قبيل 48 ساعة من الزيارة رفيعة المستوى، التي يعتزم الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس والوفد الوزاري المرافق له القيام بها إلى الجزائر، استدعت الخارجية الجزائرية يوم الأربعاء 6 أبريل السفير الفرنسي بالجزائر برنار إيمي للإعراب له عن احتجاج قصر المرادية رئاسة وحكومة، حيث استدعى وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة، سفير فرنسابالجزائر، على عجل إلى مقر وزارة الشؤون الخارجية للاحتجاج على الحملة الصحفية المعادية للجزائر ومؤسساتها في فرنسا عبر مختلف وسائل الإعلام، وكذا «نشاطات عامة أخرى». ونقرأ في بيان وزارة الخارجية الجزائرية: بأن السيد لعمامرة قد «أبرز بأن هذه الحملة ذات النوايا السيئة والمضللة – والتي لا يمكن إطلاقا تبريرها بحرية الصحافة-قد بلغت أوجها من خلال مناورات قذف موجهة عن قصد ضد مؤسسة الرئاسة»، ويضيف المصدر ذاته أن الوزير «أكد في هذا الصدد على الواجب الأخلاقي والسياسي بأن تعرب السلطات الفرنسية المختصة صراحة عن استنكارها لهذه الحملة التي لا تتلاءم ونوعية ومستوى العلاقات الجزائرية الفرنسية». بيد أن الغريب في الأمر أن البلاغ أو التوتر الذي رفعت سقفه الجزائر يأتي عشية زيارة استثنائية للوزير الأول الفرنسي مانويل فالس والوفد الكبير المرافق له، ومن جهة، عقب زيارة كل من وزير الفلاحة والصناعات الغذائية والغابات الفرنسي، ستيفان لوفو، وبعدها بأسبوع زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون مار أيرو للجزائر، والذي حظي باستقبال من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والوزير الأول عبد المالك سلال، علاوة على ثناء الصحافة على الزيارة وطبيعة العلاقات المتميزة بين الجزائروباريس على حد وصفها، فكيف يا ترى وعلى حين غرة انقلبت الأمور رأسا على عقب، لتنتقل اللغة الدبلوماسية الودية إلى لغة «حربية»؟ أسبوع قبل العاصفة قبل أقل من أسبوعين على زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، جون مارك أيرل، للجزائر كان الكل يتحدث عن العلاقات المتينة بين باريسوالجزائر، وعن تنسيق أمني كبير بين البلدين، سواء على مستوى الملف المالي، حيث سمحت الجزائر ولأول مرة في تاريخها لطائرات حربية أجنبية بالتحليق فوق أراضيها لقصف المعارضة المالية، وهو ما عد سابقة خطيرة لا سيما، إذا كان الأمر يتعلق بالمستعمر السابق الفرنسي، علاوة على التنسيق الأمني في الملف الليبي الشائك. ناهيك عن التطلعات الكبيرة بين الجانبين من أجل تدعيم الشراكة والتعاون الاقتصادي الثنائي، ومحاولة باريس إيجاد منافذ جديدة للاقتصاد والمنتوجات الفرنسية التي تعاني أزمة تقلص ومنافسة شرسة على أرض الجزائر. ويكفي الوقوف على التصريحات المتبادلة بين المسؤولين الفرنسيين والجزائريين للتأكد من حالة الارتياح التام والتطلع الكبير لما هو أفضل، ومنها مثلا تصريحات وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جون مارك أيرو، والذي أدلى بتصريحات أثناء مقامه بالجزائر، أقل ما يمكن وصفها بأنها كانت جد متفائلة. العلاقات الاستثنائية والمثالية بين البلدين! وقد أعرب وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، جون مارك أيرو، عن