كشف مجلس المنافسة عن العيوب والثغرات التي تعتري مشروع القانون رقم 69.21 المغير والمتمم للقانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة وسن أحكام خاصة بآجال الأداء، كما وقع تغييره وتتميمه. وقال المجلس في رأي صادر عنه، تتوفر "رسالة الأمة" على نسخة منه، إن دراسة مشروع القانون المذكور، أثارت "مجموعة من القضايا والإشكاليات ذات الصلة بالبعد التنافسي، وتهم، على الخصوص، كيفيات تطبيق العقوبة المالية، وإمكانيات منح الاستثناء للآجال القانونية، والإعفاء من أداء الغرامات، وكذا إلزامية التصريح الإلكتروني بالفواتير غير المؤداة أو المؤداة خارج الآجال القانونية، فضلا عن دور المديرية العامة للضرائب في إرساء الآليات الكفيلة بتطبيق مشروع القانون". تفادي آجال أداء تعسفية وفي مجال تقليص آجال الأداء والمساهمة لتحسين مناخ الأعمال، أكد المجلس أن مشروع القانون رقم 69.21 جدد التأكيد على إرادة الحكومة في تنظيم آجال الأداء لكونها تندرج، من حيث المبدأ، في سياق تكريس الحرية التعاقدية للعلاقات التجارية القائمة بين المقاولات، غير أنه "من وجهة نظر تنافسية، يتفهم مجلس المنافسة، من جهة، النوايا التي تدفع بالدولة إلى التدخل في العلاقات بين المقاولات الخاصة أخذا بعين الاعتبار الرهانات المتعلقة بآجال الأداء" وأكد المجلس أن المنطق العام الذي يستند عليه الإصلاح يبقى مقبولا لسببين أولها " قد تظهر ممارسات من شأنها التأثير على المنافسة، لاسيما إذا كانت العلاقات التجارية بين مقاولة صغيرة الحجم وأخرى كبيرة الحجم من جهة، وبين مقاولتين كبيرتا الحجم من جهة ثانية، تؤطر وفقا لمقتضيات تختلف جوهريا في مجال الأداء، لاسيما إذا كانت كلتا الفئتين تنشطان في السوق ذاتها"، وثانيها أنه "يمكن اعتبار تأطير آجال الأداء إحدى الأدوات الكفيلة بتطوير المنافسة، إذ تساهم في حماية الفاعلين الاقتصاديين، وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة، والحيلولة دون اضطرارهم إلى تحمل آجال أداء تعسفية قد تفرضها المقاولات الكبرى. ويعتبر مجلس المنافسة أن الإصلاح المتوخى قد يشكل دعامة لضمان الأمن الاقتصادي للمقاولات، ويبعث إشارات إيجابية للمستثمرين من داخل وخارج المغرب، لاسيما وأن الأزمة الصحية الحالية أفضت إلى تفاقم ظاهرة التأخر في تسديد المستحقات العالقة بذمة المقاولات. وفيما يتعلق بنطاق تطبيق مشروع هذا القانون، فأوضح المجلس أن مقتضيات مشروع القانون لا تسري على المقاولات التي يقل رقم معاملاتها السنوي عن مليوني درهم. وتستثني أيضا من نطاق تطبيقها فرض الغرامة على الفواتير التي يقل أو يعادل مبلغها 10000 درهم، متسائلا عن "عن جدوى الاستثناءات التي تضع الشركات الرئيسية المعنية بمشكلة التأخر في الأداء خارج نطاق تطبيق القانون، أي المقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة، لاسيما وأن هذه الأخيرة تتوفر كثيرا على فواتير عالقة بذمتها لا تتجاوز سقف 10000 درهم ، فضلا عن ذلك يحتمل أن يفضي تحديد هذا السقف إلى تقسيم الفواتير بهدف الالتفاف على العقوبات المنصوص عليها في مشروع القانون، وبالتالي إفراغه من مضمونه". تجاهل حق الدائنين وبخصوص تطبيق العقوبة المالية، لاحظ مجلس المنافسة أن مشروع القانون تجاهل حق الدائنين، إذ أقر عقوبات تأخير لحث المدينين على احترام آجال الأداء. إلا أنه لم ينص، بالمقابل، على أي آلية لحماية الطرف الضحية والمتضرر من عدم أداء مستحقاته ولو للتعويض عن الضرر الذي لحق بالضحية من حيث كلفة تحصيل الديون والتكاليف الإضافية المتعلقة بالتأخر في الأداء. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن العقوبات المقترحة من طرف مشروع القانون تثير ثلاثة مخاطر من ناحية المنافسة، أولها طريقة احتساب الغرامة المالية المطبقة في حالة تجاوز آجال الأداء القانونية، حيث لا تنسجم مع كيفيات تحديد هذه الآجال لكون الغرامة تحتسب بناء على كل شهر تأخير، بينما تحدد الآجال وفقا لعدد الأيام، وثانيها "تحدد العقوبات المالية المنصوص عليها، في حالة غياب أو التأخر في التصريح بوضعيةالفواتير غير المؤداة أو المؤداة خارج الآجال القانونية، بالقيمة المطلقة وحسب أشطر رقم المعامات المنصوص عليها في مشروع القانون"، وثالثها تنصيص مشروع القانون على عقوبة جزافية قدرها 5000 درهم على كل فاتورة في حالة الإدلاء بتصريح غير مكتمل أو غير كاف. وأشار المجلس أن هذه المقاربة لا تتلاءم مع الفواتير ذات مبالغ صغيرة ويمكن اعتبارها تمييزية إزاء المقاولات متوسطة وصغيرة الحجم، حيث ستطبق نفس العقوبة على كافة الفواتير بصرف النظر عن مبالغها. ممارسات تمييزية وغير مشروعة وبخصوص ملاحظات المجلس حول المادتين 3 و 4 من مشروع القانون، والتي نصت على منح إعفاءات وآجال استثنائية لأداء لفائدة مهنيين ينشطون في قطاع معين، تتجسد في تحديد آجال لأداء تمتد لمدة أطول من المدة القانونية الجاري بها العمل، والتي تصل إلى 180 يوما، فقد أعلن المجلس تحفظه على المادة 3 مفسرا ذلك بكون "الطابع الاستثنائي لآجال الأداء المتمثل في الطريقة المتبعة لاعتماده، يبين أن هناك إقصاء تلقائي للسلطات الحكومية طالما أن هذه الاستثناءات لن يصادق عليها بموجب مرسوم، وتقصي بالتالي مجلس المنافسة. وتنطوي هذه الاستثناءات، بالدرجة الثانية، على ممارسات تمييزية من شأنها إقصاء المقاولات التي لا تنتمي للهيئات المهنية الموقعة على الاتفاق المحدث لهذه الاستثناءات". وأشار المجلس إلى أن استثناء معين قد يفضي إلى منح المقاولات الموقعة على الاتفاق، في إطار العلاقات التي تجمعها بمورديها، آجال لأداء تفضيلية من تلك التي تحددها الآجال القانونية، طول مدة صلاحية الاتفاق المهني، واستفادتها بالتالي من امتياز تنافسي، مبرزا أنه "يمكن أن يترتب عن هذا النوع من الاتفاقات ممارسات تحرف سير المنافسة، طالما أن نطاق تطبيقها يسري فقط على المقاولات المنتسبة للمنظمة المهنية المعنية بالاتفاق وليس لمجموع المقاولات الخاضعة لشروط مماثلة في ممارسة نشاطها". وخلص المجلس إلى أن مقتضيات المادة 3 من مشروع القانون تنطوي على مخاطر تنافسية، تتجسد في ممارسات تمييزية وغير مشروعة تطال المقاولات، بصرف النظر عن انتسابها أو لا لمنظمة مهنية موقعة على الاتفاق، إضافة إلى ذلك، "قد تعكس هذه الاتفاقات، وإن كانت محدودة في الزمن، إشارات سلبية تبعث للفاعلين الاقتصاديين من خال تزكيتها للممارسات السيئة وتوسيع نطاقها لتشمل سائر الأنشطة الاقتصادية الوطنية. وتفضي، بالتالي، إلى