احتفت فعاليات سياسية وإعلامية جزائرية بما سمته "نصرا دبلوماسيا" حققته الجزائر، أخيرا، بعد أن وقعت فرنسا على عبارة "تقرير مصير شعب الصحراء الغربية"، وذلك على هامش توقيع 9 اتفاقيات، عقب انعقاد اجتماع الدورة الأولى للجنة الحكومية الجزائرية - الفرنسية المشتركة، برئاسة الوزير الأول عبد المالك سلال، ونظيره الفرنسي، جون مارك آيرو. وأفادت الفقرة 46 من نص البيان المشترك بين فرنساوالجزائر، أن البلدين معا عبرا عن "ارتياحهما بخصوص ثبات التزام الأممالمتحدة والمجتمع الدولي بتسوية عادلة ومستدامة، مبنية على أساس حل سياسي مقبول، والذي "يسمح بتقرير مصير شعب الصحراء الغربية"، طبقا لمبادئ وأهداف ميثاق الأممالمتحدة، وكذا قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن". واعتبرت صحف جزائرية أن توقيع فرنسا، ممثلة في شخص وزيرها الأول، جان مارك أيرو، على عبارتي "تقرير المصير"، و"شعب الصحراء الغربية"، ضمن البيان المشترك، يعد "صفعة فرنسية قوية للمغرب، الذي ما فتئت باريس تعتبره حليفا استراتيجيا لها في المنطقة". ويبدو أن فرنسا استشعرت التأويل الجزائري "المغلوط" لتلك الاتفاقية، فبادرت وزارة خارجيتها إلى التأكيد بأن "موقف فرنسا من قضية الصحراء واضح وثابت"، كما أن إلزابيث غيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية للجمعية الوطنية الفرنسية، تحدثت في حوار مع هسبريس، عن دعم باريس لخطة الحكم الذاتي المغربية، مشددة على أن "الدفء الجاري حاليا في علاقات فرنسا مع الجزائر، لن يكون أبدا على حساب المغرب". خالد شيات: البيان المشترك متوازن هسبريس نقلت خلفيات الاحتفاء الجزائري بتوقيع فرنسا على تلك العبارات الخاصة بنزاع الصحراء، وإمكانية الحديث عن "تراجع" باريس من موقفها المعروف بتأييد المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي، إلى الدكتور خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية ومنسق الدراسات المغاربية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة. ووجد شيات التعبير الذي جاء في البيان الختامي المشترك بين الجزائروفرنسا "متوازنا، واستعمل لغة لا تعبر عن التصور الجزائري الرسمي، الذي يدعو دائما إذا أتيحت له الفرصة إلى اعتبار المغرب "دولة محتلة"، أو يدعو إلى "العمل على تقرير مصير الشعب الصحراوي"، أو غيرها من التعابير التي تشير إلى الثبات الذي قام عليه الموقف الجزائري منذ افتعال الأزمة". وأفاد شيات بأن "البيان كان متزنا، وتعبيرا عن التصورين الفرنسي والجزائري معا في نقطة لا يمكن التفاهم إلا حولها، تجمع الدعوة إلى "الحل السياسي المتوافق عليه"، الذي يفضي إلى "تقرير مصير شعب الصحراء الغربية"، بدل "الشعب الصحراوي" الذي اعتادت الجزائر استعماله". وزاد المحلل بأن "التركيبة التي يدعو إليها البيان مقبولة في أجزاء كبيرة منها، من طرف المغرب، باعتبار أن "تقرير المصير" في التصور الحديث يقوم على وسائل وبدائل قانونية متعددة، لا يمكن تطبيقها إلا بالوصول إلى حل سياسي متوافق حوله". عدو يتربص بالمغرب وعموما، يضيف شيات، يدخل ذلك في باب ما تسميه الجزائر القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، وهو إقحام متعسف في مسار تعاون من المفترض أن يشمل الجوانب الاقتصادية والتعاون في قضايا، من قبيل القضايا الثقافية والاجتماعية وغيرها". واستدرك المحلل أنه "من قدر المغرب أن يبقى يقظا أمام عدو، لا يفوت أي فرصة للانقضاض على وحدته التربية وتجزيئه وتفتيته"، مشيرا إلى أنه "أمر تكرر، واتخذ أبعادا تراجيدية بعدما صرح سلال أخيرا أن المغرب ضالع في عملية استخدام أموال المخدرات لتمويل الجماعات الإرهابية"، معتبرا هذا التصريح "مستفزا وغير