تتوالى ردود الفعل الوطنية الغاضبة والمنددة بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل سفارة بلاده إِلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة لدولة إِسرائيل، حيث عبر البرلمان المغربي بمجلسيه، النواب والمستشارين، وبكافة مكوناته السياسية والاجتماعية وأجهزته المسؤولة، عن رفضه الشديد لهذا القرار، باعتباره يفتقد إلى "أي سند قانوني أو سياسي أو أَخلاقي"، ويمس بشكل صريح ب"الشرعية الدولية وبقرارات الأُمم المتحدة ومجلس الأَمن ذات الصلة." وقال البيان الصادر عن الجلسة البرلمانية المشتركة بين كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، والتي انعقدت مساء أمس الاثنين، والتي حضرها سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، وكذا جمال الشوبكي، سفير دولة فلسطين بالرباط، (قال) إن هذا القرار "سيُسْقِطُ عن الولاياتالمتحدة الأَمريكية صفةَ الدولة الكبرى الراعية للسلام في الشرق الأَوسط ويُحوِّل وضعها الاعتباري من حكم إِلى خصم في مسلسل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويَعْدِلُ بقضية القدس، المدينةِ والمقَدَّساتِ، من نقطةٍ مُدْرَجةٍ ضمن مُفَاوَضَاتِ الحَلِّ النهائي إلى أولويةٍ في الصراع والسجال والنقاش، وفي أي تفاوض بين أطراف النزاع، إِذا ما كُتبَ لهذا التفاوض المُفْتَرض أن يَحْدُثَ." وأضاف البيان ذاته، والذي توصلت "رسالة 24" بنسخة منه، أن قرار دونالد ترامب "يُعْطي الانطباع بإِرادة أمريكية صريحة في وأد كل أملل في الحوار وفي إِقْبَار سيرورةِ التفاوُضِ والبحث عن أُفُقٍ للحل." وأشاد أعضاء المؤسسة التشريعية، الذين توشحوا ب "الكوفية" الفلسطينية، ب"مواقف ومبادرات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أَمير المؤمنين ورئيسِ لجنةِ القدس الشريف، وبالخصوص رسالةَ جلالتِهِ إلى الرئيس الأمريكي، باسم سَبْعٍ وخمسين دولة وأكثر من مليار مواطن مسلم، لِثَنْيِهِ عن قراره بنقل سفارة بلاده والاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل." وثمنوا "عاليا الروحَ السمحةَ التي عبَّر بها جلالةُ الملك عن الموقف المغربي، وعن الموقف العربي والإسلامي، وعَمَّا تشكِّلُه مدينةُ القدس من أهميةٍ قصوى، سواء بالنسبة لأطرافِ النزاع في منطقة الشرق الأوسط أو بالنسبة لأَتباع الديانات السماوية الثلاث، وخصوصية دينية متفردة، وعمق تاريخي حضاري عريق، ورمزية سياسية، وأفق للتعايش والتسامح." هذا، وحمل برلمانيو المجلسين رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية مسؤولية "ما ستؤول إليه الأَوضاع في الشرق الأوسط وفي العالم من انعدام الثقةِ في الشرعية الدولية، ولامبالاةٍ بالقانون الدولي، وتَنَامٍ للكراهية والأَحقاد والعنف والتعصُّب الديني والغُلُوِّ في الأَفكار والتطرُّف في الأَقوال والأَفعال، والمزيد من الإحساس بالغُبْن والظلْم وانعدام العدل والإِنصاف." كما عبروا عن أَملهم، في أن يواصل المُنْتَظَم الدولي -وضمنه مختلف المنظمات والمنتديات والمحافل البرلمانية الدولية والجهوية والإِقليمية- عَزْلَ هذا القرار الأمريكي، والعمل على صيانةِ أفق التفاوض والحوار بين الفلسطينيين والإِسرائيليين على أساسِ حَلِّ الدولَتيْن وتمكينِ الشعب الفلسطيني من استقلاله وبناء دولته الوطنية على أَرضه داخل حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وكان الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، قد أكد في افتتاح