تقوم بعض الأحزاب السياسية منذ فترة ليست بالقصيرة، باستغلال بعض أنشطتها الحزبية ومهرجاناتها الخطابية بعدد من مناطق وجهات المملكة، في إطار "حملات انتخابية سابقة لأوانها"، في عملية استقطابية لمواطنين أو ناخبين خارج ما ينص عليه القانون وقبل موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بطرق ووسائل وأساليب تتعارض في شكلها ومضمونها مع مقتضيات القانون الانتخابي، وتضرب بوضوح مصداقية الممارسة السياسية والعمل الحزبي في الصميم، وتدفع بالتالي المواطنين وخاصة الشباب إلى مزيد من العزوف عن السياسة وعن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. ممارسات ولا شك تعود بنا إلى الوراء وتهدد فعلا المكتسبات التي حققناها كمجتمع يتوق إلى الديمقراطية الحقيقية المبنية على الشفافية والوضوح واحترام مقتضيات الدستور ومبادئ القانون، الذي حدد بصرامة الكيفية والشروط المطلوبة من أجل تنظيم حملات انتخابية وزمانها وأمكنتها ووسائلها والتي من شأنها إعادة ثقة المغاربة بأحزابهم السياسية والقطع مع زمن الريع السياسي وعلاقات المحسوبية واستعمال الحرام واستخدام النفوذ لضمان مقعد داخل البرلمان أو المجالس المحلية. إننا نستغرب كيف سمحت هذه الأحزاب لنفسها القفز على القانون، بتحويل بعض أنشطتها الحزبية ومهرجاناتها الخطابية إلى فضاء للدعاية الانتخابية السابقة لأوانها، علما أن القانون نص بوضوح على أن الحملة الانتخابية تجري داخل مساحة زمنية محددة بغية تمكين الأحزاب من تسويق برامجها الانتخابية وتقديم مرشحيها بكيفية نزيهة ومشروعة والاستفادة من مجموعة من الآليات التواصلية المقننة، كالاتصال المباشر مع المواطنين والناخبين، وتنظيم التجمعات الخطابية المرخصة واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري والصحافة المكتوبة والإلكترونية والملصقات الانتخابية والشعارات والشارات والمناشير والمطويات وأشياء أخرى كالقمصان والقبعات. نحن نتساءل إذن عما إذا كانت هذه الأحزاب تعي ما تقوم به أم أنها لا تدرك أن ما تقدم عليه هة خلط صارخ بين مشروعية التأطير السياسي للمواطنين والتواصل معهم والانفتاح عليهم، وتقريبهم من مبادئها الحزبية ومواقفها السياسية، وبين الدعاية الانتخابية غير المباشرة؟. فما يجري إذن هذه الأيام على يد بعض هذه الأحزاب، يحيل فعلا على ممارسات كنا قد اعتقدنا أنها لن تتكرر في ظل دستور 2011 ، لكننا وللأسف نرى اليوم كيف أن هذه السلوكيات والممارسات ما زالت قائمة مما يهدد بإفساد أكثر للممارسة السياسية والحزبية والتشكيك في نظافة العملية الانتخابية برمتها، ويعمق الهوة بين المواطنين والأحزاب السياسية. فأين هي شعارات تخليق الحياة السياسية وتحصين العملية الانتخابية والضرب على يد المفسدين؟ وأين هي المبادئ والمواثيق والتوافقات التي تمت من أجل ضمان شروط النزاهة واحترام القانون وعدم الانزلاق نحو ممارسات مشبوهة من شأنها إفساد العمل السياسي والحزبي وتعميق عزوف المواطنين خاصة الشباب عن السياسة والمشاركة في الانتخابات؟ أسئلة وغيرها نطرحها على هذه الأحزاب التي سمحت لنفسها بخرق القانون والقفز على الدستور والانجرار وراء خدمة أجندة حزبية ضيقة على حساب مستقبل مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي.