المعرض الدولي (اليوتيس) الذي نظم بأكادير, بغض النظر عن عدد زواره , له من دون شك مزايا تتجاوز الزمن والمكان . فهذه التظاهرة, وهي على غرار المعرض الدولى للفلاحة بمكناس, تخرج قطاع الصيد من دائرة الصمت المحاط به ومن دوامة الروتين المهني الصرفإ الى آفاق أرحب وتدفع به لملامسة تقاطعاته وتفاعلاته الواسعة على الساحة الاقتصادية والاجتماعية . بالطبع' وكما نقلت التقارير, فالمعرض المقام بعاصمة سوس شكل مناسبة سانحة للوقوف على واقع الصيد البحري, من حيث مردوديته, ومن حيث حاجيات تطويره' وكذا على أوضاع المهنيين ورؤيتهم لمستقبل القطاع ورهاناته وتحدياه . ومعلوم أن هيكلة هذا القطاع تعد حديثة نسبيا' وان مجال الصيد البحري كان إلى عهد قريبأ اشبه ما يكون بالاقتصاد اللاشكلي. وتتوزع صورته بين بؤس ظروف الصيد التقليدي والساحلي وبين (رمز اقتصاد الريع) بالنسبة لما يعرف بالصيد في أعالي البحار. ثم جاءت مرحلة دخول البواخر الأجنبية إلى المصايد المغربية, فالتوقيع لاتفاقيات الصيد بن المغرب والاتحاد الاوربي مع ما عرفته من أطواره' وما أثارته من جدال في صفوف المهنيين المغاربة وبينهم وبين سلطات بلادهم في المراحل الاولى . أما اليوم, وبمعطيات الآنية, فيمكن اعتبار الصيد البحري كقطاع اقتصادي بخصوصية واضحة وبإشكاليات تنطوي على عدة تساؤلات, وتنقسم إلى محورين : المحور الأول ينحصر في الجانب المهني او الإنتاجي للقطاع' حيث أضحى المغرب يحتل الصف الاول في إنتاج السمك بين الدول الإفريقية, ويأتي في المرتبة 25 عالميا . وإن كان حجم الإنتاج السمكي قد عرف زيادة تراوحت بين 23 بالمائة للفرع الساحلي و24 بالمائة للتقليدي'فان المفارقة المثيرة هي أن النسبة المخصصة لتموين السوق الداخلية لاستهلاك المنتوجات الطازجة لا تتجاوز 20 بالمائة من مجموع المحصول الذي يمر عبر أسواق الجملة. علما بان المهنيين او المجهزين يؤكدون أن الكميات التي تأخذها البواخر الأوروبية من المياه المغربية هي فائض عن طاقات وإمكانيات البواخر المغربية . أيضا في الجانب المهني هناك ما يخص العلاقات بين أطراف الإنتاج من أصحاب المراكب والمجهزين والعاملين, بحيث إن هذه العلاقات في مجملها مازالت عبارة عن تعاقد تقليدي, بالإضافة إلى الوضعية الخاصة لمهنيي الصيد التقليدي الذي يقدر ب 14 الف قارب . أما المحور الثاني فيتعلق بتدبر الثروة السمكية وآليات وشروط استغلالها. وكل مواطن يفهم ان الثروة السمكية في المياه الاقليمية الوطنية هي ثروة طبيعية للدولة المغربية كالثروة الغابوية او الفوسفاط اوغيره من المعادن والمواد المختزنة بباطن الأرض . وربما ان التصريحات الحكومية الآن تعمد الى إزاحة الطابع الخام عن الثروة السمكية' بإبراز تدخلها واستثماراتها التي همت تجهيز اسواق الجملة للسمك , وثمن المحروقات, وبناء قرى الصيد, وتوفير بعض التجهيزات , وهذه عناصر لا تنكر . لكن يبقى السؤال المؤرق هنا هو لماذا لا يستفيد المغاربة في تغذيتهم من السمك ومن منتوجات الصيد البحري بصفة عامة؟ لماذا تجمدت نسبة استهلاك المغاربة من الاسماك في حدود 12 كلغم في السنة؟ أي الكيلوغرام الواحد في الشهر . لا مجال لتفسير هذا (العزوف) فقط بالثقافة الغذائية للمغاربة, لأن عنصر الأسعار له دوره هنا, وربما انه العنصر الأساسي الذي ينضاف إليه أيضا ضعف أو غياب تجهيزات تسويق وعرض وحفظ منتوجات البحر, وخاصة خارج المدن. إنه تناقض صارخ بين غنى المغرب بثروته السمكية وفقر غذاء المغاربة وخلو مائدتهم من خيرات البحر وسواحلهم المتوسطية والاطلسية . هذا ليس وحده الذي يدفع لاقتحام سؤال تدبير واستغلال الثروة السمكية, ولمن تذهب عائداتها ومواردها؟ وما هي قنوات منح امتياز الوصول الى غنائم البحر؟ . صلة بما سبق : صادق البرلمان المغربي مؤخرا على قانون إحداث الوكالة الوطنية للأحياء البحرية' وتنكب الوكالة الآن على انجاز مجموعة من الدراسات التي سينبني عليها عملها . عمل الوكالة يندرج, من دون شك. في سياق النظرة المستقبلية للقطاع ' لكن ما ذا بشان عدم استغلال الامكانيات المتاحة الآن والعجز الحاصل في الاستفادة من المؤهلات التي تتحدث عنها الوثائق الرسمية .