صحح الرئيس الجزائري خطأ "غير مقصود" ارتكبه أثناء مقابلة أجرتها معه قبل أسبوع، القناة الفرنسية " فرانس 24″، وذلك حينما أدلى بتصريح نعته بالرسمي، مفاده أن ليس للجزائر أي مشكل مع أشقائها المغاربة، وأنه يرحب بأي مبادرة يمكن أن يتقدم بها المغرب في اتجاه طي ملف التوترات في العلاقات بين البلدين. تصحيح التصريح جاء سريعا، وللإعلام الفرنسي نفسه ممثلا هذه المرة في يومية "لوبينيون" الفرنسية، حيث هاجم الرئيس الجزائري المغرب بدعوته له إلى التوقف عن بناء ثكنة عسكرية بمنطقة جرادة القريبة من الحدود الجزائرية، معتبرا إياها قاعدة عسكرية، ومنذرا بالتصعيد بين البلدين. وبشأن تصريحه السابق عن أنه لا توجد لدى الجزائر أية مشاكل مع المغرب، فإنه أثبت العبارة مع تصحيح خفيف بزيادة جملة وقيد يخصصان عموم العبارة، مفادهما أن المغرب ليس على نفس النغمة والإرادة الجزائرية في شطب المشاكل وإيثار العيش المشترك، وحسن الجوار، قال: " ليست لدينا مشكلة مع المغرب، ونركز على تنمية بلدنا، لكن لا يبدو أن إخواننا المغاربة في نفس الحالة الذهنية". الحالة الذهنية التي يتحدث عنها الرئيس الجزائري، هي هذه الحالة المرضية نفسها لتصريحاته التي لا يفهم منها المخاطب بها، أي شيء يسمح له بالاستقرار على فهم ممكن لتصور حكام الجزائر لطبيعة الخلافات والمشاكل والعلاقات بين البلدين الجارين، فتارة يشطبون المشاكل بجرة لسان، فلا مشكل على الإطلاق، وتارة يطلقون المشكل ويختزلونه في الوجود المغربي نفسه، وتارة يعلنون الاستعداد للحوار بين البلدين والترحيب بأية مبادرة قادمة من المغرب لطي ملفات الخلافات، وفي الآن نفسه يبذلون أقصى جهودهم تلميحا وتصريحا وعملا، لاستبعاد أي تحرك في اتجاه خلق مناخ أو وضع أرضية للتداول بشأن الخلافات. الحالة الذهنية الجزائرية المؤكدة هي الاستمرار في مزيد من العداء للمغرب شعبا وأرضا، وتكريس عقيدة رفض أي يد ممدودة من المغرب تجاه أشقائه، والاستعداد الوحيد الذي ظل حكام الجزائر يهيؤون شعبهم ومنطقتهم له، هو الافتعال المتواصل والمسترسل للنزاع والكراهية المطلقة والعدوان الدائم، غير ذلك من التصريحات الإيجابية الموجهة إلى الخارج، وإلى فرنسا بالتحديد، بشأن تسوية النزاعات بين البلدين المغاربيين، فإنها لا تعني السياسة الداخلية الجزائرية في شيء، ولا المواقف الثابتة للجزائر من المغرب بوصفه بلدا عدوا، قبل أن يكون جارا، تجب محاربته بكل الوسائل، والوقوف في وجه تنميته وتحرير أرضه، لهذا احتضن هذا البلد الجار ولما يقارب الخمسين سنة كل المبادرات المعاكسة للوحدة الترابية للمغرب، وانطلقت منه جميع العمليات التخريبية التي استهدفت مؤسساته وأمنه ومقدساته. والجزائر إلى غاية التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري، تطوف أرجاء المعمور بالأطروحة الانفصالية، وتنفق عليها بما أوتيت أو اقترضت، لإبقائها على الحياة، شوكة دائمة في أقدام الشعوب المغاربية، وغصة في حلق " الإخوان والأشقاء المغاربة"، نِعم الأخوة والجوار، ونعم "الحالة الذهنية الجزائرية" التي يكدرها "الإخوان والأشقاء" المغاربة، بمقاومتهم الظلم وصبرهم على الأذى، ومواصلة الدفاع عن حقوقهم لا يمكن للمغرب أن يحافظ على معادلة الدفاع عن وحدته الترابية، ومد يد الأخوة وحسن الجوار للنظام الجزائري، إذ أن هذا النظام لا يتصور حلا للمشاكل مع المغرب ولا سلاما ولا أمنا ولا حسن جوار، ما لم يهدم هذا الجوار نفسه ويشهدَ المغربَ منزوعَ الأطراف ممزق الكيان، فاشلا في كل مبادراته وسياساته، وذاك لأن بقاء هذا النظام الجزائري وامتداد تطاوله ومؤامراته في المنطقة، رهين بإزاحة المغرب وإفنائه، وزعزعة موقعه التاريخي والسياسي في منطقته ومحيطه القاري والدولي. وإذا لم تعبر الجزائر الشعبية عن هذا المطلب، فإن لسان حال نظامها العسكري وأقواله وأفعاله تذهب صراحة إليه، ولا تدع فرصة تمر دون القدح في المغرب وإعلان العداء له، ورفض يده الممدودة ودعواته لفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين والجارين. لقد كانت الثروة البترولية المتدفقة، التي لم يبذل النظام الجزائري جهدا في تحصيلها، تتكفل بشراء الذمم والضمائر المستترة وتشكيل الأحلاف والعصابات والميليشيات وتمويل الحرب ضد المغرب، واليوم إذ رخصت هذه الثروة في الأسواق، وانخفضت مداخيلها، وصارت لعنةً في وجه النظام الجزائري، وصار الإنفاق على الحرب ضد المغرب نقمة مكلفة، لم يبق لهذا النظام إلا المسارعة في التشويش على بلادنا وافتعال مشاكل جديدة وجزئية لا قيمة لها أمام المشكل الأعظم الذي رعته الجزائر، ومَدَّتْه بكل أسباب البقاء والحياة والتوسع، وهو غرس عصابة إرهابية مسلحة بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية من دبابات وقاذفات للصواريخ، على امتداد الشريط الحدودي الصحراوي بين الجزائر والمغرب، وهي العصابة التي لا تكف عن نقل معداتها الحربية إلى المنطقة العازلة وإحداث تغييرات فيها، بدعم من جينرالات الجزائر، كما لا تكف عن التهديد من داخل التراب الجزائري بإعلان الحرب وحمل السلاح ضد المغرب. فما هي قيمة استغلال المغرب لثكنة عسكرية محدودة فوق ترابه الوطني بالجهة الشرقية المحاذية للحدود مع الجزائر، أمام هول هذه الجرائم العسكرية الجزائرية العدوانية. إن النظام العدواني الجزائري يرى عُود التبن في عين المغرب، ولا يرى الخشبة الطويلة العريضة في عينه، فمن يُصدِّق رئيس هذا النظام في قوله المضحك والكاذب أن لا مشاكل مع المغرب، وأن المغرب ليس في نفس الحالة الذهنية الجزائرية من طلب حسن الجوار والعيش المشترك. سنتتظر إلى يوم القيامة، بيد ممدودة، تَخَلّي النظام الجزائري عن أطماعه العدوانية ضد بلادنا، واعترافه بجرائمه الواضحة والفاضحة ضد المغرب، والتي يعلمها القاصي والداني، منذ انتصاب هذا النظام طرفا أساسيا وحصريا في مناهضة الوحدة الترابية للمملكة، وفي العبث بالتاريخ المشترك للشعبين وبدماء شهداء التحرير في البلدين، والذين كانوا يجودون بأرواحهم في سبيل الوحدة لا التفرقة وتفكيك دول الاستقلال ومؤسساتها وتجزئة ترابها. وإلى حين رجوع هذا الوعي التحريري الإيجابي للجزائر الذي "لا مشكل له مع المغرب" والذي يتقاسم والمغرب رغبته ومبادراته المتكررة للتوجه إلى المستقبل، وإزالة كل العقبات من الطريق المغربية الجزائرية والمغاربية المشتركة، فإن الشعب المغربي بالمرصاد لكل هؤلاء المغرورين الذين لم يكفهم فشلهم في إدارة الحرب والسلم مع المغرب، حتى أضافوا إليه فشلا آخر مدويا في الكذب على التاريخ وتزوير شهاداته، وتحسين صورة قبيحة لنظام لا تكفيه كل مساحيق الإعلام وأضوائه لطلاء قبحه وزيفه.