تواجه المرأة المصابة بسرطان الثدي تحديات نفسية وعاطفية كبيرة منذ لحظة التشخيص، حيث تشعر العديد من المريضات بالقلق والخوف من المستقبل، وتبدأ أفكار التشاؤم والتساؤلات حول الهوية والأنوثة بالتسلل إلى أذهانهن، مما قد يؤدي إلى تراجع في تقدير الذات وزيادة الضغوط النفسية. ارتأينا أن نقدم لقراء جريدة "رسالة الأمة" رجالا ونساء بعض النصائح المهمة لكيفية التعامل مع مريضة السرطان من خلال الدكتور هشام العفو، متخصص ومعالج نفساني، رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب . ما التأثيرات النفسية الشائعة التي تواجهها المصابات بسرطان الثدي؟ تعاني المصابات بسرطان الثدي من تأثيرات نفسية متعددة، تتفاقم بسبب الظروف الاجتماعية التي تجبرهن على إنكار مرضهن وكأنهن هن المسؤولات عن الإصابة. هذه الوصمة الاجتماعية تتسبب في شعور المريضات بالذنب، مما يؤثر سلبا على حالتهم النفسية، فالطريقة التي يتعامل بها أفراد الأسرة والمجتمع معهن تفتقر في كثير من الأحيان إلى آليات التواصل الصحي، مما يساهم في تفاقم مشاعر القلق والاكتئاب. وتشير الدراسات إلى أن ما بين 10بالمئة إلى 30بالمئة من النساء المصابات بسرطان الثدي يعانين من أعراض قلق حادة. هذه الحالة النفسية المعقدة تعيق الاستعداد للعلاج وتزيد من خطر الاكتئاب، حيث تعاني حوالي 20بالمئة إلى 30بالمئة من المصابات من أعراض اكتئاب سريرية بعد التشخيص،فالاكتئاب قد يرتبط بنتائج سلبية وخطر أعلى للوفاة، وهو ما يغفله المحيطون بالمريضة. وتظهر أيضا اضطرابات ما بعد الصدمة لدى 30 بالمئةإلى 40بالمئة من المصابات، خاصة في فترات النقاهة بعد العلاج، حيث تعاني بعضهن من أعراض تشير إلى تجارب صادمة مرتبطة بالمرض، و تشمل الاضطرابات النفسية الأخرى القلق المعمم، التوتر الحاد، تغييرات المزاج، وضعف المناعة. أهم التأثيرات النفسية: 1. اضطراب ما بعد الصدمة:تعاني 30-40بالمئة من المصابات من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المرتبطة بتشخيص السرطان وعلاجه. 2. الضغط النفسي العام:تشير الدراسات إلى أن 30-40 بالمئة من المريضات يعانين من مستويات مرتفعة من الضغط النفسي غير المحدد. 3. مشاكل صورة الجسم:التغيرات الجسدية الناتجة عن العلاج تؤثر سلبا على صورة الجسم وتقدير الذات. 4. التغيرات المعرفية:تعاني بعض المريضات من "ضباب الكيماوي" الذي يؤثر على الذاكرة والتركيز. 5. مشاكل النوم:يبلغ حوالي 50بالمئة من مريضات سرطان الثدي عن مشاكل في النوم والأرق. 6. الخوف من عودة المرض:القلق من عودة السرطان شائع بين المريضات والناجيات. 7. تحديات العلاقات:تؤثر التجربة على العلاقات الشخصية والحميمية. 8. المخاوف الوجودية:مواجهة احتمال الموت قد تثير تساؤلات حول المعنى والغرض في الحياة. تشير الأبحاث إلى أن هذه التأثيرات النفسية شائعة جدا، حيث تعاني 30-40 بالمئة من المريضات من أعراض سريرية كبيرة في مجالات متعددة. لذلك، يعد توفير الدعم النفسي والاجتماعي والرعاية الصحية النفسية جزءا أساسيا من العلاج الشامل لسرطان الثدي. كيف يؤثر سرطان الثدي على صورة الذات والثقة بالنفس لدى المصابات؟ تواجه النساء المصابات بسرطان الثدي حالة من الذهول والصدمة عند تلقي خبر نتائج الفحوصات، والتي قد تتضمن التصوير الشعاعي "الماموغرام" والموجات فوق الصوتية والرنين المغناطيسي، كل هذه المراحل تمثل تحديات صعبة تؤثر على صحة المرأة النفسية وتزيد من مستويات القلق لديها، مما قد يؤدي إلى مشاعر رهاب الأماكن الضيقة. وتعتبر صورة الجسد مرتبطة ارتباطا وثيقا بصورة الذات، وتعاني المرأة المصابة بسرطان الثدي من تدهور كبير في صورة جسدها، حيث يعتبر الثدي رمزا للجمال والأنوثة، وعندما يشخص السرطان تشعر المرأة بأنها تفقد جزءا من هويتها، مما يؤثر بشكل كبير على توازنها النفسي والعاطفي، خاصة إذا كانت لا تزال في سن الشباب. تشير الدراسات إلى أن التشخيص قد يتسبب في اضطراب الهوية الذاتية، حيث تشعر النساء بفقدان السيطرة على أجسادهن وحياتهن، مما يدفعهن إلى التصرف بطرق غريبة أو ضارة. كما أن الجراحة الاستئصالية قد تحدث تشوها ذهنيا في صورة الذات والجسد، مما يؤدي إلى اضطراب تفكك الهوية في بعض الحالات. هل يمكن أن يؤثر المرض على العلاقات الاجتماعية والأسرية؟ وكيف يمكن تحسين هذه العلاقات؟ للأسف، نشهد بعض السلوكيات السلبية التي تثير الاستغراب، خصوصا حين يتخلى الزوج عن زوجته المصابة بسرطان الثدي، فبدلا من تقديم الدعميبدأ في إهمالها أو في زرع شعور بالذنب لديها وكأنها هي السبب في تدهور العلاقة الأسرية أو حرمانه من الحميمية. كما يسيء البعض الربط بين إصابة الزوجة بمرض السرطان وأفعال وسلوكيات معينة، وكأن الله ينتقم منها. لقد استقبلنا العديد من الحالات التي تدخل ضمن نطاق "العنف النفسي وسوء المعاملة"، فقد يتراجع البعض تدريجيا عن تحمل المسؤولية، ويتعامل مع الزوجة كما لو كانت شخصا غير مرغوب فيه مما يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب أو تفاقم اضطرابات الصدمة النفسية لديها. وتعاني بعض النساء من حساسية مفرطة بسبب تلقيهن عبارات سلبية مثل: "مسكينة، لقد أصيبت وهي صغيرة…"، مما يترك آثارا مدمرة على نفسيتهن. كذلك، يمكن أن يؤدي الاهتمام المبالغ فيه إلى ضعف المناعة، ويشعر المرأة بالهشاشة النفسية والجسدية. لهذا، يجب التحذير من سلوكيات قد تؤثر سلبا على الحالة النفسية، مثل التعنيف أو إجبار المرأة على ممارسة العلاقة الجنسية بدون رضاها. كما يعتبر إدخالها في صراعات مرهقة أمرا مقلقا، حيث تكون في لحظات حساسة، مما يزيد من مستويات القلق والتوتر، ويؤثر سلبا على قدرتها على التعامل مع الأفكار والمواقف الانفعالية. هذه العوامل تؤدي إلى تدهور الحالة النفسية والصحية، وقد تتسبب في توقف العلاج أو تفاقم الأوضاع بعد حصص العلاج وبالتالي، قد يضطر الطبيب إلى إحالة المرأة إلى مختص نفسي، رغم قلة التخصصات المتاحة في الطب النفسي السرطاني، والتي تقتصر غالبا على بعض المصحات الخاصة ذات التكلفة العالية. كيف يمكن لمريضة سرطان الثدي التعامل مع القلق والاكتئاب الناتج عن المرض؟ من المهم أن ندرك أنه من الصعب على المرأة المصابة بسرطان الثدي أن تتعامل بحذر مع مشاعر القلق والخوف والتوتر والاكتئاب، نظرا لحالتها النفسية والجسدية الضعيفة. لذا، يلعب تخصص علم النفس السرطاني دورا حاسما في متابعة الحالة منذ بداية التشخيص. يجب أن يقوم المتخصص في هذا المجال بإبلاغ المريضة بنتائج التشخيص بطريقة تتناسب مع وضعها، حيث تنتقل من كونها "امرأة أو شابة أو زوجة" إلى "مريضة مصابة بسرطان الثدي"هذا الانتقال يمكن أن يكون مدمراويؤثر سلبا حتى بعد انتهاء العلاج. علاوة على ذلك، فإن انقطاع المريضة عن أسرتها ومحيطها الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى شعورها بالعزلة وفقدان حس الانتماء، مما يؤثر سلبا على قدرتها على التأقلم بعد العلاج، قد تحتاج هذه العملية إلى جلسات علاج نفسي طويلة الأمد. يتعلق الأمر أيضًا بكيفية إدارة الانفعالات والقلق، مما يتطلب تدريبا وعناية خاصة بالمرأة، لمساعدتها على التكيف مع وضعها الجديد فيما يتعلق بالاكتئاب. كيف يمكن التعامل مع الخوف من عودة السرطان بعد التعافي؟ يعتبر هذا السؤال مهما وهادفا، ويشير إلى أهمية التشخيص الدقيق وإبلاغ المريضة بسرطان الثدي من قِبل متخصص نفسي في علم النفس السرطاني، ويتطلب الأمر متابعة نفسية مستمرة، حيث يمكن أن تتحول المرافقة إلى علاج نفسي دقيق. تعاني بعض النساء من اضطرابات نفسية، مثل الخوف الذي يرتبط بمرضهن، مما قد يؤدي إلى حالات مثل رهاب الأماكن الضيقة بعد الفحوصات مثل الرنين المغناطيسي، ومع تطور الاضطرابات قد تواجه النساء نوبات هلع وزيادة في ضربات القلب دون سبب واضح، مما يؤثر على توازنهن. هناك أيضا "اضطراب الخوف الناتج عن الصدمة"، الذي يتجلى في أعراض نفسية وجسدية، حيث قد تشعر المرأة بالرعب من احتمال تجدد الإصابة بسرطان الثدي أو انتقاله إلى الثدي الآخر، هذا القلق قد يفسر أحيانا بوجود وسواس قهري مرتبط بالمرض، مما يزيد من تفكيرها في الألم ويشعرها بأنها تعاني من انتشار السرطان. هنا تأتي أهمية المعالج النفسي المعرفي الذي يعمل على تعديل الأفكار المشوهة المتعلقة بالمرض ويساعد المرأة على تطوير نمط تفكير إيجابي وفق خطة علاجية متكاملة. كيف يمكن للأسر والأصدقاء دعم المصابات نفسياً خلال فترة العلاج؟ يجب أن يأتي الدعم المعنوي الذي تقدمه الأسر للنساء المصابات بسرطان الثدي من وعي حقيقي بطبيعة الحالة، بدلا من الاعتماد على نصائح جاهزة قد تؤدي إلى تفاقم وضعهن في بعض الأحيان تقدم الأسر نصائح خطيرة أو توجه النساء نحو "رقاة" أو ممارسات غير علمية، مما قد يسبب حالات هلوسة أو هذيان، وقد لوحظ أن بعض النساء خاصة من فئات اجتماعية ضعيفة يتبعن نصائح الأسرة أو الأصدقاء لشرب مواد معينة تحت ادعاءات الوقاية. من الضروري توجيه الأسر إلى ما يعرف في علم النفس ب"التعليم العلاجي للمرضى السرطانيين"، الذي يقدم إطارا علميا لمساعدة النساء المصابات، خاصة خلال فترات العلاج. يجب أن يدعموا جهود الفرق الطبية والنفسية بدلا من تقويضها.كما أن الدعم النفسي يجب أن يقدم فقط من قبل متخصصين نفسيين، وليس عبر مقاطع الفيديو على الإنترنت، حيث أن ذلك قد يؤثر سلبا على البناء النفسي للمرأة. ينبغي أن يكون الدعم بسيطا وعاديا، مع تجنب الأسئلة المحرجة أو المقارنات مع الأخريات، والابتعاد عن المشاحنات والنقاشات التي قد تؤدي إلى عزلة المرأة لذلك، من المهم إتباع إرشادات المتخصصين النفسيين وعدم الاعتماد على ما يسمى "التحفيز الإيجابي" من أشخاص غير مؤهلين، لأن ذلك قد يكون له آثار سلبية على النساء اللواتي يعانين من اضطرابات نفسية نتيجة المرض.