمة بكل تفاعلاتها وان نضع أنفسنا كحزب في صلب مسلسل البحث عن الحلول الكفيلة بتجنيب البلاد الوقوع في سلسلة أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية. إن المباحثات حول تشكيل أغلبية جديدة جارية الآن، وقد عبرنا كحزب عن وجهة نظرنا فيما يجري وأشعرنا الأطراف السياسية الأخرى بأن المغرب في حاجة إلى أحزاب تستطيع أن تضحي بمكاسبها الانتخابية من أجل تحقيق مصلحة البلاد، كما عبرنا عن استعدادنا لتحمل مسؤولياتنا من جميع المواقع التي تفرضها علينا هذه المصلحة بما في ذلك الاستعداد لانتخابات سابقة لأوانها. واسمحوا لي أن أؤكد لكم أنكم تمثلون الجهاز التقريري الذي له الحق في أن يبت في القرار الذي سيتخذه الحزب بحسب ما ستأتي به التطورات القادمة. لذلك فإنكم مطالبون بتتبع مجريات الأحداث وتعميق النظر فيها واستخلاص النتائج التي ترونها مناسبة. أخواتي إخواني أعضاء المجلس الوطني؛ لقد تتبعتم بدون شك الحراك الحزبي الذي طبع مسار الاتحاد الدستوري خلال الفترة الأخيرة، فمنذ أن عقدنا العزم على تنظيم المؤتمر الوطني الخامس، لم تتوقف الهياكل الحزبية بدون استثناء عن العمل الدؤوب والتهييء الجيد والاستعداد المستمر لإنجاح هذا الاستحقاق الهام. فقد التأمت اللجنة التحضيرية في إطار اجتماعات متتالية شملت اللجن المتفرعة عنها، كما شملت اللجنة ككل، وأنجزت عملا جديا سواء على مستوى إنتاج أوراق موضوعاتية أو على مستوى مراجعة وتعديل النظام الأساسي بما يجعله متلائما مع مقتضيات قانون الأحزاب ومنسجما مع روح الدستور الجديد ومتماشيا مع تطلعات مناضلينا الدستوريين، خصوصا وأننا اعتمدنا مبدأ توسيع رقعة التشاور بخصوص هذه التعديلات لتشمل المنظمات الموازية والمنتديات والأقاليم والجهات، مما جعل الصيغة النهائية أقرب لأن تمثل تطلعات أكبر عدد ممكن من الفئات الحزبية، وسنعرض على أنظاركم الصيغة المقترحة للبت فيها. ولا أخفي عليكم أن من بين اللحظات القوية في مسلسل التهييء للمؤتمر سجلنا محطتين أساسيتين أولاهما تمثلت في مؤتمر الشبيبة الدستورية الذي شكل نقطة مضيئة في مجال الديمقراطية الداخلية وبالتالي محطة أساسية من محطات تطوير الفعل السياسي داخل الاتحاد الدستوري، وهو نفس الانطباع الذي سجلناه على إثر تنظيم مؤتمر المرأة الدستورية الذي انعقد منذ أسبوع والذي تميز بدوره بحسن التنظيم وبالروح العالية للمشاركات وبحضور الحس الوطني العالي والإخلاص لمبادئ الحزب. وأعتبر شخصيا أن هاتين المحطتين تشكلان جزءا كبيرا من ضمانات إنجاح المؤتمر الوطني الخامس. إلى جانب هذا، بادرنا إلى وضع مخطط لعقد سلسلة من المؤتمرات الإقليمية والجهوية وإذا كانت بعض الجهات قد عقدت مؤتمراتها فإن جهات أخرى لم يتيسر لها ذلك بعد، نظرا للإكراهات الظرفية التي فرضتها الانشغالات الروحية التي ترتبط بشهر رمضان الأبرك من جهة وحلول موسم العطلة الصيفية من جهة أخرى. وإننا نأمل أن تتواصل جهود إخواننا في الجهات والأقاليم، من أجل التعجيل بعقد المؤتمرات حتى تستوفي كامل الشروط لإنجاح المؤتمر الوطني القادم. ولا أخفيكم أخواتي إخواني أن عزمنا أكيد على إعطاء المؤتمر الوطني القادم كل اهتمامنا بضمان أقصى ما يمكن من حظوظ النجاح، وذلك لسبب بسيط ولكنه سبب قوي وحاسم وهو أننا لا ننظم مؤتمرا وطنيا كسائر المؤتمرات الوطنية السابقة ولكنه مؤتمر وطني نريده منطلقا لحمل جيل جديد من الكفاءات الوطنية المؤمنة بالفكر الليبرالي والمتشبعة بالروح الوطنية العالية على الاندماج الايجابي والجاد في بناء المغرب القوي. أخواتي اخواني؛ لقد حرصت على أن أنقل إليكم الوضعية بأمانة حتى تنظروا بكل موضوعية وتجرد في أمر التوقيت المناسب والظروف الملائمة لإنجاح المؤتمر الوطني العادي ولا أقول لعقده لأن ضمان النجاح يتطلب وجوبا اعتماده على قواعد جهوية وإقليمية منتخبة ومنتدبين مؤهلين للاضطلاع بأدوارهم كمؤتمرين. ولكن هذا الاختيار أي اختيار منح الجهات والأقاليم وقتا إضافيا لاستكمال مؤتمراتها وانتخاب هياكلها، يطرح علينا إكراها آخر يتعلق هذه المرة بضرورة احترام أجل قانوني لا يمكن القفز عليه، وهو الأجل المرتبط بملائمة النظام الأساسي مع قانون الأحزاب والذي يتوجب علينا البت فيه قبل حلول الأجل المطلوب، مما يطرح علينا خيارا لا بد منه، ألا وهو اللجوء إلى مؤتمر استثنائي نخصصه للمصادقة على تعديلات النظام الأساسي تاركين الفرصة والوقت الكافي للجهات والأقاليم حتى تنظم مؤتمراتها وتفرز هياكلها وتختار منتدبيها في المؤتمر الذي يمكن أن نعقده في التاريخ الذي ترونه أكثر ملاءمة. إلا أن هذا كله لا يمنع من أن تبتوا من الآن في جدول الأعمال للمؤتمر الوطني الخامس، وتاريخه ومكانه، واضعين بذلك سقفا زمنيا لإتمام كافة التهييئات الأخرى. أخواتي إخواني؛ لا أريد أن أطيل أكثر في كلمتي هاته أرجو صادقا أن تتكلل أعمال مجلسكم هذا بالنجاح والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.