لم يفت رئيسة صندوق النقد الدولي، وهي تشيد بالجهود التي يبذلها المغرب من أجل تصحيح وضعيته المالية، من أن تضع النقط على الحروف وتواجه المسؤولين المغاربة خاصة رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بما تراه أنه يدخل في باب التحذير والتنبيه إلى المخاطر التي تحملها أية سياسة اقتصادية ومالية لا تضع نصب عينيها المحافظة على الطبقة الوسطى ودعمها وحمايتها ومساعدتها على مواجهة التحديات والإكراهات المتعددة للازمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على الوضع الاقتصادي والتنموي بالمغرب. من هنا نقول أن على المسؤولين في الحكومة أن لا يقفوا عند "ويل للمصلين"، وأن لا ينظروا فقط إلى نصف الكأس المليء، بل أيضا إلى النصف الآخر الفارغ، من باب "بضدها تعرف الأشياء"، وأن السؤال عن الشر أو الاسوأ أولى من السؤال عن الخير أو الأحسن، ما دام أن بلادنا لا زالت تواجه كثيرا من التحديات والرهانات والإكراهات والتي عجزت "حكومتنا الموقرة" عن التعاطي معها بالكيفية الصحيحة والمناسبة، وفضلت كعادتها البحث عن حلول مؤقتة وظرفية ومتسرعة بهدف إعطاء انطباع لدى المؤسسات المالية الدولية أن كل شيء يسير على ما يرام. تحذير المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، لم يأت من فراغ، بل ولا شك أنه مبني على تقرير ومعطيات ومعلومات يتوفر عليها الصندوق بشأن طبيعة وحقيقة الوضعية المالية والاقتصادية للمغرب، بالرغم من الإشادة المعلنة، لأن المغرب كباقي البلدان العربية الأخرى لا زال في خطر في ظل استمرار حالة الاحتقان الاجتماعي التي لم تبادر الحكومة حتى الآن إلى وضع تصور واضح أو استراتيجية محددة لمعالجته عبر آلية الحوار مع ممثلي النقابات بما يجعل إمكانية "عودة الاحتجاجات والخروج إلى الشارع"، أمر غير مستبعد في الظروف الحالية، نظرا ل "الشعور القوي الذي يتملك الطبقات الاجتماعية المتوسطة بالضعف والتهميش، نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية التي أتت على ما تبقى من قدرة شرائية وصمود في وجه موجة الغلاء في الأسعار وجمود الأجور وفقدان العملة الوطنية لقيمتها النقدية. إن على الحكومة أن تقف وقفة تأمل عميقة، وتتمعن في إشارات رئيسة صندوق النقد الدولي، لأن الرهان على الإصلاحات المملاة من طرف هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات الدولية، ستظل منقوصة في حال عدم الأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية لكل إجراء ذي طبيعة مالية صرفة، على الأوضاع الاجتماعية للفئات الاجتماعية المتضررة خاصة الطبقة الوسطى، حيث إن "الشغل والنمو والإنصاف" هو الكفيل بتحقيق رهان التنمية التي تتكون من شقين اقتصادي واجتماعي، الأول لدعم وتشجيع الاستثمار الخاص وإحداث المقاولات، والثاني لدعم الطبقة المتوسطة، وتمكين الجميع من فرصة ركوب السلم الاجتماعي. وبالتالي فإن "وجود طبقة متوسطة قوية للدفع بعجلة الاقتصاد ودعم الاستهلاك والاستثمار في المستقبل وتعزيز تلاحم واستقرار المجتمع، شرط رئيسي لتفادي أي سقوط في مستنقع التوتر الاجتماعي. لقد أكدنا مرارا كما أكد غيرنا من القوى السياسية والنقابية والمدنية أن السياسة الحكومية المتبعة والتي تعتمد على المقاربة المالية والمحاسباتية الصرفة للحفاظ فقط على التوازنات الماكرواقتصادية، محفوفة بكل المخاطر والمنزلقات لما تحمله مؤشرات لتفقير الطبقة المتوسطة، والإجهاز على ما تبقى لديها من قدرة على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية، وهو ما يعرض المجتمع لعدم الاستقرار ويزج به في أتون دوامة العنف الاجتماعي. فالطبقة المتوسطة هي صمام الأمان للمجتمع، لذا فإن الحكومة مطالبة بأن تأخذ بعين الاعتبار كل سياسة اقتصادية ومالية أو اجتماعية، لأنها طبقة تتوفر على الأطر القادرة على النهوض والتقدم بالبلاد نحو الأمام وتلبية حاجيات الاقتصاد الوطني الحديث، وبالتالي لا يمكن للحكومة الادعاء أنها تعمل على " تمكين المواطنين من سبل الارتقاء في السلم الاجتماعي والخروج من الفقر والالتحاق بالطبقة المتوسطة" وعلى العكس فهي على العكس ضرب قدرتها الاقتصادية والمالية و الشرائية والاستهلاكية، ولا تعمل على توزيع عادل للثروة الوطنية ولا تسهر على تقاسم ثمار النمو الممكن بشكل أوسع وأكثر إنصافا. فهل ستستوعب الحكومة ورئيسها رسائل مديرة صندوق النقد الدولي؟ وهل ستبادر إلى مراجعة سياساتها الحالية بشكل معمق وتعيد ترتيب أولوياتها وتدبر كل الأموال التي حصلت عليها من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي وغيرهما من المؤسسات المالية الدولية والعربية، بالحكمة المطلوبة حتى يعود ذلك بالنفع والخير على كل المغاربة؟ أم أنها ستترك دار لقمان على حالها، وتستمر في تكرار أسطوانتها المعتادة حول العفاريت والتماسيح والمشوشين.