بانضمام الاتحاد المغربي للشغل إلى خيار خوض الإضراب العام مع الكونفدرالية والفيدرالية والاتحاد العام في جميع القطاعات العمومية والخاصة، ردا على ما اعتبره المسؤول الأول عن هذه النقابة استفرادا حكوميا بإصلاح أنظمة التقاعد ورفضها الحوار"، وتهميشا للمركزيات النقابية ذات التمثيلية، وعدم إشراكها في تقرير مستقبل إصلاح صناديق التقاعد إلى جانب باقي الملفات الأخرى العالقة وعلى رأسها اتفاق 26 أبريل والتي ظلت مجمدة حتى الآن، تكون حلقة الغضب النقابي والعمالي قد اقتربت من الاكتمال إذا وضعنا في الحساب موقف نقابة حزب المصباح التي قد تجد نفسها مضطرة إلى الانخراط في معمعة الإضراب دفاعا عن موقعها داخل الجسم النقابي، واستجابة لمطالب المنخرطين فيها التي لا تختلف كثيرا عن مطالب المنخرطين في النقابات الثلاث السالفة الذكر. فإصرار الحكومة على مواصلة سياسة الباب المسدود في وجه النقابات واستهتارها بمواقف ومطالب هذه الأخيرة، وإمعانها في اتخاذ الإجراءات الاستفزازية والقرارات الانفرادية أصبح في نظر ممثلي الطبقة العاملة أمرا غير مقبول ولا يحتمل، وبالتالي تحول الأمر إلى قضية "كرامة" بالنسبة للنقابات، لا يجب السكوت عنها، ومسألة تحد فرضه الاستهتار الحكومي المتواصل بملف الحوار الاجتماعي معها، ولامبالاة رئيس الحكومة بخطورة السير في نهج التعنت المفضي لا محالة إلى التصعيد، وهو ما جعل الاتحاد المغربي يعلن عن استعداده للدخول في مواجهة مفتوحة مع حكومة بنكيران، وينذر هذا الأخير بعواقب الاستثمار في سياسة التحدي، وعدم إدراكه ما يمكن أن تلجأ إليه النقابات في حال تجاوزها والقفز عليها فيما يتعلق بإصلاح نظام التقاعد، من خيارات تصعيدية قد تصل إلى شل الدورة الاقتصادية للبلاد، وهو ما ستتحمل الحكومة نتائجه الخطيرة بمفردها. ولعل قرار المجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل، خوض إضراب وطني عام في جميع القطاعات، احتجاجا على القرارات "المُجحفة" التي تبنتها الحكومة، كخطة رفع سن التقاعد، ومنع رجال ونساء التعليم من متابعة دراستهم الجامعية، وضرب القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال الزيادة في جميع أسعار مستهلكاتهم اليومية، يحمل أكثر من مغزى في الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر منها البلاد، خصوصا بالنسبة للفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود، التي هي المتضرر الأول من سياسة الحكومة. وهو ما أثار غضب الطبقة العاملة التي أجمعت على توحيد الموقف النقابي النضالي في مواجهة استهتار الحكومة، و عدم التزامها بقرارات الحوار الاجتماعي، خصوصا اتفاق 26 أبريل. لقد وضعت الحكومة نفسها أمام معضلة حقيقية نظر السياسة الاستخفاف التي مارستها وتمارسها تجاه النقابات ودورها الدستوري في تحقيق السلم الاجتماعي بناء على حوار جاد ومسؤول مبني على قاعدة التفاوض الجماعي، والعمل على تنفيذ كل الالتزامات الموقعة والمشاركة في تقرير مستقبل كل الإصلاحات المؤسساتية ذات الطابع الاجتماعي مثل صناديق التقاعد وصندوق المقاصة وغيرها. فالحكومة عبرت من خلال نهجها التحكمي حتى الآن وإصرارها على الاستفراد بتدبير الملفات الاجتماعية الكبرى، كملف التقاعد، عن توجه إقصائي مكشوف، ورغبة معلنة في تهميش دور المركزيات النقابية، وتعطيل الحوار الاجتماعي كآلية دستورية، وهو ما يشكل " مدخلا خطيرا للانقلاب على كل المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية التي راكمها المغرب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وهي اليوم تحاول جاهدة العمل على تشتيت عمل النقابات والتأثير على استقلالية القرار النقابي، والدفع نحو فرض سياسة الأمر الواقع من خلال قرارات انفرادية وسياسات تحكمية وخطاب تهديدي، للتغطية على فشلها في تدبير الملف الاجتماعي برمته، في ظل وضعية اجتماعية اقتصادية معقدة تمر منها البلاد وضرب متواصل للقدرة الشرائية وإجهاز مستمر على الحقوق الأساسية للشغيلة المغربية بالقطاعين العام والخاص. إن المنهجية الحكومية المتبعة حتى الآن لا تهدف إلى تنزيل المقتضيات الدستورية الخاصة بالحوار الاجتماعي و احترام القواعد الديمقراطية في تدبير المفاوضات مع الفاعلين الاجتماعيين، بقدر ما تسعى إلى الهروب المستمر من تحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية، ناهيك عن الدستورية وعدم التزامها بتنفيذ وعودها بشأن تسوية الملف الاجتماعي، وهو ما بات يشكل بالفعل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، مما يعني دخول البلاد في مرحلة أكبر وأخطر من المواجهة والاحتقان لا يعلم آثارها وتداعياتها الكارثية إلا الله.