الجلسة البرلمانية المشتركة، أن قرار ترامب بنَقْلِ سفارة بلاده إلى مدينة القدس، "لا يتعلقُ بقرار دبلوماسي سيادي للولايات المتحِدَة الأمريكية، وإِنما هو قرارٌ منفردٌ يَمَسُّ القضيةَ الفلسطينيةَ في الصميم، وحقوق الشَّعْبِ الفلسطيني، والحقوقَ الدينيةَ والروحيةَ والعقائديةَ للمسلمين والمسيحيين كافَّة في مقدساتهم داخل القدس الشريف." وأبدى المالكي استغرابه من أن هذا القرار يأتي "في الذكرى المئوية لقرار وعد بلفور سيء الذكر، وبعد مرور حوالي أسبوع فقط على اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني"، مضيفا أن هذا الأمر "يبعث على الاعتقاد بأنه قرار يستخف حقا بمنظمة الأممالمتحدة، ويضرب عرض الحائط بميثاقها وقراراتها، وكذا بالقانون الدولي والشرعية الدولية على السواء." ووصف رئيس مجلس النواب القرار المذكور ب"فاقد للشرعية وللمصداقية"، و "لأَيِّ سَنَدٍ عقلاني منطقي ولكل بعد مبدئي قانوني وأَخلاقي"، فَضْلاً عن أَنَّهُ قرار يطلق أَيْدي المسؤولين الإِسرائيليين لممارسة شريعة الغَاب"، ويقفز على التاريخ، ويجانب الصَّواب، ويتسخف بالقوانين والشرعية الدولية، ويُعَقّد الأَوضاع على الأَرض بل ويَزيدُها تدهوُراً وهشاشةً. وأضاف أنه قرار يأتي لدفن كل أمل في السلام في منطقة الشرق الأوسط، ويجعل الولاياتالمتحدة غير مؤهلة لتكون راعية للسلام، مما يجعلها خصما لا حكما في سيرورة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي كانت قد جعلت من قضية القدس، المدينة والمقدسات، بندا من بنود مفاوضات الحل النهائي. بدوره، قال حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس يشكل "اعتداء صارخا على الشرعية الدولية وتعارضا صريحا مع أحكام القانون الدولي وجميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الشأن وتحديا سافرا للضمير الإنساني العالمي." وحذر بنشماش من خطورة هذه الخطوة التي تعمل على تقويض الجهود الدولية الهادفة لتحقيق السلام، بل أكثر من ذلك يمكنها أن تزج بالمنطقة في مزيد من التوترات والصراعات التي تهدد السلم والأمن الدوليين. وذكر بالرسالة التي بعث بها جلالة الملك إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والتي أكد فيها جلالته على أن "المساس بالوضع القانوني والتاريخي المتعارف عليه للقدس، ينطوي على خطر الزج بالقضية في متاهات الصراعات الدينية والعقائدية، والمس بالجهود الدولية الهادفة لخلق أجواء ملائمة لاستئناف مفاوضات السلام. كما قد يفضي إلى مزيد من التوتر والاحتقان، وتقويض كل فرص السلام، ناهيك عما قد يسببه من تنامي ظاهرة العنف والتطرف". وبعد أن عبر عن مساندة ودعم كل الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة بتعليمات ملكية سامية، دعا بنشماش المنتظم الدولي إلى أخذ الخطوات العملية للتصدي لهذا القرار واعتبار قضية القدس هي المبتدأ والمنتهى لأي حل لنزاعات منطقة الشرق الأوسط وانقاذ ما تبقى من فرص السلام بالمنطقة. من جانبها، أكدت الفرق والمجموعات البرلمانية بمجلسي البرلمان على أن القدس كانت وستبقى دوما عاصمة لدولة فلسطين، مؤكدين على أن القضية الفلسطينية تمثل بالنسبة للمغاربة قضية وطنية لا تقبل سوى الحل العادل والمنصف دون أي انحياز سلبي، داعيين في مداخلاتهم بإطلاق إسم "القدس" على القاعة رقم 11 بمجلس النواب. وفي كلمته باسم، الفريق الدستوري الديمقراطي الإجتماعي بمجلس المستشارين، أشاد إدريس الراضي، رئيس الفريق بموقف جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس ، والمتمثل في الرسالة الموجهة إلى ترامب، مؤكدا أن موقف جلالته بشأن القرار الأمريكي كان "واضحا وجريئا، ومسؤولا وحافظا لحقوق الشعب الفلسطيني، في سيادته على القدس"، كما أنه كان منبها "إلى ما قد يكون لهذا القرار من تأثير على الدور الريادي لأمريكا كراعية للسلام." وقال الراضي إن ترامب ضرب بقراره المذكور "عرض الحائط المواثيق الدولية، ومسار مسلسل السلام"، مضيفا أن هذا القرار "لم يحترم تحالفات الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة العربية"، كما أنه "لم يحترم أصدقاء الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها الأوروبيين، وتجاوز التريث الذي طبع سابقيه من الرؤساء منذ سنة 1995." وسجل رئيس الفرق الدستوري الاجتماعي الديمقراطي أن قرار ترامب "تجاهل الوضع الهش الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط، وأعطى ذريعة كبيرة لمحترفي الإرهاب العالمي بكل أشكاله وأنواعه على الاستمرار في نشر الكراهية بين الشعوب والديانات والثقافات، مستغلة من جديد تجنيد الشباب العربي والمسلم، الفاقد للأمل، واليائس من المستقبل والمتعب بنوائب النزاعات والصراعات داخل الأمة العربية والإسلامية ." واعتبر المسشار البرلماني أن عقد البرلمان المغربي لهذه الجلسة المشتركة بين مجلسيه، ومسيرة الشعب المغربي ليوم الأحد الماضي تمثل "تجسيدا آخرا بالحس القومي لدى برلمانيي الأمة، وانسجامهم مع المواقف الثابتة رسمية كانت أو شعبية من قضايا تحدد مصير الأمة العربية والإسلامية جمعاء." وتساءل الراضي عن ما يريده ترامب من هذا القرار؟ حيث أشار إلى أنه "منذ توليه رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية اتخذ عدة قرارات ، معظمها تحكم فيه منطق المعاكسة والمشاكسة، مثل انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من اتفاقيات دولية حولها إجماع ، مرتبطة بمصير الكرة الأرضية، ومستقبل شعوبها." وتابع الراضي أن ترامب وهو يتخذ قرار اليوم "يهدد الاستقرار والأمن والسلام العاليين. ويؤجج روح العداء والعنف والعنف المضاد والصراعات بين الشعوب "، مضيفا أنه "أحرج حلفاء أمريكا سواء في الدول العربية أو الدول الإسلامية، وزعزع مناخ الثقة بين شعوب المنطقة وكرس جو الفتن والصراعات وأجج عداء الشعوب العربية والإسلامية للولايات المتحدةالأمريكية." وزاد الراضي أن قرار ترامب "أزم وضع أمريكا كراعية للسلام في الشرق الأوسط، وأجهز على كفائتها في إدارة مفاوضات السلام" ، وضرب "عرض الحائط كل المجهودات التي بذلتها حكومات الولاياتالمتحدةالأمريكية المتعاقبة من أجل إحلال السلم والأمن بمنطقة الشرق الأوسط ." ووصف المستشار البرلماني هذا القرار ب"الضارة النافعة"، مشيرا إلى أنه أعاد القضية الفلسطينية إلى الصدارة والاهتمام الدوليين، ولا سيما الشارع بالعالم العربي والإسلامي، وأنه سيكون "انطلاقة لمراجعة النظام العربي المتشتت في أفق ترميم الصفوف العربية وتكثيف جهودها وإعادة النظر في أولوياتها." وختم الراضي كلمته بالتأكيد على ترامب "ما كان ليجرأ على هذه المغامرة لولا الوضع العربي المأزوم والنتائج الكارثية لما سمي بالربيع العربي"، وهو ما يقتضي، بحسبه "مواجهة أسبابه وتداعياته ومعالجة إشكالاته، بكل تضامن ومسؤولية بعيدا عن الحسابات السياسية المفتعلة والخادمة لمصالح صغرى على حساب مستقبل الشعوب العربية والإسلامية وأنظمتها وحقها في التنمية والازدهار والاستقرار."