في ضربة استباقية دقيقة قامت الأجهزة الأمنية المغربية وبتنسيق تام مع مختلف مديرياتها ومكاتبها وقواتها صبيحة يوم الأحد الماضي، بمباغتة عناصر إرهابية بمنطقة حد السوالم ضواحي مدينة الدارالبيضاء، كانت في طور التحضير للمرور إلى تنفيذ مخطط تخريبي خطير في عدد من المواقع المستهدفة. ويأتي إجهاض هذا المخطط قيد التنفيذ، بعد إجهاضات متواصلة لغيره من المخططات الإرهابية التي تستهدف بلادنا، سواء من كان منها في مرحلة التخطيط أو تجاوزها إلى مرحلة الإعداد للتنفيذ المادي، ليكشف عن أمرين اثنين دالين أولهما الحجم الكبير والمتصاعد لاستهداف الأمن والاستقرار الذي ينعم به المغرب في محيطه القاري والدولي، باعتباره صمام أمان وسدا منيعا أمام التطرف والكراهية والعنف والفوضى ومحاولات الاختراق، وأمام أجندات التخريب والعبث بالسلام وفرص التعاون في المنطقة، وثانيهما مبلغ التطور أو التقدم الذي راكمته الأجهزة الأمنية المغربية في محاربة الإرهاب والوقاية من مخاطره، بحيث لا يمر يوم دون أن تحقق فيه هذه الأجهزة تدخلات ناجحة وناجعة على الصعيدين المحلي والدولي في محاصرة الظاهرة الإرهابية العابرة للحدود، بما تملكه هذه الأجهزة من خبرة علمية وميدانية قوية تلجأ مختلف الدول إلى خدماتها والتنسيق معها في تعقب خيوط وفلول الإرهاب، ووأدها في مهدها، ولطالما جنبت الأجهزة الأمنية المغربية خلال العقدين الأخيرين عددا من الدول الصديقة والشقيقة حمامات دم بفضل تدخلاتها الاستباقية وتنسيقها الاستخباراتي والمعلوماتي مع نظيراتها في الدول المستهدفة، الأمر الذي استحقت عليه ثناء وإشادة بل وتكريما في العديد من المحافل الدولية، واستعانة كبرى بخبراتها وكفاءاتها في حماية تظاهرات عالمية جماهيرية توعدتها التنظيمات الإرهابية بأعمال التخريب والقتل، وتكفلت الخبرة الأمنية والاستخباراتية المغربية من إحباطها وإفشالها. لقد شرفت أجهزتنا الأمنية بلدها، سواء بخبرتها أو باحترافيتها أو بأخلاقها العالية أو بتضحياتها وسهرها على خدمة الأمن والطمأنينة والسكينة، وأكدت أن عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية وإلقاء القبض على عناصرها، وإحباط مخططاتها، ليس مصادفة ولا محض صدفة، بل هو نتيجة سهر دائم وترصد متواصل ومراقبة مستمرة ولصيقة بالمشتبه بهم، وجمع معلومات والربط بينها، فضلا عن التوفر على قاعدة معطيات للتحركات الإرهابية، وللتواصل بين مختلف خلاياها وعناصرها في الداخل والخارج والفئات المستقطبة الجديدة والمنفردة، وللجهات الممولة لها أو المستفيدة من خدماتها العابرة للحدود. ويبرز هذا التدخل الأمني الدقيق والمباغت وفي لحظة اطمئنان الخلية الإرهابية المفككة باجتيازها جميع مراحل الإعداد لمؤامرتها وتحصين مخططها الإجرامي من التعقب والمتابعة والرصد والإفشاء، وإعطاء إشارة المرور إلى التنفيذ، على احترافية كبيرة وعالية للأجهزة الأمنية المغربية، التي رصدت وتابعت بدقة ومنذ أشهر عديدة تحركات أفراد هذه الخلية وارتباطاتهم الخارجية بالتنظيم الإرهابي "داعش" وبأذرعه في منطقة الساحل التي كان أفراد الخلية المجهضة يخططون للهرب واللجوء إليها بعد تنفيذ العمليات التخريبية فوق التراب الوطني، واختارت الأجهزة الأمنية اللحظة المناسبة لإجراء تدخل جراحي أمني حاسم وحازم، أمسك بخيوط المخطط من أصولها وتحكم فيها، قبل أن يسحب البساط من تحت أقدام المجندين لتنفيذ التعليمات والتوجيهات الإجرامية، والمغرر بهم في هذه المؤامرة الخبيثة التي تستهدف أمن المملكة المغربية في ظرفية صعود أسهمها الدولية في التنمية والاستقرار والتعايش والأمن والأمان، وذلك بإلحاق خسارات بالأرواح والمنشآت وكذا بالسمعة الأمنية للبلاد التي يعتبر بها المغرب في محيطه القاري والدولي واحة للسلام وجودة الحياة، ورقما يصعب تجاوزه أو تخطيه في ضمان الاستقرار والأمن والأمان وجذب السياحة واللقاءات والتظاهرات الدولية الوازنة في الرياضة والاقتصاد والثقافة والفنون.. وبلد بهذا الوزن الثقيل في محيطه وبانفتاحه الكبير على العالم وبموقعه الجغرافي، هو عرضة لكل أنواع الاستهداف من قبل متصيدي الثغرات والعثرات والفرص للإيقاع بالشعوب والدول في الفوضى والأزمات والتوترات التي تشكل تربة خصبة للمشاريع الإجرامية والإرهابية. لم تترك الأجهزة الأمنية المغربية بعد أحداث تفجيرات الدارالبيضاء في 16 ماي 2003، للإرهاب فرصة للإفلات من المراقبة والتعقب، ووفرت على مدار أزيد من 20 سنة تفصلنا عن هذه الهجمات قاعدة معطيات ومعلومات ثمينة عن المخاطر الإرهابية، وعملت في صمت وبكفاءة واحترافية على استباق أي عملية إجرامية مخطط لها أو قيد التنفيذ بتدخلات فعالة وناجعة ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب والتصدي له، حيث سخرت الدولة كل الوسائل الممكنة والمقاربات المعتبرة والشراكات الدولية من أجل تعبئة وتوحيد الجهود وتشكيل سد منيع أمام تمدد التنظيمات والحركات الإرهابية في منطقتنا المغاربية والمتوسطية. ولعل الطلب المتزايد على الخبرة المغربية في هذا المجال سواء من قبل الدول أو الهيئات القارية والأممية، وكذا الإشادة المتواصلة والمتصاعدة بالتعاون الأمني المغربي العالي، أن يشكل مبعث فخر واعتزاز كل المغاربة بكفاءاتهم الوطنية من رجال المغرب ونسائه الساهرين على تكريس الأمن وتعقب المجرمين ونزع فتائل الأخطار المحدقة بأمن البلاد والعباد، بل وبأمن شعوب ودول شقيقة وصديقة. وتعتبر عناصر الجاهزية والاستباقية والاحترافية والكفاءة واليقظة الدائمة وروح التضحية وتلبية نداء الواجب والاستماتة في الدفاع عن الأرواح والممتلكات وأمن الوطن والمواطنين، والتوفر على شبكة من العلاقات الدولية وقاعدة من المعلومات الموثقة والدقيقة، من أبرز الخصوصيات المميزة للأجهزة الأمنية المغربية ومكتسباتها في استراتيجية إبطال مفعول كل الأعمال الإرهابية التي استهدفت بها المملكة، وبكثافة، في محطات عرفت انتصارا وطنيا ساحقا على مخططات إجرامية وتدميرية كشفتها الأجهزة الأمنية ووقت بلادنا من تداعياتها وأضرارها. فتحية عالية لكل الساهرين على أمن البلاد وسلامة المواطنين، والذين أثبتوا مرة أخرى أنهم جزء من العبقرية المغربية في مواجهة التحديات وكسب الرهانات، وما أكثرها، بثقة كبيرة في مؤسسات البلاد الراسخة، وبإيمان عميق بأن للبيت ربا يحميه ويحفظه بعينه الساهرة التي لا تنام "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".