التشكيك في فعلية مشروع هذا القانون". لبس وغموض وفي ما يتعلق بمنح إعفاء فردي من تسديد الغرامة، فيرى المجلس أن "كيفيات تفعيل هذا الإجراء يلفها الكثير من اللبس والغموض، لاسيما وأن مشروع القانون لا يتضمن مقتضيات تؤطر السلطة التقديرية للوزارة، عبر إلزامية تعليل قبول أو رفض طلب الإعفاء"، إضافة إلى ذلك، "لم تشر المقتضيات المذكورة بدقة إلى الشروط أو طريقة العمل الواجب استيفاؤها من طرف المقاولات لتمكينها من الاستفادة من هذا الإجراء، تاركة بالتالي، سلطة تقديرية واسعة لإدارة لتقييم هذه الشروط ونطاق تطبيقها"، وهو ما قد يترتب عليه " التعامل بشكل فردي مع كل حالة على حدة، وقد يتسبب في ممارسات تمييزية تقوم بها الإدارة، ويسفر عن حالات تتسم بالغموض وانعدام الشفافية". وبخصوص دورية إيداع التصريح بالفواتير غير المؤداة أو المؤداة خارج الآجال القانونية بصفة دورية، فإن رأي المجلس هو أن "إيداع التصريح بصفة دورية سنويا، والمرتبط بإيداع القوائم التركيبية للموازنة الإجمالية السنوية غير مناسب وجد متأخر"، إذ أكد أن " هذه المدة الطويلة تعتبر غير ملائمة لضمان حماية أفضل لحقوق الدائنين وخزينتهم من جهة، خاصة المقاولات الصغيرة جدا والمقاولات المتوسطة والصغرى، ومن جهة، أخرى اتخاذ تدابير زجرية في حق المتأخرين في الأداء". ومن جهة أخرى، فيما يتعلق بالآثار الجبائية لآجال الأداء وتداعياتها على السير التنافسي للأسواق، فتطرق المجلس إلى أن "احتساب الوعاء الخاضع للضريبة لا يراعي دائما الإكراهات الناجمة عن الإخال بآجال الأداء ويفضي، بالتالي، إلى ممارسات تحرف سير المنافسة في السوق". من أجل منافسة شريفة وحرة هذا وقد اقترح مجلس المنافسة مجموعة من التوصيات تتعلق بالإشكاليات التنافسية التي يثيرها مشروع القانون السالف الذكر، وذلك بهدف تقديم عناصر من شأنها تحسين مشروع القانون، وجعل تطبيقه فعليا وعلى نحو يتوافق مع قواعد المنافسة الحرة والشريفة. وفي هذا السياق أوصى المجلس ب"ملاءمة وتيرة التصريح بالفواتير، المنصوص عليها في مشروع القانون، بعمليات التصريح التي تقوم بها المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا والمتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة، أي كل ثلاثة أشهر"، وبأن "تخضع هذه التصريحات وجوبا لمصادقة مراقب حسابات أو خبير محاسب أو خبير معتمد، طبقا لأسقف رقم المعامات المنصوص عليها في مشروع القانون". واعتبر المجلس أن هذا النظام سيمكن، من جهة، من ضمان حماية أفضل للدائنين وردع المتخلفين عن الأداء، ومن جهة ثانية تفادي عمليات مراقبة مفرطة التي تقوم بها الإدارة، إذ يمكنها الاكتفاء بالتحقق من عينات من الفواتير طالما أن هذه الأخيرة تخضع لمراقبة ومصادقة المهنيين المحاسبين. ومن توصيات المجلس أيضا "إرساء نظام للتصريح شامل، بطريقة إلكترونية، يدرج الفواتير المتوصل بهاوالصادرة على حد سواء، متضمنة المعلومات الضرورية، المنصوص عليها في مشروع القانون"، إضافة إلى "عدم تطبيق الغرامة المالية، المنصوص عليها في مشروع القانون، على الفواتير التي تشكل موضوع طعن باشرته المقاولة التي توصلت بها، لاسيما إذا كان هذا الطعن معززا بوسائل إثباتية على غرار رفع دعوى قضائية أمام المحكمة.