من بين أهم الملفات وربما أكثرها حساسية وخطورة بالنسبة للحفاظ على السلم الاجتماعي، ملف الحوار الاجتماعي. فما شهدته سنة 2015 التي ودعناها من أحداث اجتماعية ملفتة للنظر ومثيرة في كثير من ملامحها، بالنظر إلى نوعيتها وجدتها، وانخراط فئات اجتماعية جديدة في المعترك الاجتماعي، حري بنا كمراقبين وكمحللين سياسيين واقتصاديين وباحثين مختصين في علم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي، أن نتساءل حول "مآل" الحوار الاجتماعي، فيما تبقى من ولاية الحكومة الحالية وفي ضوء التصريحات والمواقف المستفزة لرئيس الحكومة تجاه الطلبة الأساتذة، والتي قد تعطي مؤشرا جديدا على ما يمكن أن تكون عليه الصورة العامة لسنة 2016 اجتماعيا. فالقضية الاجتماعية لم تعد منحصرة في ما تعودناه، من نضال النقابات وخروج منخرطيها في مسيرات احتجاجية أو قيامها باعتصامات أو خوضهم إضرابات عامة أو قطاعية، بل تعدت ذلك إلى اتساع الظاهرة الاحتجاجية لتشمل فئات اجتماعية غير منتظمة في السلك النقابي، والتي أضحت اليوم رقما صعبا في المعادلة السياسية والاجتماعية، مثل الطلبة الأطباء والطلبة الأساتذة. إن دخول هذه الفئات وغيرها إلى معترك المواجهة مع الحكومة، قد عدل كثيرا من ملامح الملف الاجتماعي، وإن كانت سنة 2015 قد عرفت احتجاجات كثيرة نظمتها المركزيات النقابية الكبرى، منها إضراب عام، ومقاطعة لاحتفالات فاتح ماي، نتيجة توتر علاقتها مع الحكومة، وهو ما يجعل مستقبل السلم الاجتماعي خلال سنة 2016، محفوفا بالعديد من الشكوك والتساؤلات، بالنظر إلى طبيعة الملفات الاجتماعية العالقة التي فشلت الحكومة في حلها أو لم ترد حلها ، وإلى تزايد معدل التوتر الذي يهيمن على الساحة الاجتماعية. وخير دليل على ذلك لغة التهديد والوعيد القوية لرئيس الحكومة تجاه الطلبة الأساتذة، متهما إياهم بخدمة أجندة جهات أخرى في محاولة منه لتسييس هذا الملف والهروب من تحمل مسؤوليته اتجاههم، مهددا إياهم ب "فقدان التدريب" بل و"فقدان وظائفهم". فالمؤشر يكاد يكون واضحا، على أن بنكيران وحكومته ، غير مستعدين تماما لمراجعة حساباتهما المغلوطة، وهما ماضيان في تنفيذ ما يمكن تسميته بسياسة " القتل الاجتماعي"، من خلال تدابير وإجراءات وقرارات غايتها تقليص دور الدولة في المجال الاجتماعي، وخصخصة القطاعات الاجتماعية بشكل تدريجي. وفي هذا الإطار لن يختلف "الحوار الاجتماعي" خلال 2016 عما كان عليه السنة الماضية، بل قد يعرف مزيدا من التعثر والتأزم، خاصة مع إصرار الحكومة على إصلاح صناديق التقاعد قبل نهاية ولايتها، وتمسك المركزيات النقابية بضرورة النظر في ملفها المطلبي في شموليته، والاستجابة إلى عدد من مطالبها التي لازالت موضوع خلاف مع الحكومة، التي في نظر النقابات أغلقت الباب أمام مخاطبيها الاجتماعيين، بعدما لم تعمل على تطبيق ما ورد في اتفاق 26 أبريل 2011، مشددة على أن "الحكومة الحالية أوقفت جميع النقاط الإيجابية الواردة في هذا الاتفاق". فملف التقاعد، لا زال ملفا شائكا لم تستطع الحكومات السابقة ولا الحكومة الحالية الحسم في إصلاحه بالشكل الذي يقنع جميع الأطراف خاصة النقابات. وملف المقاصة، الذي تتعامل معه الحكومة حتى الآن بشكل تجزيئي ولم تبرز بالتالي معالم إصلاحه الهيكلي بشكل شمولي ولم تؤد الإجراءات المتخذة في تحرير مجموعة من المواد إلا إلى الزيادة في معاناة المواطن وإضعاف قدرته الشرائية. وكذا ملف إصلاح التعليم الذي فشلت الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لإخراجه من أزمته. وملف إصلاح القضاء الذي لا زال يراوح مكانه، إلى غير ذلك من الملفات التي لها علاقة وطيدة بالشق الاجتماعي من السياسة الحكومية. إن العديد من المراقبين اليوم لا ينظرون بعين التفاؤل لما يمكن أن يسفر من " نتائج" عن حوار اجتماعي بين الحكومة والنقابات، خاصة وأن الفشل ظل هو الطابع المميز لمسار كل الجولات التي جمعت الطرفين، والتي ساهم فيها الإصرار الحكومي على نهج سياسة الأمر الواقع على المركزيات، وفرض حلول أغلبها لم يخضع للمقاربة التشاركية التي من المفروض أن تكون هي النبراس الذي يضيء طريق الحوار بينهما. مقابل ذلك فضلت الحكومة نهج سياسة تحكمية واتخذت قرارات غير مدروسة، لم تخضعها أصلا للتشاور مع الأطراف المعنية، ولم تراع فيها ما قد ينتج عنها من تداعيات اجتماعية خطيرة، كما هو الحال بالنسبة ل "مشروع الخدمة الصحية الوطنية" الذي تراجعت عنه الحكومة، والمرسومين الحكوميين القاضيين بإلغاء الإدماج المباشر بعد التخرج وتقليص منحة الطلبة، زد عل ذلك ما عرفته مدن الشمال من مسيرات احتجاجية ضد شركة "أمانديس"، في أكتوبر الماضي، وغيرها من الاحتجاجات المتواصلة. هذه السياسة هي التي تجعل الفاعلين في المجال النقابي والاجتماعي، وكذا المراقبين وعموم المواطنين، غير مرتاحين لما يمكن أن يؤول إليه السلم الاجتماعي، بعد أن أكد بنكيران في آخر خروج إعلامي له على استمراره في المقاربة نفسها، في معالجة كلفة الملفات ذات الطابع النقابي أو الاجتماعي، من خلال اختيارات سياسية قبل أن تكون اجتماعية، تستجيب بالأساس لمطالب المؤسسات المالية الدولية أكثر مما تتجاوب مع تطلعات وانتظارات ملايين المغاربة إلى الاستقرار الاجتماعي و العيش الكريم.