أمل بلاده أن يكلل الاجتماع المقبل للجنة الحكومية الثنائية رفيعة المستوى الجزائرية- الفرنسية بالتوقيع على عديد اتفاقات التعاون، ومضيفا للصحافة عقب الاستقبال الذي خصه به رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ب: «إننا نحرز تقدما في التعاون الثنائي لا سيما في المجال الاقتصادي وآمل أن يتم التوقيع على عديد الاتفاقات بمناسبة هذا الاجتماع». ومضيفا بأنه علاوة على الميدان الاقتصادي هناك عدة مجالات من شأنها تعزيز التعاون الجزائري الفرنسي على غرار التكوين المهني والثقافة، معتبرا أن «الأمور تتقدم بشكل جيد وتتعزز شيئا فشيئا وأن هناك إرادة مشتركة لتعزيز علاقاتنا بشكل أكبر وأن تكون هناك آفاق مستقبلية تشكل معالم للأجيال الشابة لكلا البلدين»، مؤكدا على « نوعية العلاقات بين الجزائروفرنسا»، والتي عرفت تقدما ملموسا لا سيما بفضل «الشراكة المثالية». وطبعا توقفت الصحافة الجزائرية بدورها عند ما أسمته العلاقة الاستثنائية أو الشراكة المثالية بتعبير وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسي جون مارك أيرو، ويبدو أن الغزل الدبلوماسي الفرنسي قد ذهب بعيدا حينما حاول اللعب على خطاب الرئيس الفرنسي في ذكرى 19 مارس، اليوم الوطني للتذكر والترحم على أرواح ضحايا حرب الجزائر ومعارك المغرب وتونس معتبرا بأن «هذه الرسالة التي تدعو إلى توجيه علاقات البلدين نحو المستقبل هي رسالة قوية يجب الاستماع إليها حتى وإن تعرضت للنقد في فرنسا». وللإشارة فقد تم استقبال السيد وزير الخارجية والتعاون الفرنسي، جون مارك إيرو، يوم الثلاثاء 29 مارس من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بحضور وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة، ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل ووزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب (الذي سيكون نجم فضيحة تسريبات وثائق بنمابالجزائر). كما تم استقبال الوزير الفرنسي إيرو من طرف الوزير الأول عبد المالك سلال، كما تم في ذات اللقاء، حسب بيان الوزارة الأولى الجزائرية، «تقييم التعاون الجزائري الفرنسي عشية اجتماع اللجنة الحكومية الثنائية رفيعة المستوى في ال9 أبريل 2016 التي ستسمح بتوقيع عدد من الاتفاقات». محاولة توريط فرنسا في ملف الصحراء لم تأل الجزائر جهدا في محاولة انتزاع تصريح ما من رئيس الدبلوماسية الفرنسية وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، جون مارك أيرو، أثناء زيارته الأخيرة للجزائر قبل أسبوعين، ما قد يصب في صالح الطرح الجزائري والانفصالي، ولو من باب المزايدة ولي الذراع. ولأن الجزائر تعتبر نفسها المدافع والمحتضن الأول للبوليساريو، فإنها تضع مسألة الصحراء ضمن القضايا المحورية التي لا بد من التطرق إليها عند زيارة أي مسؤول رفيع المستوى كيف ما كانت الدولة كبيرة أو صغيرة، والحال أن فرنسا ووزير الخارجية الفرنسية تحديدا قد علم بالفخ الدبلوماسي الجزائري، لا سيما بعد سقطة الأمين العام الأممي بان كي مون المدوية أثناء زيارته للجزائر، وما نتج عنها من تداعيات. الوزير إيرو حاول بدبلوماسية فرنسا الماكرة مسك العصا من الوسط حتى لا يغضب أحدا من الأطراف، ففي الندوة المشتركة التي جمعت وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة ونظيره الفرنسي جون مارك أيرو، أكد هذا الأخير بأن فرنسا تحرص على استمرار بعثة «المينورسو» في عملها في المنطقة، مشيرا إلى أنه قد بذل شخصيا جهودا من أجل تهدئة الأمور بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، إثر الخلاف الذي نشب بينهما في الأيام القليلة الماضية، متوقعا أن تُتوَّج هذه الجهود بإقرار تجديد عهدة «المينورسو» في المنطقة قريبا. واعتبر بأن قضية الصحراء «الغربية» قضية حساسة وصعبة، وأن النزاع بالصحراء «الغربية» الذي يدوم منذ 40 سنة، «لا ينبغي أن يشكل حجر عثرة بالنسبة للصداقة التي تربط بين الجزائروفرنسا»، مضيفا بأن تدخّل فرنسا خلال التوترات الأخيرة التي عرفتها القضية، عرّضها للانتقاد أحيانا «بالرغم من أنها كانت تهدف إلى التهدئة». لينتقل بسرعة إلى ملفات باقي دول الجوار، والتي هي محور اهتمام فرنسا مثل الملف الليبي والمالي ….، حيث أشار إيرو إلى أن الجزائروفرنسا تتقاسمان نفس الموقف بخصوص حل الأزمة الليبية، موضحا أن تسوية هذه الأزمة لا يمكن أن تتم خارج الحل السياسي وتمكين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة فايز السراج من الشروع في عملها، «من أجل العمل معها ومساعدتها في المسائل التي تخص مكافحة التنظيمات الإرهابية ودعم السلم والاستقرار والنماء في ليبيا». وقبله، وفي مداخلته حاول وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة انتزاع تعاطف فرنسا مع الطرح الانفصالي، إذ دعا إدارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى العمل بشكل فعلي على تقديم مساعدة للمنطقة، من أجل حل النزاع في الصحراء وفق ما تمليه الشرعية الدولية، مشيرا إلى أن هذه القضية شكلت على امتداد 40 سنة من عمرها، أحد أهم الخلافات الأساسية القائمة بين السياسة الخارجية للبلدين. حيث قال بالحرف الواحد: «سنبقي على هذا الأمل، وسنعمل على تجسيده، لأنه لا بد من التذكير بأنه على مدى عمر هذه القضية الذي بلغ 40 سنة، يبقى هذا الملف أحد الخلافات الأساسية التي لازالت قائمة في العلاقات بين السياسة الخارجية للجزائر والعلاقات الخارجية الفرنسية، وهي حقيقة لا بد من قولها». فرانسوا هولاند يكسر عقدة 19 مارس 19 مارس 1962 هو يوم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين الثورة الجزائرية والجمهورية الفرنسية الخامسة بقيادة شارل دوغول، هذا اليوم سيتحول لاحقا في الجزائر إلى عيد النصر، لأن الثورة انتصرت على الجمهورية الخامسة مرغمة إياها على وقف إطلاق النار والانصياع إلى إجراء استفتاء عام حول مستقبل الجزائر، هل ستبقى فرنسية أو تفضل مغامرة الاستقلال، وهو ما تحقق مباشرة بعد ذلك على أرض الواقع، عقب الاستفتاء الكاسح بالاستقلال يوم 5 يوليوز 1962، والذي أصبح يعرف بعيد الاستقلال. والحال، أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند هو أول رئيس فرنسي يحتفل بهذا اليوم، أو بالأحرى يقف عند هذا التاريخ، والذي كان يعتبره من سبقه من ساكني قصر الإليزيه بأنه تاريخ للهزيمة. فمثلا رفض الرئيس الاشتراكي الأسبق فرانسوا ميتران، الوقوف عند 19 مارس، وهو الذي شغل منصب وزير للعدل في سنوات حرب التحرير أو حرب الجزائر، بل وقد صدر في فترة وزارته أكبر عدد من أحكام الإعدام في حق الثوار المجاهدين الجزائريين، حتى أنه قال: «يمكن اختيار أي من التواريخ إلا هذا!» في تعبير منه لمعارضته الشديدة لإحياء هذه المناسبة الحزينة. في حين اكتفى خلفه جاك شيراك، والذي كان عمل مجندا في الجزائر، بتدشين معلم «كي برانلي»استذكارا لمن سقطوا من الجنود الفرنسيين في معارك المغرب العربي وعلى رأسها معركة الجزائر(1954_1962)، أما الرئيس السابق والطامح اللاحق لتعمير قصر الإليزيه، نيكولا ساركوزي فقد رفض الاحتفال بالذكرى. وكان الرئيس فرانسوا هولاند، قد حضر مراسيم الاحتفال بذكرى 19 مارس 1962، لأول مرة في تاريخ الإليزيه، حيث ألقى خطابا وصف بالتاريخي، حاول فيه أن ينفتح على الجميع ويرضي الجميع، سواء من المناهضين للاحتفال بالذكرى، لأنه تمثل تاريخا للهزيمة وعلى رأسهم تيار الجزائر الفرنسية، ومعهم من شاركوا حرب الجزائر، وخاصة الأقدام السوداء «المعمرين الفرنسيين» أو الحركى الجزائريين (الجزائريون الذين تعاونوا مع فرنسا و كانوا يدعمون بقاءها محتلة للجزائر)، أو تيار المصالحة وبدء صفحة جديدة مع التاريخ والجيران المستعمَرين السابقين. وقد شرع في إحياء الذكرى عقب المصادقة على قانون تقدم به الفريق الاشتراكي في البرلمان الفرنسي عرف بقانون 6 دجنبر 2012، حيث أضحى عيدا وطنيا يعرف ب: اليوم الوطني للتذكر والترحم على أرواح ضحايا حرب الجزائر ومعارك المغرب وتونس، أمام معلم ضحايا حرب الجزائر والمغرب وتونس ب»كي برانلي» بباريس، المعلم الذي أقيم في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك في 5 دجنبر 2002 بالدائرة الباريسية السابعة المطلة على نهر السين. الاحتفال باليوم الوطني للتذكر والترحم على أرواح ضحايا حرب الجزائر ومعارك المغرب وتونس، وكما كان متوقعا أحدث زوبعة كبيرة، خاصة في صفوف المعارضين من قدماء حرب الجزائر والأقدام السوداء، وأنصار «الجزائر الفرنسية». وفي هذا الصدد عبر برنارد كول، رئيس جمعية شباب الأقدام السوداء، عن مدى استغرابه واستهجانه للخطوة التي أقدم عليها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، معتبرا بأنها خطوة «متناقضة» فهو اعترف بتخلي السلطات الفرنسية عن الحركى، أي إقرار بالجرائم التي ارتكبت بعد 19 مارس، ومعتبرا بأن الاحتفال كان لأغراض انتخابية، أي البحث عن دعم قطاع من الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية، طمعا في أصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة بعد عام! وفي الضفة الجنوبية الأخرى، لم تكن خطوة الرئيس هولاند موضع كبير استحسان، حيث شكك المؤرخ والكاتب الجزائر، امحند أرزقي فراد،(في اتصال له مع جريدة الخبر الجزائرية نشر على موقع الجريدة) في مبادرة الرئيس الفرنسي، قائلا:» يجب أن نسأل أنفسنا عن الأرباح والخسائر المحتملة؟…لا أعرف التفاصيل، ولكن ما خبرته من متابعتي للسياسة الفرنسية أن هذه الخطوة لم تكن من أجل عيون الجزائر بل لحاجة في نفس هولاند، قد يكون منها مغازلة ملايين من ذوي الأصول الجزائريةبفرنسا طمعا في أصواتهم….