نفذ أرباب المخابز والحلويات وكما كان متوقعا تهديدهم بشن إضراب وطني يومي الأربعاء والخميس ردا على تجاهل الحكومة لمطالبهم، وضع هذه الأخيرة أمام تحد كبير، ومما زاد الأمر أثارة أن الإضراب لم يقتصر على المخابز العصرية بل تعداها إلى الأفران التقليدية التي أعلنت انضمامها لحركة الإضراب، مما سيعزز موقف الخبازين في مواجهة الحكومة التي تصر على رفض الجلوس مع ممثليهم. الإضراب جاء أيضا متزامنا مع الاستعدادات التي تقوم بها المركزيات النقابية الثلاث ال" فدش" وال "كدش" و" أمش"، للنزول إلى الشارع في مسيرة وطنية يوم 6 أبريل المقبل. ردود الفعل الحكومية من قبل بعض الوزراء تجاه هذين التطورين الاجتماعيين الخطيرين، كانت دون مستوى اللحظة الراهنة التي يعيشها الشارع المغربي من غليان اجتماعي، ينذر بالانفجار. وهي ردود تعكس مدى الاستهتار الحكومي واللامبالاة والهروب إلى الأمام والتنصل من مواجهة الوقائع والحقائق على الأرض واللجوء إلى وضع الرأس في الرمل وعدم التعاطي الجدي والمسؤول مع الملفات الاجتماعية ذات الطبيعة الاستعجالية، وتغيبب المقاربة التشاورية والديموقراطية، والاعتماد على التهوين مما يجري والتبخيس من قيمته، والرهان على عامل الوقت والحسابات الضيقة. فأمام إغلاق 18 ألف مخبزة لأبوابها، تقف الحكومة في وضعية المتفرج، ولا ترغب في تحمل مسؤولياتها الدستورية والسياسية في الجلوس مع مهنيي قطاع صناعة الخبز والحلويات، وتصر على إبقاء دار لقمان على حالها، بل وتتغاضى عن قصد عن كل التصريحات التي أدلى بها ممثلو مهنيي هذا القطاع، دون أن تحرك ساكنا، لتفادي ما هو أسوأ في المستقبل. ونفس المقاربة، مقاربة الصمت واللامبالاة والاستهتار التي تنهجها الحكومة أيضا تجاه النقابات التي تطالب بفتح حوار جدي ومسؤول وجماعي حول الملفات المطلبية النقابية المشتركة، لكن دون جدوى مما جعلها تلجأ إلى خيار التصعيد عبر النزول إلى الشارع، للضغط على الحكومة التي لا تريد تدارك ما ضاع من وقت وجهد للوصول إلى تسوية حقيقية للخلافات مع المكونات النقابية، وتعجل بتنفيذ كل الالتزامات التي وقعتها أو التي وقعتها الحكومة السابقة. إن تعبئة النقابات الثلاث لمناضليها وإمكانياتها اللوجستية، وعكوفها في الوقت الراهن على صفوفها والتحضير لتنظيم مسيرة وطنية كبرى ردا على التماطل الحكومي قبل موعد فاتح ماي عيد العمال، هو رسالة قوية للحكومة التي فضلت عدم الرد على المذكرة المشتركة للنقابات الثلاث الموجهة إلى رئيس الحكومة منذ خمسة أسابيع، وهو ما ينذر بتصعيد اجتماعي غير مسبوق، بعد أن استنفذت المركزيات الثلاث كل الخيارات لتجد نفسها مضطرة للنزول إلى الشارع للضغط على الحكومة حتى ترضخ لمطالبها المرفوعة. لقد اختارت الحكومة إذن أن تجعل من هذا الفصل ربيعا اجتماعيا ساخنا، بدل أن يكون مناسبة مثالية لتحقيق السلم الاجتماعي والخروج من المأزق الذي توجد فيه البلاد، وما أشد حاجتها إلى مثل هذا السلم في الوقت الراهن بالنظر إلى المخاطر والتحديات المحدقة بالمغرب من أكثر من جهة خاصة ما تعلق بالدفاع عن وحدتنا الرابية ومواجهة مناورات الخصوم المستمرة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية، زد على ذلك محاربة الارهاب والجريمة المنظمة والإكراهات والضغوط الخارجية على اقتصادنا الوطني، مما يستوجب من الحكومة تهيئة الظروف الملائمة لتسوية كل الملفات العالقة كملف الحوار الاجتماعي، من أجل التفرغ لما هو أخطر وأهم بالنسبة لمستقبل البلاد أقليميا ودوليا. إن استمرار حكومة بنكيران في التعالي على مطالب النقابات ومهنيي قطاع المخابز والترفع على ألية الحوار والتفاوض الجدي والمسؤول والإصرار على غلق كل الأبواب واللجوء إلى السياسات الانفرادية والارتجالية ولغة التهديد والوعيد، والابتزاز والاستفزاز والطعن في النوايا والمقاصد، من شأنه أن يسير بالبلاد نحو حالة من "الانحباس" ستكون آثارها ونتائجها وخيمة، ولعل مناشدات طرف حكومي لبنكيران بضرورة التعجيل بعقد جلسات الحوار الاجتماعي والتجاوب مع مطالب المهنيين، يعكس في الحقيقة الشعور المتزايد داخل الحكومة بمخاطر المقاربة الانفرادية التي ينهجها بنكيران في مواجهة المعضلات الاجتماعية الكبرى على استقرار وأمن و سلامة التوازنات الاجتماعية بالبلاد، وما آلت إليه الأوضاع من تدهور وتوتر وتصعيد وغضب اجتماعي شديد من سياسات الحكومة اللاشعبية..