أكد حسن عبيابة، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، أن العملية السياسية في المغرب ليست مرتبطة بقوة أو ضعف حزب سياسي، بقدر ما هي توازنات حزبية داخل المشهد السياسي بتأثيرات خفية، معتبرا أن من جعل الاتحاد الدستوري قويا في 1983 ببرلمانييه هو الذي جعله ضعيفا ب16 برلمانيا في فترة من الفترات. وقال عبيابة في هذا الحوار إنه لا يجب الترويج للمغرب كدولة للفساد، وأن الأحزاب المتحالفة مع العدالة والتنمية هي المسؤولة عن الوضعية التي وصلنا إليها. - يمر اليوم 30 سنة على تأسيس حزب الاتحاد الدستوري، ولم يستطع فيها هذا الحزب أن يفرض نفسه في المشهد السياسي، حتى إن بعض المتتبعين يصفونه بالحزب الجامد. ما السبب في ذلك؟ الاتحاد الدستوري كباقي الأحزاب يصعد وينزل، حسب الظروف السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب طوال تأسيسه لمراحل الانتقال الديمقراطي. فهذا الحزب تأسس كحزب قوي في 1983، وكانت له قوة برلمانية وقوة في السلطة التنفيذية في تلك الفترة. وظروف تأسيس الاتحاد الدستوري لم تكن ظروفا سهلة، حيث وجد أن المغرب متوقف على مستوى التنمية الاقتصادية، وأن الإطار العام والثقافة والفكر السياسي كان يطلب دائما من الدولة أن تفعل كل شيء. ولذلك جاء في إحدى توصيات البنك الدولي أن المغرب يجب أن يخلق آلية سياسية جديدة لفتح الاقتصاد المغربي للخروج من الأزمة، وكانت هذه الآلية هي تأسيس الاتحاد الدستوري كحزب ليبرالي يؤسس للخوصصة والجهوية والمبادرة الحرة والاقتصاد الليبرالي. طبعا تجربة التقويم الهيكلي كانت لها ضرائب متعددة، أولها الضريبة السياسية، حيث التصق بالاتحاد الدستوري أنه طبق برنامجا غير اجتماعي وغير شعبي. ومع الأسف بدل أن تتفهم الطبقة السياسية هذه المرحلة، خلقت من هذه الوضعية خطابا ضد الاتحاد الدستوري، وضد التقويم الهيكلي، وجعلت منه خطابا سياسيا كأنما الأزمة جاء بها الاتحاد الدستوري، علما أنه تسلم الأزمة من الوزير الأول السابق. - ثم خرجتم فيما بعد إلى المعارضة طبعا خرج الاتحاد الدستوري إلى المعارضة باعترافه بمركزه الانتخابي، وكنا نعلم بأن حكومة التناوب لم تأت بالقوة الانتخابية كما هي حكومة بنكيران، ولكنها جاءت بتوافق. وهذا من الغرائب السياسية، إذ أن الفكر السياسي اليساري لم يستطع الوصول إلى الحكم بأصواته، فحكومة التناوب حكمت بأصوات وبأحزاب كانت تنتقدها. طبعا حكومة التناوب أدت دورا سياسيا، فإذا كان الاتحاد الدستوري قام بدور ضبط المقومات الاقتصادية والبنية الهيكلية للمغرب في فترة الثمانينيات فإن حكومة التناوب جاءت أيضا لتشرف على انتقال الحكم بسلاسة، لكنها لم تأت بتنمية، كما هو حال حكومة بنكيران التي جاءت بالاستقرار ولم تأت بالتنمية. هناك إذن تناوب منطقي للأدوار، ولا يمكن للاتحاد الدستوري أن يبقى هو الأول، ونفس الأمر بالنسبة للاتحاد الاشتراكي أو العدالة والتنمية وغيرهما. - تربط تراجع قوة الحزب ببعض القرارات اللاشعبية خلال فترة تدبيره الشأن العام، لكن هناك من يربط ضعف الحزب برحيل الأشخاص الذين صنعوه في تلك الفترة