هي خطوة مفاجئة بالنسبة لي، لأنه ليس من عادة الجلاد أن يتعاطف مع الضحية!». وقد شكلت فدرالية قدماء محاربي الجزائر وتونس والمغرب، الاستثناء الوحيد الذي نظر بعين الرضا للمبادرة ولخطاب الرئيس الفرنسي بالمناسبة، معتبرة أن الخطوة تنخرط في سياق المصالحة والتقارب مع الجزائر. «لوموند» وأوراق بنما تعصفان بالعلاقة بين البلدين إلى غاية يوم الأحد 3 أبريل كانت العلاقة ما بين الجزائروباريس على أحسن ما يرام، في انتظار حلول الوفد الوزاري الفرنسي رفيع المستوى، الذي يتقدمه الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس وعدد من أعضاء الحكومة والمسؤولين ورجال الأعمال الفرنسيين. بيد أن مقال يومية «لوموند» الفرنسية تتصدرها صورة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كانت كفيلة بنسف كل هذه الحفاوة والترقب، والحال أن ما حدث لم يعد بالسيناريو المفاجئ، فتاريخ العلاقات ما بين البلدين وكأنه حكم عليه بأن يعيش بين المد والجزر! فكلما توطدت العلاقة بين الجانبين في أفق الانتقال من مجرد التطبيع إلى أفق التمتين إلا واندلعت أزمة ما من الأزمات لتعود المرحلة إلى نقطة البداية والصفر! وفي المقابل كلما توترت العلاقة بين الطرفين وعلت أصوات القطيعة كلما عادت سريعا إلى سالف عهدها وكأن شيئا لم يقع! تغطية «لوموند» بين المهنية والسبق الصحفي! في مقال يومية «لوموند» الفرنسية الصادر يوم الثلاثاء 5 أبريل على خلفية زلزال تسريبات أوراق بنما، والذي كانت الصحيفة أحد المؤتمنين على أسراره والمشاركين في التحقيقات الصحفية السرية التي انطلقت قبل تسعة أشهر، خصصت اليومية ملفا للتسريبات، خاصة فيما يتعلق بنصيب الجزائر من الفضائح المالية والمعاملات المشبوهة بمكتب المحاماة موساك فونسيكا، حيث كان للجزائر نصيب من غلاف الجريدة تتصدرها صورة للرئيس الجزائري بوتفليقة رفقة عدد من الرؤساء والملوك العرب، يتقدمهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد والوزير الأول الإسلندي معنونة ب»الأموال المخبأة لقادة الدول». أما المقال والتغطية في الصفحة السابعة فقد خصصت لمقال معنون ب: فضيحة سوناطراك الشركة الوطنية التي أماطت اللثام عن فساد حاشية رئيس الدولة، تطرقت فيه للفضيحة المالية التي هزت الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك، والتي تعد أكبر شركة في الجزائر وشريان حياة الاقتصاد الجزائري. خاصة بعد عودة الوزير السابق للمحروقات شكيب خليل والمدير العام للشركة(1999_2010)، للجزائر! وهو الذي كان مطاردا ومطلوبا رأسه بعد إصدار السلطات الجزائرية لمذكرة توقيف ضده! ولكن يبدو أن هناك شيئا ما يدار في قصر المرادية من أجل ترتيب المرحلة المقبلة أي مرحلة ما بعد بوتفليقة، حيث صدر وعلى حين غرة قرار بإلغاء مذكرة الجلب والتوقيف، بل أكثر من ذلك تمت إزاحة كل من قاضي التحقيق وعزل المدعي العام نفسه! وهو ما طرح ويطرح العديد من علامات الاستفهام! اليومية فصلت في وثائق بنما والتي سلطت الضوء على عدد من الأسماء الجزائرية، والتي استعانت بشركة المحاماة موساك فونسيكا، ومن هذه الأسماء نجد، فريد بجاوي وعمر حبور المعتقلين على ذمة قضايا فساد مالي، وكذا رضا حمش ابن شقيقة وزير الطاقة والمدير السابق لسوناطراك شكيب خليل، وللثلاثة صلة بقضايا