يشهد المغرب تحولا ديموغرافيا بارزا مع تراجع معدل الخصوبة إلى أقل من طفلين لكل امرأة بحلول عام 2024، وفقا لتقرير المندوبية السامية للتخطيط هذا التراجع، الذي تخطى عتبة تعويض الأجيال المقدرة عالميًا ب2.1 طفل لكل امرأة، يعكس تغييرات جذرية في أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسر المغربية، وتتجلى هذه التحولات بشكل أوضح في نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى، حيث انخفضت نسبة الأطفال دون سن 15 عاما، وارتفعت نسبة السكان الذين تجاوزوا 60 عاما هذه المؤشرات تضع المغرب أمام تحد ديموغرافي قد يحدث تغييرات عميقة في بنية الهرم السكاني. تعتبر بشرى لمرابط، أخصائية نفسية وباحثة في علم النفس الاجتماعي، أن العامل الرئيسي وراء تباطؤ النمو السكاني كما ورد في تقرير المندوبية السامية للتخطيط يرتبط بشكل أساسي بالعوامل الاقتصادية، خصوصا بعد جائحة كورونا، فقد شهدت البلاد ارتفاعا في معدلات البطالة وإفلاس العديد من الشركات والمقاولات بالإضافة إلى استمرار سنوات الجفاف التي أفقدت الكثيرين وظائفهم حتى في القطاع الفلاحي. وفي المقابل، نجد أن الأقاليم الثلاثة الصحراوية وهي جهة العيون الساقية الحمراء وجهة وادي الذهب، وجهة كلميم واد نون، قد سجلت نسبة نمو ديمغرافي بلغت 4.88 بالمئة خلال السنوات العشر الأخيرة، بينما لم تتجاوز النسبة 0.85 بالمئة في مدن الشمال والوسط. وترى لمرابط أن هذا التفاوت يعود أساسا إلى انخفاض تكلفة المعيشة في المناطق الصحراوية مقارنة بباقي المدن ذات الطابع الحضري. وتضيف لمرابط أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية والمحروقات مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بما في ذلك الطبقة المتوسطة. وتؤكد أن هذه التحولات الاقتصادية مقارنة مع الأجور والدخل المالي للأسر تعد من أهم الأسباب التي تدفع العديد من الأسر إلى تقليص عدد الأبناء إلى واحد أو اثنين فقط ، نظرا لارتفاع تكلفة المعيشة خصوصا في المدن الكبرى وتشمل هذه التكاليف مصاريف التعليم الخاص بسبب عدم توافق توقيت المدرسة العمومية مع أوقات عمل الوالدين، بالإضافة إلى تكاليف الدروس الخصوصية والأنشطة الموازية والخدمات الصحية. وترى لمرابط أن التحليل الذي يربط تراجع النمو السكاني بتحولات في القيم المجتمعية ليس دقيقا حيث إن عدد الأفراد الذين لا يؤمنون بالزواج والإنجاب ما زال محدودا جدا. وتشير إلى تقرير سابق للمندوبية السامية للتخطيط والذي لم يورد أي مؤشر على وجود توجه عام لدى الشباب المغربي نحو رفض الزواج والإنجاب وتؤكد أن الأسباب الاقتصادية هي العامل الرئيسي وراء هذا التراجع مشيرةً إلى أن الرغبة في الإنجاب والاستقرار الأسري أمر طبيعي لدى الإنسان سواء من الناحية البيولوجية أو النفسية. وتحذر لمرابط من أن انخفاض مؤشر الخصوبة ستكون له تداعيات خطيرة على الأسرة المغربية التي قد تشهد انحصارا واضحا ما لم يتم اتخاذ سياسات استباقية لمعالجة الأمر. وتشير إلى أن تقلص النمو الديمغرافي قد يؤدي إلى اختفاء بعض الأسماء العائلية، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية على الدولة بشكل عام على غرار ما تعانيه بعض الدول الأوروبية من ارتفاع نسب الشيخوخة وتراجع النمو السكاني، وتستشهد بالصين والولايات المتحدة كنموذجين لدول استفادت من الكثافة السكانية في تعزيز قوتها الاقتصادية والعسكرية. وترى لمرابط أن تقلص النمو السكاني سيؤثر أيضا على منظومة القيم الاجتماعية، حيث إن الأسرة تعد البنية الأساسية لنقل القيم المجتمعية وتشكيل التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة. وفي غياب الأبناء قد تظهر قيم جديدة تركز على الفردية وهو ما شهدته أوروبا وكان ينبغي على المغرب الاستفادة من تجربتها. وتدعو لمرابط إلى إعادة النظر في السياسة الإنجابية بالمغرب من خلال مراجعة مخلفات السياسات السابقة التي ركزت على تنظيم النسل واعتماد نموذج الطفلين كحد أقصى، وتؤكد ضرورة تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وإعادة النظر في أسعار المواد الأساسية وضمان مجانية التعليم وتعديل توقيت الدراسة في المدارس العمومية ليتلاءم مع أوقات عمل الوالدين بالإضافة إلى تحسين الخدمات الصحية والاجتماعية.