كحزب إداري. بالعكس، أنا لا أتفق معك في جزء كبير من الشق المرتبط بالسؤال، لأنه من يدرس تاريخ المغرب يجد أن العملية ليست فيها قوة أو ضعف بقدر ما هي توازنات حزبية داخل المشهد السياسي بتأثيرات خفية. وهنا يجب أن نذكر بأنه إذا كانت حكومة التناوب وصلت إلى الحكومة بدون أن تحصل على أغلبية من الشعب، فقد كانت هناك أقليات أخرى، من توافقات أخرى، عبارة عن مقاعد موزعة بطريقة أخرى لجعل كل حزب في سلم معين. وبالتالي هذا الأمر ليس مرتبطا بقوة أو ضعف كل حزب بقدر ما هو مرتبط بمن سيؤدي دورا ما في فترة محددة تعطى له قوة أكثر. وهذا يجب أن نعترف به لأنه من جعل الاتحاد الدستوري قويا في 1983 ببرلمانييه هو الذي جعله ضعيفا ب16 برلمانيا في فترة من الفترات. لكننا كسياسيين كنا نقبل الخسائر لمصلحة البلد، لأن المقاعد في البرلمان محدودة، فإذا أخذت منك تعطى للآخر. لقد تم خلق أحزاب متعددة بعد 1983 تحمل نفس المرجعيات، وهناك أحزاب يسارية تخلت تماما عن برامجها وتفكيرها وأصبحت تتبنى الليبرالية، وبالتالي أصبح الاتحاد الاشتراكي بالنسبة للناخب المغربي يشبه الاتحاد الدستوري أو الاستقلال أو الأحرار وغيرها، إذ لم تعد المرجعيات واضحة في المشهد. الاتحاد الدستوري منذ نشأته وهو في البرلمان، كما أن له فريقا، وهو من كبار الأحزاب، وأكثر من ذلك أحيانا يتقوى بالضعيف لخلق السياسة القوية. - عندما تقول إن هناك جهات خفية تؤثر في التوازنات الحزبية، وأن من جعل الاتحاد الدستوري قويا في 1983 ببرلمانييه هو الذي جعله ضعيفا ب16 برلمانيا في فترة من الفترات. هل يعني ذلك أن الهدف الذي صنعتم من أجله انتهى وتم وضعكم جانبا؟ الاتحاد الدستوري لم يخلق وفق توصية معينة وإنما جاء كمطلب ملح لفتح فكر آخر. وإذا ذهبنا جدلا في هذا الكلام سنقول إن جميع الأحزاب التي تكونت أنهت مهامها، وإذا كان يمكن أن نتفق مع هذا الطرح، فإن الأحزاب اليسارية التي انتهت فكريا ودوليا هي التي يجب أن تنتهي، أما حزبنا فيتبنى الليبرالية التي تشكل 99 بالمائة من النظام الدولي، والتي تطبق حرفيا في البرامج الحكومية منذ نشأة الاتحاد الدستوري. كما أن الدستور المغربي أسس لليبرالية كالملكية والمبادرة، وهنالك 8 بنود تدستر الفكر الليبرالي. فالاتحاد الدستوري له وضع استراتيجي في الرتبة التي هو فيها الآن، ولو لم يكن في هذه الرتبة التي تراجع فيها لما كانت حكومة عبد الإله بنكيران وحكومة التناوب. فأحيانا يتموقع حزب في الوراء لدفع الدولة والمصالح العليا للبلاد إلى الأمام، فليس بالضرورة أن تخدم البلد حتى تكون حزبا أول، إذ يمكن أن تكون حزبا متوسطا في المعارضة وتقدم خدمات وتنازلات وكذا الدعم المباشر وغير المباشر من أجل الاستمرار في التوجهات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية العامة للبلاد. ولذلك كان الاتحاد الدستوري في جميع المحطات حاضرا كبرلمان وحزب، وقد اتفقنا في البداية أن نكون دولة المؤسسات، لأننا لا نقوم بالمعارضة في الشوارع ولا نقوم بها أيضا خارج المؤسسات، وإنما نعارض وفق بنية متوازنة، لأن المعارضة مع فئة ضد فئة أفسدت الحياة السياسية، ولذلك نرى أن المغرب افترق إلى فئات فأصبحت كل فئة ضد فئة أخرى. - سبق لرئيس الحكومة أن صرح بأن المعارضة معارضات. ألا يبدو هذا الأمر ينطبق عليكم داخل البرلمان لأن عملكم لا يكتسي الطابع المعارض؟ في الدول الديمقراطية يتم أحيانا بناء المعارضة قبل الأغلبية، وهذه قمة الوعي لخلق معارضة منسجمة وحكومة منسجمة. وإذا تكونت أغلبية غير منسجمة في مشهد متعدد ومختلف المرجعيات ستكون المعارضة، بالضرورة، غير منسجمة. فمثلا مرجعية اليسار لن تكون أبدا هي مرجعية اليمين. كما أن الفكر الليبرالي، الذي ينبني على السياسة الاقتصادية أولا، ثم السياسة ثانيا، ليس هو الفكر اليساري الاشتراكي الذي يشكل خطابا اجتماعيا حقوقيا. وأعتقد أنه ستأتي دورة أخرى للخطاب الاقتصادي، وقد يكون الاتحاد الدستوري فاعلا فيه، لأننا الآن جربنا الخطاب الاجتماعي الحقوقي ولم نأت بالتنمية، كما جربنا الخطاب الديني والشعبوي والاجتماعي ونلاحظ أنه ليس هناك تقدم ملموس على مستوى الحكومة الحالية. وأرى أن المجهود الوحيد الذي يخلق قوة اقتصادية ويحافظ على البنيات الاقتصادية الكبرى هو لجلالة الملك، لأن الأوراش الكبرى خلق لها ميكانيزمات قادرة على الذهاب بعيدا كما هو الشأن بالنسبة للطرق والسدود والمطارات وغيرها. ومقابل هذه السياسات، نجد هناك خطابات ممأسسة للفقر، فهناك 8 ملايين تقدم لهم بطاقات «راميد» وسيبقون فقراء ليستفيدوا منها، و5 ملايين ستقدم لهم 1000 درهم. - لكن عمليا يبدو أنكم لم تقدموا أي شيء على مستوى المعارضة ما يقع في البرلمان كواقع غير ما ينشر في الصحف، لأنه في نظر الرأي العام هناك أسلوب من المعارضة موروث من خلال الخطاب الانتقادي الانفعالي، الذي يخلق الفوضى والفرجة أكثر من المضمون، ولاحظنا أن هذه الفرجة كانت في السبعينيات والثمانينيات، واستمرت إلى الآن. وبالتالي فمن يقوم بالمعارضة بالنسبة للرأي العام والمتتبعين هو الذي يقوم بالفرجوية داخل البرلمان على أتفه الأسباب أحيانا، وربما يعمل على خلق أسباب وأحداث لا أصل لها ولا معنى لها. أما المعارضة الدستورية فتتمثل في تقديم المقترحات ومراقبة الحكومة والتصويت على القوانين، إذ هناك مساطر محددة لدور المعارضة، فنحن نعارض كل ما لا نتفق عليه، كما ندعم بعض القرارات ونصوت عليها لأن فيها مصلحة عامة، وأحيانا ننسق بين المعارضة في مواقف معينة، ولكننا لا نطلب من هيئة سياسية أن تعمل خارج مساطر المعارضة. فدور البرلمان ككل هو مراقبة الحكومة والتشريع، وهذا ما نمارسه كفريق برلمان. ننتقل إلى القضايا الداخلية للحزب. تثير خلافة الأمين العام الحالي نقاشا داخليا قويا، وسط وجود تيارين، أحدهما يطالب بعدم ترشح محمد أبيض من جديد، وآخر يطالب بالتجديد له. كيف تسير الأمور الآن؟ الاتحاد الدستوري مقبل على المؤتمر الخامس بعد 30 سنة من تأسيسه، وهو حزب تاريخي وقوي ومستمر، ومر به أكبر عدد من البرلمانيين على الإطلاق، وربما هو الحزب الأول على مستوى عدد البرلمانيين منذ سنة 1983 إلى الآن، لكنه أيضا يعرف، كباقي الأحزاب، مخاضا ونوعا من التغيير، لكن بطريقة هادئة. فالحزب ضروري أن يكون فيه تيار تجديدي وتيار محافظ، لكننا اتفقنا على ألا نحدد تاريخ المؤتمر إلا إذا اتفقنا على نجاحه. واللجنة الإدارية لازالت مفتوحة إلى الآن، ونجد أن الأمين العام رفع السقف، وقال إنه يجب أن يترشح إلى الأمانة العامة أكثر من خمسة أشخاص وكانت هذه المسألة مفاجئة لأنه لأول مرة يقوم أمين عام حزب سياسي بهذا الأمر. إضافة إلى أن المرشح يجب أن تتوفر فيه شروط الكفاءة المعرفية والنزاهة والسيرة الذاتية وإبراء الذمة. - هل يعني الاتفاق على إنجاح المؤتمر اعتماد منطق التوافقات؟ هناك ضرورة إلزامية وأخلاقية، في ظل الدستور الجديد وتنزيل قانون الأحزاب، هي الاحتكام إلى الديمقراطية، لكننا لن نحتكم إلى الديمقراطية المطلقة، لأن الديمقراطية شرط للاختيار، لكن لا بد من بعض التوافقات التي لا تخل بالديمقراطية. فعندما نتوافق على ترشيح شخص معين فلا بأس، أو عندما يترشح شخص وينسحب قناعة منه فهذا يدخل في التوافق، أو أننا نقنع شخصا بأنه مناضل كبير لكنه ليس أهلا لهذه المسؤولية. وأعتقد أننا دخلنا في مرحلة حوار ونقاش قوي جدا فيه وجهات نظر مختلفة، ولكن هناك اتفاقا على إنجاح المؤتمر لأنه لا بديل لنا لكي نتقدم داخل المشهد السياسي إلا بالحوار. والتأخير هو ناتج عن التدبير العملي لهذا الجانب الديمقراطي وجانب من التوافقات التي لا بد منها، على أساس تسهيل العملية الديمقراطية. - تحدثت عن إبراء الذمة، وأن شرط النزاهة ضروري للوصول إلى الأمانة العامة. رئيس الحكومة ووزير العدل سبق لهما أن اتهما رئيس الفريق الدستوري بمجلس المستشارين بالفاسد. لماذا لم تعبروا عن أي موقف في الموضوع؟ نحن دستوريون ومع احترام الدستور، والأخ إدريس الراضي مناضل وله تجربته ووزنه في منطقة الغرب ويقوم بدور كبير على مستوى المعارضة في مجلس المستشارين، ونحن دائما نكون بجانب المناضلين حتى تثبت في حقهم مسائل قضائية. نحن لا نتهم شخصا لمجرد الاتهام، فإذا كان رئيس الحكومة أو وزير العدل يتهم فهذه الاتهامات يجب أن تثبت، وحتى الراضي قال لهم إذا كانت لديهم أدلة فليثبتوها. وبالتالي لا يمكن أن نأخذ أي موقف من أي مناضل بدون وجود أدلة لأن التهم الآن في المغرب توزع على اليمين واليسار، ونحن لدينا بعض الإخوان الذين لديهم مشاكل وقمنا بتجميد عضوياتهم في انتظار أن يقول القضاء كلمته. وإذا قام القضاء بتبرئتهم فهم أعضاء بقوة القانون ومناضلون، وإذا ثبت في حقهم حكم قضائي يدينهم فالحزب سيتخذ قرارات صارمة في حقهم. وبالتالي أرى بأن إدريس الراضي غير معني بتلك الاتهامات وإذا اتهمه أي شخص كيفما كان مستواه فليثبتها، ولا يمكن اعتبار اتهام شفوي حكما قضائيا، إذ في ذلك جانب سياسي أكثر ما هو حقيقة. هناك حملات تمارسها بعض الجهات وتستغل المؤسسات، لأن البرلمان مكان للنقاش العمومي لخدمة المواطن وليس لتوجيه التهم، سواء مع الاتحاد أو غيره، وسواء مع المعارضة أو غيرها. - وماذا عن الاختلالات التي وقعت على مستوى «رسالة الأمة»؟ كانت هناك مشاكل بالنسبة ل«رسالة الأمة» فتمت إحالتها على خبراء محاسباتيين، قاموا بتقريرهم فوجدوا مجموعة من الاختلالات. وقد اتخذ الحزب قرارا في المعني بالأمر بأن أوقفه عن الجريدة وطرده من الحزب واسترجع كل الأشياء التي كانت فيها اختلالات. فالجريدة في ملك الحزب وتخضع له، لكنها أصبحت تشبه جريدة مستقلة وشركة ذات أسهم يوجد فيها مساهمون. - كانت هناك أيضا اختلاسات مفهوم الاختلاسات غير موجود، ولكن كانت هناك اختلالات مالية، حيث كان هناك تصرف في الأموال بطرق غير قانونية. لكن الحزب استرجع جميع الممتلكات وضبطها قانونيا ومازلنا في طور استكمال هذه العملية، والمعني بالأمر اتخذ في حقه إجراء لما ثبت بأن هناك خللا، وهذه هي المصداقية التي يجب أن تكون داخل المؤسسات والأحزاب، فبدون حجة لا يمكن الحديث عن التهم. - هل تعتقد بأن الحكومة توزع اتهامات مجانية في محاربة الفساد؟ يجب التحدث من موقع أخلاقي لأن الفساد واستغلال النفوذ موجودان في المؤسسات وفي المشهد العام ولا يجب إنكار ذلك، والتقارير الدولية والإقليمية واحتكاك المواطنين اليومي بكثير من الجهات المسؤولة يؤكد ذلك. ونحن، كليبراليين، ضد الفساد والاستبداد لأنه هو الذي يطوق التنمية الاقتصادية، وبعض التقارير توضح أن الفساد المالي قد يوقف التنمية لمدة عقود. لكنه لا يجب أن نعمم وأن نخلق من المغرب بحضارته وتاريخه دولة للفساد. صحيح أن الفساد موجود، لكن يجب معالجته ومحاربته حتى لا نضيع على الدولة الجانب الاقتصادي، خاصة أن محاربة الفساد أعلن عنها في ظل الأزمة الدولية والمحلية، ومحاربته في هذه الفترة لها أضرار أكثر من منافع. فالذين لا يدفعون الضرائب إذا تمت محاربتهم ستضيع الدولة في جلب الضرائب، لكن دفعهم إلى المأسسة والهيكلة عملية مهمة. وأعتقد أن العدالة والتنمية إذا كانت له حسنات فهي أنه جاء لمحاربة الفساد ومحاربة النفوذ وترشيد الحكامة، فهذه من الميزات التي جاء بها لأن الحكومة المكونة مع العدالة هي التي قادت المغرب إلى هذه الوضعية، لكن العدالة والتنمية له مرجعية وخطاب واضحان ليحارب الفساد والنفوذ ونحن معه، لكن لدينا منهجية في التعامل تتمثل في أننا يجب أن نتريث في محاربة الفساد لكي لا تضيع الدولة اقتصاديا، إذ يجب التدرج بدءا من المعالجة إلى المحاربة ثم الوصول إلى القضاء. - هناك شخصيات وازنة وجمعيات انسحبت من الحوار الوطني حول المجتمع المدني، لكنك بقيت مشاركا فيه، رغم انتمائك إلى حزب معارض. أليس في ذلك نوعا من التناقض؟ لما استدعيت إلى اللجنة وتعرفت عليها وجدت أنها احترمت جميع الحساسيات، وأنا دعيت كفاعل في مجتمع مدني، أترأس ثلاث جمعيات، ولدي وضع سياسي. لقد لاحظت أن هذه اللجنة تجمع حساسيات مختلفة بدون احتكار جهة لأخرى. المنسحبون أو المعارضون لهم الحق في ذلك، ولكن يجب استحضار 93 ألف جمعية. المنسحبون لهم توجه حقوقي وعدد الجمعيات الحقوقية في المغرب لا يتجاوز 50 جمعية، فالجمعيات التي تكونت منذ خمس سنوات فقط تصل إلى حوالي 40 ألفا. وبالتالي هناك صعوبة في التمثيلية في اللجنة، لكن هناك كل الفئات، وهذه لجنة لتنظيم الحوار الذي سيكون مع الجميع. لكن هناك فكرا إقصائيا لدى بعض الإخوان مع الأسف، حيث يشترطون إذا دخلوا الحوار أن ينسحب آخرون، وهذا لا يمكن، فإما أن أكون مسؤولا عن الحوار أو لا أكون. وحتى حامي الدين، الذي هو مقرر عام، فمن حقه كأستاذ جامعي أن يكون ممثلا في اللجنة ولا يمكن إقصاؤه لأنه ينتمي للعدالة والتمية، فالرئيس لا ينتمي إلى هذا الحزب ونفس الأمر بالنسبة لباقي الأعضاء. - وماذا عن الشخصيات الوازنة التي انسحبت؟ لا نريد أن نتحدث عن أشخاص أو معلومات غير مدققة. لكن ذكر الشخص بدون مؤسسة هذا مشكل لأننا نتحدث عن مؤسسات المجتمع المدني، ففرضا أن وزيرا سابقا أو عاملا أو واليا إذا كان يتحدث عن نفسه فهو ليس من المجتمع المدني. صحيح أن هناك خبراء وأكاديميين يمكن أن يعطوا قيمة مضافة، لكن هذا بدون بشروط. وحسب علمي، كل الذين كانوا في حوار مع الرئيس وانسحبوا، فعلوا ذلك لأنهم اشترطوا شروطا. يجب أن نكون منطقيين لأن هذه مبادرة حكومية ويجب أن تكون بصمة حكومية عليها، إذ لا يمكن أن نتخيل إقصاء مكونات الحكومة ككل للدخول كمعارضة ونفرض شروطا. وما أتمناه أن نعيش روح الدستور الذي لم ندخل فيه، لأن لدينا دستورا جد متطور، لكننا نمارس سلوك وفكر ما قبل دستور 1996.
هذا موقفنا من حركة 20 فبراير - هل كنتم ضد خروج حركة 20 فبراير؟ أبدا، بل كنت طالبت بأن نتعامل بوعي وبمسؤولية وبترشيد مع الشباب المغربي لأن حركة 20 فبراير تمثل شبابا مغربيا متحررا يريد أن ينفتح، وأي حزب لا يتعامل مع أي ظاهرة مجتمعية تظهر ليس بحزب، بل يجب أن يتعامل ويستجيب. قد نأخذ موقفا معينا من هذه الحركة لأننا نختلف معها في السقف الذي رفع في المطالب، لكننا معها كمطالب اجتماعية وحقوقية ومدنية. - وماذا عن المطالب السياسية، إذ أن حركة 20 فبراير كان لها الفضل في وضع الدستور الجديد؟ الاتحاد الدستوري ينبني دائما على فكر دستوري، فجميع المطالب السياسية قد نختلف حولها إلا المقدسات، فرفع السقف فوق المقدسات أمر نرفضه لأننا سندخل في اللادستور. ولذلك تحديد السقف هو الذي ترك المغرب في هذه «الأريحية»، لأن رفع السقف في السياسة بدون مسؤولية وبدون مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية وخصوصية المغرب قد يؤدي بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه. - السقف كان هو الملكية البرلمانية، وحتى بعض الوزراء في الحكومة مازالوا يؤمنون بهذا المطلب. نحن نؤمن بسياسة التدرج حتى في الدستور، وشخصيا أعتبر الدستور الحالي دستورا متضخما، لأنه وقعت ضغوطات لدسترة كثير من الأشياء غير الناضجة، لأنه في دستور 1996 دسترنا كثيرا من القضايا التي لم نستطع أن نطبقها، كدسترة الحق في الشغل، لأن الدستور يحمل مضامين مالية للتطبيق. فبخصوص حق المواطنين في الصحة، ترى وزارة الصحة أنه لتطبيق هذا الحق الدستوري وتقديم الخدمات الصحية ل60 أو 65 في المائة من المواطنين يجب مضاعفة ميزانية هذا القطاع، التي هي 13 مليار درهم، لذلك يجب أن تخلق موارد مالية. وهذا ينطبق أيضا على الحق في الشغل والحق في التعليم والشغل وغيرها من الحقوق. ولذلك لا يجب أن ندستر أشياء بدون خلق الثروات.