لا يزال مشروع تصميم تهيئة مدينة الرباط يواجه رفضا واسعا من بعض الأحزاب السياسية، التي تطالب بضرورة اعتماد مقاربة تشاركية تتيح إشراك التنظيمات الحزبية، وجمعيات المجتمع المدني وسكان المدينة في صياغة المشروع بدلا من حصر عملية الإعداد ضمن الوكالة الحضرية، هذه الأخيرة تعرضت لانتقادات من مستشارين في مجلس المدينة الذين اتهموها بالمساهمة في طمس الموروث التاريخي للعاصمة الإدارية. بحسب مصادر مطلعة، يتوقع أن يؤدي المشروع إلى ترحيل آلاف الأسر من العاصمة إلى المناطق الهامشية المجاورة، هذا السيناريو أثار قلق سكان الأحياء الشعبية الذين يرون في المشروع تهديدا لاستقرارهم الإجتماعي وحياتهم اليومية داخل المدينة. المشروع الذي يروج له كخطوة نحو إعادة هيكلة الفضاء الحضري وتطوير البنية التحتية، أثار جدلا حول تأثيره على النسيج الاجتماعي، حيث يرى المنتقدون أنه يقصي الفئات الأقل حظا ويزيد من معاناتها. في المقابل، دعت جمعيات المجتمع المدني إلى ضرورة فتح حوار شامل وشفاف حول المشروع لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق السكان المتضررين، هذه الجمعيات طالبت بوضع حلول عادلة تشمل توفير بدائل سكنية لائقة وتعويضات مناسبة بما يضمن استقرار السكان ويحافظ على طابع المدينة الاجتماعي. وفي هذا الإطار صرح فاروق مهداوي مستشار جماعي بمجلس جماعة الرباط، أن مشروع تصميم تهيئة مدينة الرباط المرتقب، يعد جزءا من رؤية استراتيجية تهدف إلى إعادة تأهيل وتطوير المدينة على المدى الطويل، وفقا لتصور يمتد لعشر سنوات. وأوضح أن المشروع لا يزال في مرحلة الدراسة. ولذلك لا يمكن تحديد الجداول الزمنية الدقيقة لتنفيذه، بما في ذلك عمليات هدم المساكن العشوائية وتوسيع الشوارع، حيث إن هذه القرارات ستتحدد بعد اكتمال دراسة المشروع. وأكد المستشار الجماعي، أن بعض الأحياء ستشهد عمليات هدم، من بينها أحياء النوايل وحي الأحباس وحي يعقوب المنصور، وخاصة المنازل التي تطل على شارع مصطفى السايح، الذي يُعد جزءا من الواجهة البحرية للمدينة. كما أشار إلى أنه سيتم توسيع بعض الأزقة في تلك المناطق، وهو ما قد يؤدي إلى تضرر بعض الأسر خاصة في شارع السلام حيث يتوقع أن تطال عمليات التوسيع بعض المنازل المتواجدة هناك. وأضاف أن مشروع التهيئة سيؤدي بشكل طبيعي إلى زيادة أسعار العقارات في المنطقة، وهو ما سينعكس بدوره على تكاليف المعيشة. وبالتالي فإن ارتفاع تكاليف المعيشة سيؤدي إلى تغييرات في التركيبة الاجتماعية للمنطقة حيث ستقتصر على الطبقات الاجتماعية القادرة على تحمل هذه الزيادة في الأسعار. فيما يتعلق بمصير الأسر التي ستتضرر من هدم منازلها، أكد أن هذه القضية ستتم مناقشتها خلال مراحل تنفيذ المشروع، حيث سيتم تحديد آليات تعويض أو ترحيل الأسر المتضررة، ووفقا للتجارب السابقة التي شهدتها مدينة الرباط مثل عملية هدم المنازل في دوار الكرعة وأحياء أخرى فإن غالبية الأسر التي تم هدم منازلها في تلك المشاريع تم ترحيلها إلى المناطق المجاورة مثل "تامسنا، عين عودة، وعين عتيق." وفيما يخص شارع السلام، أوضح فاروق مهداوي أنه لن يتم هدم المنازل في هذا الشارع، بل ستقتصر عملية الهدم على إزالة المساكن العشوائية والمباني التي تم تشييدها على الأراضي العامة، وهي الإجراءات التي تأتي ضمن إطار الحفاظ على تنظيم المدينة وتطوير بنيتها التحتية، وأكد أن تنفيذ المشروع سيكون وفقا للإطار القانوني المعتمد بعد إصدار المرسوم التطبيقي الذي سيحدد تفاصيل وآليات تنفيذ هذا المخطط الكبير. يذكر أن هذا المشروع يركز على تحسين البنية التحتية وتعزيز الطابع الجمالي للمدينة، بما يشمل إنشاء مساحات خضراء ومرافق جديدة، وتطوير شبكات الترامواي ووسائل النقل العمومي، وتوسيع الطرق الرئيسية مثل شارع علال الفاسي وشارع السلام، كما يهدف المشروع إلى تحسين جودة البناء من خلال اعتماد معايير معمارية صارمة، تشمل تصميم الواجهات والمباني المطلة على الشوارع الرئيسية. في إطار هذه التحسينات، يتطلع المشروع إلى تحويل بعض المناطق إلى أحياء عصرية تضم عمارات شاهقة تتخللها مساحات خضراء وأزقة واسعة. كما يتضمن إحداث مواقف للسيارات، مراكز صحية، وأسواق قرب تخدم السكان بشكل أفضل. إلى جانب ذلك يخطط لتوسيع شبكة الطرق الرئيسية وتطوير وسائل النقل لتعزيز انسيابية الحركة داخل المدينة. ورغم هذه الرؤية الطموحة، يبقى المشروع موضوع جدل واسع بسبب تداعياته المحتملة على الفئات الأكثر ضعفا، مما يفرض ضرورة تحقيق توازن بين تطوير المدينة وضمان حقوق سكانها الأصليين، بحيث تكون الرباط مدينة للجميع، تحتضن تاريخها وتطور حاضرها دون المساس بنسيجها الاجتماعي.