ماذا كان ينتظر المسؤولون عن مدينة مراكش لاحتواء الغضب الشعبي المتولد عن الإرتفاع الصاروخي لأسعار الماء والكهرباء منذ مدة؟ هل نحتاج للانفجارات الاجتماعية كي نتحرك؟ هل مراكش في حاجة إلى ترك بؤر التوتر عرضة للريح تؤجج الوضع على نار هادئة؟ منذ أكثر من سنة والاحتجاجات في تصاعد بسيدي يوسف بن علي والمسيرة والمحاميد، حتى قاربت الأزمة أن تصل إلى عصيان شعبي جماعي عن أداء الفواتير؛ ورغم التدخل من طرف السلطات المحلية، في شكل حلول تتمثل في استبدال العدادات وفصلها وتقسيم أشطر الأداء، فإن ذلك لم يفلح في نزع الفتيل، ما يعني أن ما تمت تلبيته من طلبات لم يكن في حجم الانتظارات الشعبية ولم يخفف من حدة القهر الذي أصاب المواطنين جراء صدمة الارتفاعات الصاروخية للأثمان، في منطقة هامشية ترزح تحت الفقر، وتجر خلفها بؤرا خامدة للتوتر الاجتماعي. الاحتجاجات على خدمات لا راديما ظلت ككرة الثلج تتدحرج وتكبر يوما بعد يوم لتصل إلى حالة الفلتان التي وصلتها اليوم. ما حصل اليوم في سيدي يوسف، وما خلفه من إصابات في صفوف المواطنين، سواء كانوا من المحتجين أو من رجال الأمن كان يمكن تفاديه لو لم ترتكب أخطاء قاتلة: أولا في رفع الأسعار بشكل يجعلها غير مستساغة. ثانيا في شكل التعاطي الذي يحاول احتواء الأزمة بردود أفعال من أجل التسكين إلى حين. ما حصل في سيدي يوسف بن علي عنوان للعب بالنار، ورسالة إلى الجهات المسؤولة محليا وإلى حكومة بنكيران حول استهانتهم بمس القدرة الشرائية للمواطنين؛ فثمة دائما نيران خامدة تغلي على صفيح وقد تشتعل في أي وقت. وقد عاشت منطقة سيدي يوسف بن علي على ايقاع ساخن يوم الجمعة الماضي، بعد ان حاصرتها قوات الأمن من جميع المداخل والمعابر لتصبح فيما يشبه منطقة معزولة، وعاينت " رسالة الأمة" التطويق الأمني المكثف. بينما أكدت مصادر من داخل المنطقة أن الوضع لم يستقر بعد، مشددة على أن حالات الاعتقال التي بلغت 30 هي التي أذكت نار التأجج داخل المنطقة، قبل أن يتم إخلاء سبيل معظم الموقوفين ليتم الاحتفاظ ب 7 اشخاص وإحالتهم على المراقبة القضائية للاشتباه في تورطهم في أحداث الشغب المذكورة. وأفادت مصادرنا أن مسيرة احتجاجية سلمية ظلت تجوب الشوارع الرئيسية بسيدي يوسف بن علي مطالبة بالإفراج الفوري عن ضحايا اعتقال يوم السبت، والذي قالت عنه مصادرنا انه غير مبرر بالنظر إلى استهدافه لأشخاص أبرياء لا علاقة لهم بأعمال الشغب التي نفذها غرباء اندسوا داخل الجماهير المحتجة. وعاينت"رسالة الأمة" أن التدخل الأمني الذي شهدته منطقة سيدي يوسف بن علي عرف استعمال مدرعات مصفحة تم استعمالها لأول مرة لتفريق جموع المحتجين، فيما أكدت مصادرنا أن التدخل الأمني استعملت خلاله خراطيم المياه الساخنة لتفريق المحتجين، واصفة أحداث نهاية الأسبوع الماضي، بالعنيفة بالنظر لتبادل الرشق بالحجارة بين بعض المحتجين ورجال الأمن فضلا عن حالة الانفلات الأمني الذي عاشته المنطقة نظرا لخروج الوضع عن السيطرة، بعد التحاق مندسين ومنحرفين وجدوها فرصة لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية. وفي نفس السياق، أقدم مجموعة من الشباب المحتجين يوم السبت الماضي، على إزالة واقتلاع أزيد من 160 عدادا للكهرباء والماء، التي كانت مثبتة بواجهات المنازل والمحلات التجارية، خصوصا بدرب بوعلام والعساس، تعبيرا منهم عن رفضهم للخدمات المقدمة من طرف الشركة التي اتهموها بعدم الوفاء بالتزاماتها مع هيئة المجتمع المدني بالمنطقة، الأمر الذي فسح المجال لأجواء من الفوضى والتسيب إثر حرمان العديد من الأسر من خدمات الماء والكهرباء وهو ما اضطرهم حسب مصادرنا إلى نهج سياسة الفوضى عن طريق ربط الأسلاك الكهربائية بطرق غير قانونية وغير شرعية مع ما قد يترتب عن هذه العملية من اخطار وعواقب وخيمة. كما تسببت أحداث الشغب في تكسير الواجهات الزجاجية للمؤسسات التعليمية وبعض المحلات التجارية نتيجة رشقها بالحجارة تم حرق دراجة نارية عن آخرها تابعة لفرقة الدراجين والصقور، كما أصيب صاحبها بجروح متفاوتة إثر تعرضه لاعتداءات جسدية من طرف المحتجين قبل أن يطلق سراحه بفضل تدخلات بعض ذوي النيات الحسنة، وبالمقابل تعرض مخفر للشرطة بشارع المصلى للاحتراق بعدما عمد المحتجون إلى مداهمته وإتلاف مختلف تجهيزاته ومحتوياته، كما لم تسلم سيارات الأمن من الاعتداء بعدما عمد السكان الغاضبون إلى قلب سيارتين تابعتين للمصالح الأمنية. ويذكر أن لجنة أمنية من المصالح المركزية بوزارة الداخلية مكونة من خمسة مسؤولين أمنيين كبار حلت في وقت متأخر من ليلة السبت الماضي، بعين المكان وعقدت اجتماعات مارطونية مع المسؤولين الأمنيين المحليين وأمرت بإخلاء المنطقة من القوات العمومية من أجل فتح باب الحوار مع المحتجين ووضع استراتيجية امنية بديلة من شأنها امتصاص غضب السكان المحتجين ونزع فتيل التوتر بهذه المنطقة الحساسة بالنظر إلى تزامن الأحداث مع الاستعدادات الجارية بالمدينة الحمراء لاستقبال ضيوف وزوار من العيار الثقيل الذين فضلوا شد الرحال نحو مدينة سبعة رجال لأجل قضاء احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة.