بعد شهور من التوتر بين الجزائروفرنسا، والذي أتى إثر اعتراف هذه الأخيرة بمغربية الصحراء، يبدو أن الجزائر قد اقتنعت بأن الأزمة التي اختلقتها لن تجدي نفعًا، ولن ترغم الجانب الفرنسي على التراجع عن موقفه الثابت بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو الموقف الذي يستند إلى حقيقة تاريخية معروفة. وبدأ النظام الجزائري في تلطيف الأجواء مع فرنسا بعد أن احتدت لهجة هذه الأخيرة وردّت على استفزازاته. ويبقى السؤال مطروحًا: هل استوعبت الجزائر الدرس وتخلت عن استخدام قضية الصحراء كمقياس لعلاقاتها الدبلوماسية؟ في هذا السياق، قدّم خالد الشيات، المحلل السياسي، في تصريح ل" رسالة 24 "، عدة ملاحظات حول الجانب الشكلي لهذه الأزمة وإمكانية حلها على المدى المتوسط والبعيد. وأوضح أن الجزائر لم تكن قادرة على رسم مسار واضح للأزمة مع فرنسا، رغم أنها هي من بادرت إلى افتعالها بسبب الموقف الفرنسي من الصحراء المغربية، وهو ما يعكس غياب رؤية استراتيجية لمآلات هذه الأزمة وتبعاتها. ويشير الأستاذ الشيات إلى أن افتعال الأزمة والدخول فيها يتطلبان القدرة على إدارتها والخروج منها بنتائج إيجابية، وهو أمر يبدو مكلفًا بالنسبة للجزائر، لا سيما من الناحية الاقتصادية. فكل التنازلات التي ستقدمها اليوم لفرنسا ستكون ذات طبيعة مادية، سواء في شكل امتيازات استثمارية، أو منح معادن نفيسة، أو تفضيلات في مجال الطاقة، سواء الغاز أو البترول، وقد تصل إلى حد تقديمها بشكل مجاني. وبالتالي، كان من الأجدر بالجزائر أن تفكر مليًا في تداعيات هذه الأزمة قبل الإقدام عليها. وتطرق الأستاذ الشيات إلى نقطة ثانية تتعلق بالتضارب داخل الجزائر في مقاربة الأزمة مع فرنسا، حيث توجد تيارات متشددة وأخرى أكثر ميلاً إلى التهدئة وإيجاد الحلول السياسية. ويرى المحلل السياسي أن إمكانية الحل بين الجزائروفرنسا واردة، خاصة أن الجزائر لم تكن لديها أي مبررات أو دوافع داخلية موضوعية لإشعال هذه الأزمة، إذ إن المشكل كان مرتبطًا بقضية الصحراء المغربية، في حين أن الجزائر تدّعي أنها ليست طرفًا معنيًا بها. ويعتقد الشيات أن هناك تبعات أخرى تتعلق بالموقف الفرنسي من الصحراء المغربية، متسائلًا: لماذا لم يتم التطرق إليه صراحة في التواصل الرئاسي الفرنسي-الجزائري؟ ويؤكد أن فرنسا لن تتراجع عن موقفها الذي تبنّته منذ أشهر قليلة، حيث إن مصالحها الاستراتيجية مع المغرب، فضلًا عن رغبتها في تعزيز حضورها في القارة الإفريقية، وهو ما يجعل موقفها ثابتًا. وبهذا، تكون فرنسا قد خرجت من الأزمة بانتصارين: الأول مع المغرب، والثاني مع الجزائر. ويضيف الشيات أن الأزمة التي افتعلتها الجزائر كشفت عن غياب القدرة على الفعل الاستراتيجي، إذ إن تحقيق أي تأثير حقيقي يتطلب توافقًا مغاربيًا، وهو ما تفتقر إليه المنطقة، مما يجعل هذه السياسات مكلفة اقتصاديًا وتنمويًا دون تحقيق أي جدوى يذكر. وفي هذا الإطار، يرى المتحدث أن المغرب يتكيف مع هذه التحولات والضغوط المفروضة عليه بحكم الواقع، رغم أنه كان يسعى إلى إقامة علاقات أخوية ومستقرة مع الجزائر، كما أكد ذلك في نداءات متكررة وجهها العاهل المغربي. ويخلص الشيات إلى أن هذه الأزمة ستنتهي بتنازل جزائري، لأن المصالح الاقتصادية مع فرنسا كانت مهددة، وبالتالي ستعود العلاقات إلى ما كانت عليه قبل التصريح الفرنسي بمغربية الصحراء، مما سيتيح للفرنسيين تحقيق المزيد من المكاسب والمصالح، تمامًا كما حدث خلال فترات التوتر السابقة.