لا يتورع السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن يمنحنا تباشير الحلم بالرخاء، وفق مؤشرات اقتصادية وصفها بالإيجابية والواعدة وأنها تكشف عن تطورات مشجعة للاقتصاد الوطني، مضيفا في ندوته الصحفية التي عقدها عشية اختتام المجلس الحكومي الخميس الماضي، أن الفعالية الاقتصادية لأي حكومة تُقاس بفرص الشغل وبالاستثمارات والتنافسية إلى جانب الاستثمارات الأجنبية. كلام الوزير جميل، لكنه غير معقول، لأنه مجرد إنشاء، بلاغته تتهاوى من تلقاء ذاتها أمام معطيات الواقع المتحرك، كما يؤكده الخطاب الرسمي نفسه، فرئيس الحكومة سبق وأن قال بعظمة لسانه، قبل أيام وليس أشهر: "يمكن أن نتخذ إجراءات مؤلمة ولكنها ضرورية، لأن مجيئنا إلى الحكومة كان في إطار الأزمة التي لا يمكن تجاوزها بالابتسامات والزيادات في التقاعد والأجور وخفض الأثمنة"، قبل أن يضيف "إننا اليوم أمام وضعية اقتصادية ومؤشرات تنذر بالصعوبات في المستقبل". فكيف يتسنى لنا أن نصدق الخلفي ونكذب عبد الإله بنكيران، مع أن الأول ناطق رسمي باسم الحكومة التي يرأسها الثاني. ربما يظن هؤلاء الناس أنهم لا يقرأون إلا أنفسهم أو يكذبون ويصدقون كذبهم. ولنترك تضاد الخطابات وتنافرها، ولنعد إلى ما ورد في خطاب الناطق الرسمي من مؤشرات اعتبرها عناصر محددة للفعالية الاقتصادية للحكومة، ولننطلق من التنافسية، التي جاء حولها في تقرير حكومي صدر في منتصف شهر ماي الماضي، بأن الصادرات المغربية تميزت بعرض متمركز حول بعض المنتجات٬ ومستوى تنويع أسواق التصدير أدنى مقارنة مع العديد من البلدان المنافسة٬ وتسجيل ضعف على الصعيد التكنولوجي لأغلبية المنتوجات الموجهة للتصدير٬ ويد عاملة ضعيفة التأهيل وكذا ضعف على مستوى الابتكار والبحث - التنمية. نكتفي بهذه الفقرة، ولنترك للسيد الوزير الذي هو في نفس الوقت صحافي ومتتبع لمستجدات الساحة، أن يعود للتمعن فيما يصدره زملاؤه في باقي الوزارات من تقارير، وكذا الدراسات المنجزة من طرف بعض المؤسسات الرسمية كبنك المغرب والخزينة والمندوبية السامية للتخطيط. الخلفي أكد في نفس الندوة على أن من أهم المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطني، ارتفاع نسبة الاستثمارات الأجنبية بالمغرب، خلال سنة 2013 مقارنة بسنة 2012 بأزيد من 48 بالمائة. وتعليقا على ما جاء في كلام الوزير حول هذه النقطة، لا يمكننا إلا أن نهمس في أذنه بأن الأرقام تخدع في كثير من الأحيان، أما إذا كان التحجج بها يروم خداع الرأي العام، فلا يسعنا إلا أن نقول له على لسان شاعر: " الأشجار تختصر الفصول". وإذا كان توضيح الواضحات من المفضحات، فما علينا إلا أن نوضح أن الاستثمارات لا تتحدد بالحجم بل بالكيف، وبالقيمة المضافة التي تنعكس على الميزان التجاري، ولنعطي مثالا بتركيا القريبة إلى قلب حزب العدالة والتنمية، فهذه الأخيرة قوت صادراتها نحو المغرب بنسبة 4 بالمائة، لتضاعف بذلك من عجز الميزان التجاري المغربي لفائدتها عدة مرات، وأنها استغلت سياسة الانفتاح لفائدتها لأن لديها ما تصدره. فهل المغرب يتوفر على عرض تسويقي كافية ومتنوع يستحضر متطلبات السوق التركية، إلى جانب اعتماد السياسات الإصلاحية المتعلقة بعدة مجالات لتطوير تنافسيته الاقتصادية. وما قيل عن تركيا يمكن أن يقال عن فرنسا، التي نفتخر بأنها تعد الزبون الأول على مستوى وارداتنا، وننسى أن المغرب يحتل المرتبة 18 بالنسبة لزبناء فرنسا، ولا نحتاج الإشارة إلى طبيعة الاستثمارات الفرنسية بالمغرب وماذا يستفيد منها هذا الأخير، وكم تكلف خزينة الدولة من عملة صعبة يتم تحويلها كأرباح إلى الخارج لفائدة الشركات الفرنسية، إضافة إلى طبيعة الإنتاج والخدمات التي تستغلها وتروجها في حدود السوق المحلي. السيد الوزير، قس على ذلك، وزن كلماتك، و قبل أن تتحدث، لم يكن عليك أن تنسى أن هناك وضعا اجتماعيا كل مؤشراته تفيد أن المغرب يقبع ضمن مجموعة الدول ذات مستوى التنمية المتوسط، بالرتبة 130 من بين 187 دولة درسها تقرير التنمية البشرية العالمي لسنة 2013، وأي ادعاء يروم الكذب على الذقون فإنه يخالف السنة والمذهب، بمنطق حزب العدالة والتنمية.