مسبوق يؤشر على الحرص على إغلاق كل سبل التفاهم والتواصل والتقارب بين البلدين". وأكد شيات أن "المغرب يملك بدائل متعددة في حال غلو الجانب الفرنسي اتجاه وحدته الترابية، لكن تبقى هذه البدائل لا تتصف بالجاهزية"، متابعا بأن "اللجوء إليها قد يستغرق وقتا، ويكلف المغرب كثيرا"، قبل أن يؤكد أن " فرنسا أكبر داعم للمغرب أمميا وأوروبيا، وخسارة هذا الحليف الكبير لن يكون أمرا سهل التجاوز" وفق تعبير الأستاذ الجامعي. العلاقات الجزائرية الفرنسية في الميزان وعاد الخبير في العلاقات الدولية إلى تشريح العلاقات العلنية بين الجزائروفرنسا، حيث اعتبرها قد تحسنت بعد زيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قبل سنة إلى الجزائر، حيث تقرر حينها تشكل لجنة عليا بين البلدين، كما هو الحال مع العديد من الدول، ومنها المغرب الذي عقد الدورة الحادية عشر لهذه اللجنة، والتي جمعت رئيس الحكومة مع الوزير الأول الفرنسي جان مارك أيرو في دجنبر 2012. وقال شيات إن "اللجان العليا المشتركة هي آلية لتقريب التعاون من أجهزة القرار العليا في الدولة ،وتضمن تتبعه خاصة أنه يهم في الأساس الجوانب الاقتصادية والاستثمارات، وقد تتفرع لجوانب قطاعية اجتماعية أو ثقافية، وقد تتضمن التعاون في المجال السياسي الذي يعد قاطرة للتعاون في باقي الميادين". واسترسل "فرنسا عندما اتجهت نحو الجزائر بعد مرور سنة من زيارة هولاند، تكون قد سارت في النهج الذي رسمته، لكنها أيضا يمكن أن تكون قد قصدت التركيز على الجزائر على حساب العلاقات المتميزة مع المغرب، باعتباره شريكا قديما ثابتا ومضمونا"، مضيفا أنه "يمكن ألا يشمل التحليل هذا البعد، وتكون فرنسا قد نهجت سياسة التوازن بين قطبي شمال إفريقيا، لكن يمكن التساؤل عن غايات هذا التوجه. وسرد شيات عددا من هذه الغايات، ومنها "الدور الإقليمي الكبير للجزائر في منطقة الساحل والصحراء، الذي يعرف تدخلا فرنسيا مباشرا لفرنسا في مالي، وأيضا التوجه الجديد الفرنسي في إفريقيا، الذي قد يتناغم مع الدور الذي يمكن أن تقوم به الجزائر، مستقبلا من الناحيتين الإستراتيجية واللوجستيكية". ولفت المحلل ذاته إلى "الجانب المرتبط بالطاقة، والذي يجعل من نظرة الدول الأوربية عموما، وفرنسا خاصة، للجزائر باعتبارها خزانا لا يمكن تجاوزه بدون بدائل قارة ومضمونة، وتغيب بذلك النظرة الإستراتيجية التي تجعل من العلاقات السياسية عاملا حاسما". فرنسا تتبع سياسة المزايا وأبرز منسق الدراسات المغاربية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، أن فرنسا غير معنية بضبط علاقاتها على مؤشر المغرب أو الجزائر، لذلك فهي ستتبع السياسة التي يمكن أن تضمن لها قدرا كبيرا من المزايا". وتابع شيات بأن "فرنسا تسلك أحيانا أسلوب المفاضلة بين طرفين متناقضين"، مشيرا إلى أنه "في حالة المغرب يستبعد أن يكون التقارب بين الجزائروفرنسا استراتيجيا ونهائيا، بل تمليه عوامل متعددة ظرفية في الغالب". ولفت المتحدث إلى أنه "لا يمكن مع ذلك تقليص الضرر الذي يمكن أن يمس المغرب من هذا التقارب"، مضيفا أنه قد يكون له أثر إيجابي حينما تكون فرنسا لاعبا محددا في الاستقرار السياسي والاجتماعي بالجزائر، لكنه أيضا يمكن أن يكون عاملا لانعدام التوازن في الحالة التي لا تكون فيها فرنسا في مستوى يضمن لها التأثير الكبير في طبيعة الاختيارات الإستراتيجية للجزائر". وخلص المحلل إلى أن "الدور الفرنسي يمكن أن يكون عامل جذب للتقارب المغربي الجزائري، كما يمكن أن يكون سببا في تنافر مع طرف دون آخر في هذه المعادلة"، مؤكدا أن "فرنسا لا يمكن أن تضحي بكل العلاقات المتميزة مع المغرب لصالح الجزائر، ولا العكس صحيح أيضا من الناحية الظرفية على الأقل" يقول شيات.