الفساد المتعلقة بالمجمع البترولي سوناطراك، أو ما كان يعرف بفضيحة فساد سونطراك. وقد أوردت يومية «لوموند» بأن العدالة الإيطالية، قد عملت على تتبع مسار 198 مليون أورو ناتجة عن فضيحة رشوة شركة سايبام Saipemالإيطالية لمسؤولين سامين في سوناطراك. وذكرت الصحيفة بأن تلك الأموال تم تهريبها إلى ملاذات ضريبية آمنة، عبر مكتب المحاماة Mossack Fonseca والذي تولى إنشاء شركة _myriade de sociétés offshore_ لفريد بجاوي الذي قدم نفسه في العديد من المرات على كونه الذراع الأيمن لشكيب خليل. وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب في قلب العاصفة إضافة إلى أسماء الجزائريين المتورطين في فضيحة سوناطراك والاختلاسات المالية الكبيرة التي تمت الإشارة إليها أعلاه، ورد اسم عبد السلام بوشوارب، وهو الذي يشغل منصب وزير الصناعة والمناجم في الحكومة الحالية بقيادة عبد المالك سلال، ضمن القائمة العالمية للفساد التي كشفت عنها وثائق بنما، حيث أوضحت الوثائق آنفة الذكر، امتلاك الوزير الجزائري عبد السلام بوشوارب لشركة وهمية، تم من خلالها تهريب أموال من الجزائر إلى ملاذات ضريبية آمنة. وأوضح التحقيق الصحفي الاستقصائي، الذي قامت به أكثر من 107 مؤسسات صحفية في 78 دولة حول العالم، أن وزير الصناعة والمناجم الجزائري يمتلك في بنما شركة وهمية تحت اسم: «روايال إريفال كورب»، وهي شركة لإدارة حساب في بنك سويسري، ويتم تسييرها من طرف شركة أخرى يمتلكها أيضا بوشوارب ومقرها في لوكسمبورغ، وهي مؤسسة خاصة بالدراسات والاستشارات، وتنشط في كل من تركيا وبريطانيا والجزائر في مجالات التجارة والأشغال العمومية والنقل. وأظهرت الوثائق المسربة المعروفة «بوثائق بانما» المعلومات الشخصية الخاصة بوزير التجارة والمناجم عبد السلام بوشوارب، مشيرة إلى مهنته الحالية كوزير للصناعة والمناجم في الجزائر، وكذا مساره المهني، حيث ذكرت أنه مسير سابق لشركة خاصة، وولج إلى المجال السياسي عام 1994 ليصبح وزيرا للصناعة عام 1996 ووزيرا للتشغيل عام 2000، ثم نائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني في عام 2012، ليعود على رأس وزارة الصناعة والمناجم سنة 2014. أكثر من ذلك فالتسريبات بما فيها مراسلات بين مكتب المحاماة موساك فونسيكا وغي فايت الفرنسي ممثل شركة رويال اريفال كورب بلوكسومبورغ، قد أظهرت تحفظ المكتب البنمي على اسم بوشوارب لارتباطه بقضايا فساد، وعلى رأسها قضية الخليفة بالجزائر، والتي تشكل أكبر قضية اختلاس مالي في تاريخ الجزائر الحديث. وعقب اندلاع فضيحة التسريبات وورود اسم الوزير الجزائري للصناعة والمناجم، سارعت شركة بوشوارب للدارسات والاستشارات بلوكسمبورغ عبر مسؤولها ومسيرها الفرنسي، غي فايت، إلى التصريح بأن تأسيس الشركة تم بكل شفافية، وأن كل المعلومات تم الإشهار بها بما في ذلك المنصب الحالي للوزير. وأكدت شركة الدراسات والاستشارات بلوكسمبورغ، بأنها كلفت للعمل لصالح عبد السلام بوشوارب، وبأن الشركة الكائنة بلوكسمبورغ كانت وراء إنشاء شركة روايال أريفال كوربوريشن، وبأن تأسيس الشركة تم بكل شفافية، وأن كل المعلومات تم الإشهار بها بما في ذلك المنصب الحالي للوزير ، وأنها (أي الشركة موضوع الضجة) كانت تهدف إلى استعادة وتسيير الأملاك والإرث الموجود قبل اعتلاء بوشوارب منصب وزير، مضيفة بأن النشاطات الأخرى التي تمت الإشارة إليها والمدرجة في القوانين الخاصة بالشركة، هي نفسها التي توجد في الوضع القانوني للشركات البنمية، وبالتالي فإنها «لا تعكس أي إرادة لتوظيف ذلك من قبل السيد بوشوارب». والأهم من ذلك كله أن الوزير عبد السلام بوشوارب طلب تجميد الشركة خلال ممارسته عهدته الوزارية! ولكن المثير في الأمر هي الخرجة المتأخرة للوزير عبد السلام بوشوارب، والذي انتظر إلى غاية يوم الخميس، أي بعد مرور أربعة أيام من الضجة ويوم واحد على التصعيد الجزائري مع باريس عقب استدعاء الخارجية الجزائرية ممثلة في وزير الشؤون الخارجية والتعاون رمطان لعمامرة للسفير الفرنسي بالجزائر، برنار إيمي، لإبلاغ غضب وسخط قصر المرادية مما تم تداوله في الصحافة الفرنسية، وبأنه استهداف مقصود لشخص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والجزائر عموما، ليخرج بعدها الوزير بوشوارب معلنا براءته! حيث تناقلت وسائل الإعلام الجزائرية خبر اتهام الوزير بوشوارب، خلال جلسة مغلقة مع أعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان في جلسة يوم الخميس 7 أبريل، وبأن هناك لوبيا داخليا وخارجيا يقف وراء استهدافه، بعد أن نجح في عام واحد في توفير أكثر من ثلاثة ملايير دولار للجزائر، وبأن الجزائر تتعرض لمؤامرة كبيرة تقودها أطراف من الداخل والخارج. وأن كل ما قيل بشأنه غير صحيح، وأن هناك شركات أمريكية وفرنسية قد اشتكته للرئيس بوتفليقة، وأن الفرنسيين القادمين مع فالس لهم علاقة بالملف! مضيفا بأنه سيقدم تقريرا مفصلا لرئيس الجمهورية حول هذه التهم العارية من الصحة. وعلى الرغم من كل ما قد تجود به قريحة الوزير عبد السلام بوشوارب من مرافعات وحجج ودفوعات، فإنها لا تمنع من كون العملية ككل تشوبها شوائب عدة لا يمكن القفز عليها أو حتى محاولة تبريرها بسهولة؟ فمن أين أتى الوزير بوشوارب بكل هذه المبالغ المالية الضخمة جدا؟ وعلى فرض أنها إرث عائلي كما يتم الترويج له، فكيف تمكن هذا الإرث من عبور القارات الإفريقية والأوروبية ليستقر في جنوب القارة الأمريكيةببنما؟ ثم لماذا لم يتم ذكر هذه الشركات ضمن التصريح بالممتلكات الذي يُفترض أنه قام به بمجرد اعتلائه كرسي وزارة الصناعة والمناجم كوزير في الحكومة الحالية منذ 2014؟ بيد أن الجزائر ممثلة في وزارة الخارجية، وسواء في بيانها أو حين استدعائها للسفير الفرنسي بالجزائر ..، ركزت على نقطة جوهرية هي بمثابة نقطة الضعف، التي حاولت استثمارها في لي يد الطرف الفرنسي وإجباره على الاعتراف بخطئه، هي لماذا تم إقحام صورة الرئيس المتعب عبد العزيز بوتفليقة في الموضوع وعلى مرتين في الغلاف الرئيسي وفي الصفحة المخصصة للجزائر؟ وهو الأمر الذي لن تجد سواء الخارجية الفرنسية أو يومية «لوموند» من بد إلا الاعتراف بأنه من قبيل الخطأ غير المقصود، أما جواب الخارجية الفرنسية أو سفير فرنسابالجزائر برنار إيمي فمعروف سلفا، وهو أنه لا دخل لفرنسا الرسمية بالموضوع، وأن القضية مسألة إعلام وسبق إعلامي وحرية تعبير ونشر، لا يمكن لفرنسا أن تلجمها، وأنه على المتضرر أن يلجأ للقضاء.