من أبرز المظاهر التي تستأثر باهتمام المتتبعين في علاقتها بالأجواء الرمضانية وهي " الترمضينة " حيث حوارت يومية من مشاهد عديدة تعرفها مختلف الأزقة والشوارع في المغرب فضلا عن ردود فعل عنيفة يصدرها بعض الصائمين ، فهذه الظاهرة تتزامن دائما مع حلول شهر رمضان كما يتضاعف بسببها حجم الوافدين على أقسام المستعجلات . عندما كانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الزوال في سويقة حي اليوسفية بالعاصمة الرباط قام أحد باعة الخضر بالصراخ بطريقة وصفها الجميع بالهيستيرية بعد ذلك صب جام غضبه على أحد المارة المتبضعين قائلا : "مالك كتشوف فيا واش ماعجبتكش"، "بدل الساعة بأخرى قبل مندير فيك يدي" بعد ذلك تدخل البعض لتهدئته إلا أنه استمر في الصراخ ونعتهم بأقبح الأوصاف قبل أن يصمت لبرهة ويقول "خرجتوا مني الهضرة اللهم أني صائم "، ف" ترمضينة " البعض تمثل فرصة بالنسبة لهم لإظهار مختلف السلوكات السيئة التي تعتبر لصيقة بشخصيتهم، وكأنهم يأمرون البقية بعدم الاقتراب أو التدخل فقط لأنهم صائمون، في إشارة تحذيرية مسبقة تكسبهم نوعا من الهالة والهيبة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمجاورتهم لأناس يمارسون نفس الحرفة . وفي مستهل تعليقه أكد محمد رجل تعليم التقته الجريدة بالحي السالف الذكر على أن الطامة الكبرى ليست في الكلام الساقط والنابي وإنما في كثير من الأحيان تخرج الأمور عن نطاق السيطرة حيث يقوم الباعة بالتراشق باستخدام الصناديق الخشبية أو بعض الأدوات الحادة من سكاكين لتهديد كل من يزعجهم أو يضايقهم ، وأحيانا ينتج عن التهديد ارتكاب جرائم قتل أو التسبب في عاهات مستديمة . ومن جهة أخرى، أفاد العديد من المتتبعين ل " رسالة الأمة " أنه في وقت الذروة يتم التدفق على مختلف أجنحة أقسام المستعجلات من أجل فحوصات وعلاجات استباقية بالمستشفيات، تنطلق ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال إلى مابعد وجبة الإفطار، إذ تشهد الشوارع ارتباطا بذلك حركة دؤوبة وصفيرا غير منقطع من قبل سيارات الإسعاف والوقاية المدنية ، في حين ربطت مصادر طبية أسباب ذلك إلى حالات التوتر والضغط التي تعتبر السمة البارزة للباعة المتجولين بمختلف الساحات العمومية ،حيث تنشأ ملاسنات وتبادل للألفاظ البذيئة والنابية، يعقبها أحيانا عراك وتشابك بالأيدي، تتطور مضاعفاته وفق ذات المصادر إلى استعمال السلاح الأبيض الذي غالبا مايؤدي إلى أحداث مأساوية تنتهي بجرائم وعاهات مستديمة، وجراح غائرة وندوب وخدوش تحمل بصمة ما وصفته المصادر نفسها "بالترمضينة". من جانبه، أكد مصدر طبي أن مجمل الحالات التي تفد على مصالح المستعجلات خلال نهار شهر رمضان تتمثل في ضحايا الضرب والجرح، وحوادث السير الطرقي التي تشهد ارتفاعا ملحوظا خلال الأنصاف الأخيرة من كل يوم، إضافة إلى حالات مرتبطة بمضاعفات داء السكري وارتفاع الضغط الدموي، ونوبات الربو والصرع والاختلالات الوظيفية للجهاز الهضمي. إلى ذلك، ربطت مصادر متطابقة تنامي الحالات الوافدة على أقسام المستعجلات إلى كون شهر رمضان يكشف العديد من الاختلالات الناتجة عما أسمته بالتحولات "الأيضية" التي غالبا ما تثير تقلبات مزاجية وضغوطات نفسية، تأخذ منحى خطيرا في تصريفها في حال عدم ضبط السلوكات ، ورجحت المصادر ذاتها أن تكون الحالات الأكثر تعقيدا ذات صلة بالمدمنين على الخمور والمخدرات ،إذ ينخرطون في صدامات ومواجهات تتميز بفقدان السيطرة وغياب ضبط النفس والتهور الذي تؤول نتائجه إلى ولوج البعض إلى أقسام المستعجلات، فيما يعرض آخرون على أنظار العدالة من أجل تهم منسوبة إليهم تندرج تمظهراتها ضمن أجواء "الترمضينة" وتنعكس تجلياتها على الجو العام للعلاقات الاجتماعية سيما وأن شهر رمضان شهر التسامح والأخلاق الحميدة، حيث ينأى الصائم بنفسه عن مختلف أشكال الصراعات أيا كان نوعها والسبب وراءها .